أمينة النقاش تكتب : فى حوار نادر نجيب محفوظ: أدين الإرهاب لا المنجزات فى ثورة يوليو
أمينة النقاش تكتب : فى حوار نادر نجيب محفوظ: أدين الإرهاب لا المنجزات فى ثورة يوليو


أمينة النقاش تكتب: فى حوار نادر نجيب محفوظ: أدين الإرهاب لا المنجزات فى ثورة يوليو

أخبار الأدب

الأحد، 04 سبتمبر 2022 - 02:32 م

طيلة عمرى الأدبى لم أكتب إلا بوحى من ضميرى ودون مراجعة إلى احتمالات موقعها من نفس هذا أو ذاك ودون  اكتراث للعواقب

أنا معجب بالمركسية ولكنى أرفض دكتاتوريتها وفلسفتها المارية

لو كان الشعر أداتى لا الرواية ذلك الفن الأقرب إلى التجريد لأمكننى أن أنشئ القصائد عن بلاد العرب وفلسطين والجزائر وأنا ملازم لمكانى 
فى القاهرة

قبل أن تقرأ فى فبراير عام 1976 نشرت لى مجلة آفاق عربية العراقية  الشهرية  الحوار التالى مع «نجيب محفوظ». كان «شفيق الكمالى» الشاعر والمثقف الكبير  والسياسى  المحنك  هو مؤسس المجلة ورئيس تحريرها ، وكان «رجاء النقاش» مراسلا لها من القاهرة. وتعود الصداقة  الحميمة  التى جمعت بين الرجلين إلى الخمسينيات، ولم تكن الزمالة فى  دراسة اللغة العربية فى  كلية الآداب جامعة القاهرة، ومحبة آدابها ، هى فقط الأسس التى بنيت عليها تلك الصداقة، بل كان للسياسة دورها كذلك. وأغلب الظن أن شفيق الكمالى  (1929-1984) كان  هو  مسئول رجاء النقاش  السياسى داخل المجموعة البعثية التى تشكلت فى القاهرة آنذاك، وكان من بينها الدكتور جلال أمين والدكتور على مختار والدكتور سمير فياض، وغيرهم من المثقفين المصريين الذين جذبتهم شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية ،التى كان البعثيون يرفعونها. كانت تلك المجموعة تلتقى وتعقد بعض اجتماعاتها فى مقهى «أنديانا»  الشهير بميدان الدقى ، القريب من مبنى  جامعة القاهرة  ومن سكن العائلة، وكان هذا المقهى محلا مختارا  لبعض لسياسيين العراقيين والسوريين المنفيين فى القاهرة، كان بينهم ميشيل عفلق وصدام حسين. اقترحت يوما على أخى رجاء النقاش أن يكتب تاريخ هذا المقهى، ودوره فى الحياة السياسية والثقافية فى مصر. 
اتفق رجاء النقاش مع نجيب محفوظ على موعد لى  للذهاب إليه فى جريدة الأهرام لإجراء هذا الحديث، لكنه فى اليوم المحدد اعتذر عن إجرائه لاضطراره للسفر لأمر هام إلى الإسكندرية، واقترح أن أترك له الأسئلة  فى مكتبه، وسوف يجيب عنها بنفسه، ويردها لى. كنت أحتفظ بنص الحديث بخط  يد نجيب محفوظ طوال سنوات خلت، لكنى فشلت فى العثور عليه ونشر نماذج منه. 
وفيما يلى نص الحديث كما نشر فى آفاق عربية ردا على أسئلتى . 

مازال الأديب الكبير نجيب محفوظ يثير الجدل والمناقشة فى الأوساط الثقافية والسياسية فى الوطن العربى كله، وذلك بسبب رواياته الأخيرة التى تعرضت للواقع السياسى فى مصر بمناقشة عنيفة وصريحة.

وخاصة فى هذه الفترة التى أعيد فيها النظر فى تاريخ ثورة 23 يوليو وفى تاريخ قائد هذه الثورة جمال عبدالناصر، وقد امتدت المناقشة إلى قضايا مهمة منها: انتماء مصر العربي، والانفتاح على الغرب، ومراجعة إجراءات التطبيق الاشتراكى فى مصر.. كل هذه المناقشات قد امتدت واتسعت فى مختلف البيئات والمجالات فى مصر.

وفى هذا «الجو» الفكرى والسياسى كتب نجيب محفوظ عددا من الروايات والقصص القصيرة التى تعرضت لهذه المشاكل كلها واتخذت منها موقفا واضحا صريحا.


على أن هذا الجانب فى موقف نجيب محفوظ الأدبى والفكرى لم يكن وحده وراء اهتمام الرأى العام الأدبى والسياسى بإنتاجه الأخير.


إن الاهتمام بنجيب محفوظ يعود إلى قيمته المتجددة فى إنتاجه الأدبى العظيم، وفى أمانته الفكرية البالغة، وفى صدقه مع نفسه ومع الرأى العام الأدبي، ومع ضميره الخاص، ومع ضمير أمته.. وفى اهتمامه بالتجديد الفنى ورفضه القاطع لأى جمود فنى أو فكري.


وحول هذه الجوانب المختلفة يدور هذا الحديث المهم مع نجيب محفوظ. ولقد كان حديثه مهما اختلفنا معه أو اختلف معه الباحثون والقراء حديثا صادقا جميلا أمينا..
كما تعودنا من نجب محفوظ دائما.


ولن نطيل فى التقديم بعد ذلك.فليس نجيب محفوظ مجهولا للقارىء كأديب ومفكر، وليس بحاجة إلى مزيد من التعريف.. فلندخل معه فى الحديث مباشرة، وليكن هذا الحديث موضوعا لمناقشة الأدباء والكتاب الذين يرون فيه ما يستحق التعليق والمناقشة.


1
آثار الناصريون فى الفترة الأخيرة اتهاما لك بأنك انضممت إلى توفيق الحكيم، وإلى القوى اليمينية المختلفة فى الهجوم على جمال عبدالناصر وعصره ومنجزاته، وذلك فى روايتك «الكرنك»، ويركز الناصريون اتهامهم لك على الوجه التالي:


1 - أنك نلت فى عصر عبدالناصر أعلى جوائز الدولة وأعلى المناصب الرسمية حيث إنك وصلت فيما يقال إلى درجة نائب وزير، وذلك عندما كنت رئيسا لمجلس إدارة مؤسسة السينما.


2 - أنك عشت فى أيام عبدالناصر دون أن توجه إليه أى نقد.


3 - أن حملتك فى روايتك «الكرنك» قد توافقت تماما مع حملة اليمين على عبدالناصر والإنجازات التى تمت فى عصره.


ما رأيك فى هذه الاتهام الذى يوجهه إليك الناصريون الآن؟
من حسن الحظ أن الكرنك رواية وليست شائعة من الشائعات، ومن يقرأها يعرف بداهة أنها تدين الإرهاب لا المنجزات، بل لعلها نوعت بالمنجزات فى أكثر من موضع فلا يمكن والحال كذلك أن تعتبر هجوما على المنجزات إلا عند من يعد الإرهاب من المنجزات.


وقد نلت فى عصر عبدالناصر أعلى الجوائز وتوليت مناصب هامة، فترى هل كان ذلك باعتبار من أهل الثقة أو من أهل الكفاءة؟
أما ما يقال إننى عشت عصره دون أن أوجه نقدا فأقل ما يقال فيه أنه حكم لا يمكن أن يصدر عن قارىء نزيه، وإلا فمن كان كاتب أولا حارتنا واللص والكلاب والسمان والخريف والطريق والشحاذ وثرثرة فوق النيل وميرمار؟..

ومن كان كاتب القصص القصيرة على سبيل المثال لا الحصر: الخوف وروبابيكيا وسائق القطار وشهر العسل وتحت المظلة والظلام؟
إن من يرجع إلى تلك المؤلفات يقتنع حتما بأن  الكرنك ما هى إلا امتداد لها وهى لم تتوافق مع حملة اليمين ولكنها سبقتها وقد منع نشرها فى الأهرام ثم نشرت فى كتاب بعد معاناة مع الرقابة، وكان ذلك قبل سيل الكتب الصريحة التى حملت على العصر ومنجزاته.


فلا انضمام ثمة إلى اليمين أو غيره، وأنا - طيلة عمرى الأدبى - لم أكتب إلا بوحى من ضميرى ودون مراجعة إلى احتمالات موقعها من نفس هذا أو ذاك ودون  اكتراث للعواقب.


2  ـ هل يمكننا أن نحصل منك على رأى مباشر فى عبدالناصر وثورة 1952؟ لقد ذكرت يوما فى حديث لك انك قبيل الثورة بقليل كنت تعد سبعة مواضيع لروايات واقعية، وإذا بثورة 1953 تقوم فتموت معها الموضوعات السبعة من حيث الدافع لكتابتها، وذكرت فى حدثك أنه «حينما ذهب المجتمع القديم ذهبت معه كل رغبة فى نفسى لنقده».


وظننت أننى انتهيت أدبيا ولم يعد لدى ما أقوله أو أكتبه وأعلنت ذلك وكنت مخلصا فيه ولم يكن الأمر دعاية كما ظن البعض، وظللت على هذه الحالة من سنة 1952 حتى سنة 1957 لم أكتب كلمة واحدة، وكنت أعتبر المسألة منتهية تماما حتى وجدتنى أكتب «أولاد حارتنا» وأنشرها سنة 1959.


 معنى هذا الكلام أن السنوات الأولى للثورة حققت أحلامك؟ فهل خابت هذه الأحلام بعد ذلك فعدت للكتابة؟.. ماذا ترى أنت الآن فى ثورة 23 يوليو وفى عبدالناصر؟
ثورة يوليو هى ثورة العدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية والقومية العربية والديمقراطية، أو هى حلم ما عرف يوما باليسار الوفدي. ومازالت هذه المبادىء هى خير ما يهدى إلى الشعب المصري، بل الشعب العربى عامة، وحقا لقد سعدت بها، واطمأن ضميرى لدرجة أننى زهدت فى الكتابة إذ إننى من الكتاب الذين لا يكتبون إلا بدافع من القلق الناشىء عن عدم التوافق مع العالم من حولهم.


وفى سبيل هذه الثورة المجيدة ضحيت بأكبر قيمتين فى حياتي.
ـ بالوفد.
ـ بالديمقراطية.
ثم تبين لى للأسف الشديد أنها ثورة تبنى بيد وتهدم بالأخرى، فهى تلغى النظام الملكى وتحقق الجلاء وتقيم الإصلاح الزراعى والسد العالى وتدعو للقومية العربية تناصر حركات التحرر ومن ناحية أخرى تسلم مؤسساتها إلى أناس بلا كفاءة ولا خلق ينغمس قادتها فى الترف والثراء تنكل بأهل الرأى من مخالفيها تنكيلا وحشيا وتشهر سيف الرعب والإرهاب.

تزج بنفسها فى مغامرات دون إعتبار لقوتها  الحقيقية وإمكاناتها الواقعية، وتجىء النتيجة رهيبة ومؤسفة فبدلا من أن نصير أمة مثل اليابان تدهمنا شر هزيمة فى تاريخنا كله، تتركنا بلا مال أو كرامة!


إذا أردت تعليلا للكارثة لم أجده إلا فى غيبة الديمقراطية، الديمقراطية ليست مجرد قيمة من القيم ولكنها فى الوقت نفسه حامية القيم جميعا وعندما يستبد شخص بالأمر فلن تنفعه عبقرية ولا وطنية ولا نية حسنة، سوءة واحدة قد تهدم البناء كله.


إن الديكتاتور يعطى أمته خير ما فيه وشر ما فيه، لا حيلة، فى ذلك، أما الحاكم الديمقراطى فيعطيها خير ما فيه وأما شر ما فيه فتتكفل به المعارضة والصحافة والرأى العام.


وخلاصة الرأى فى الثورة ورجلها أنها ثورة عظيمة ورجل عظم وأخطاء جسيمة وخاتمة سيئة سوداء على الأقل فى هذه المرحلة من حياتنا، وبسبب هذه الخاتمة ترانا اليوم نتسول ونهادن ونتراجع كى ننتشل السفينة الغارقة بأى ثمن!


3ـ ما رأيك فى كتاب عودة الوعى لتوفيق الحكيم؟
أعتقد أن الأستاذ توفيق الحكيم كان يرى الحسن ويرى الردىء، وأحيانا نقد الردىء ولكنه آثر التأييد المطلق فى سبيل الحسن فلما أن أطاحت الهزيمة بكل شىء لم يجد بدا من تسجيل اعترافه التاريخى إراحة لضميره وترشيدا لبنى وطنه.


4- قبل أن نترك رواية «الكرنك» هناك سؤال تردد حتى بين أنصارك والمعجبين بأدبك.. هذا السؤال هو: لماذا جعلت الدعوة إلى الحرية والعدالة والايمان بالانسان فى آخر الرواية على لسان خالد صفوان: ذلك الضابط الذى كان أداة للإرهاب وتعذيب الناس واهانتهم والضغط عليهم؟.


هل كانت هذه النزعة الإنسانية - فى رأيك - كامنة فى هذا الإرهابى الظالم؟ أم انه لم يشعر بالظلم إلا بعد أن تعرض له؟.. إذن الكثيرون يرون أن صدور هذه الأفكار النبيلة عن هذا الإنسان الذى كانت مهمته على أن يتعاطف مع هذه الأفكار.. فما رأيك؟


 أردت أن أقول إن كل إنسان خليط من نوازع الخير والشر وأن النظام الذى يعيش فى ظله هو الذى يغلب جانبا على الآخر، فخالد صفوان جاء من القرية وانضم إلى الثورة وطنيا من الوطنيين ثم رأت أن تنشىء جهازا للإرهاب.

وأن تجعله على رأس وحدة من وحداته فتطلب واجبه أن يغلب على نوازع الشر، حتى صار وحشا، فلما انفض النظام وتعرض هو نفسه للسجن تأمل حياته ووقف على سر المأساة التى لعب فيها دور الجلاد والضحية معا.

 5 -و عندما أجرى تلك المبادىء على لسانه فكأنما أقول: إذا كان هذا هو الرأى الذى انتهى إليه الوحش فكيف لا يكون رأى الناس جميعا؟
يتهمك الناقد الدكتور لويس عوض فى محاضرة له ألقاها بإحدى الجامعات الأمريكية بعكس ما يتهمك به الناصريون.إنه يقول ما معناه أنك بعت نفسك لعبدالناصر ونظامه، فكرمك النظام الناصرى وأجهزة إعلامه.

وكان الثمن الذى دفعته أنت هو أنك قمت فى روايتك المشهورة «الثلاثية» بتشويه ثورة 1919  وزعيمها سعد زغلول حتى لا يبقى على سطح التاريخ السياسى لمصر فى القرن العشرين سوى ثورة واحدة هى ثورة 23 يوليو.


هذا هو رأى الناقد الكبير الدكتور لويس عوض، وأنا لا أوافقه إطلاقا على رأيه، ولكننى أود أن أسمع رأيك فى هذا الاتهام؟
قد انتهيت من كتابة الثلاثية فى أبريل 1952 قبيل قيام الثورة بثلاثة أشهر وقد تسلمها منى الأستاذ يوسف السباعى فى نهاية 1952 على ما أذكر لينشرها مسلسلة فى مجلة الرسالة الجديدة، ولعلك قرأت الثلاثية فخبرينى بالله أين تجدين بين سطورها نيلا من الوفد أو من سعد زغول.


لقد تعرفت بسببها بزعماء الوفد الباقين على قيد الحياة أطال الله بقاءهم، وأسمعونى رأيهم فيما جاء عن ثورة 1919 فيها، واعتبروه تحية لجهادهم فى زمن حرم ذكرهم ومحا من كتب التاريخ سيرتهم الزكية.. إن سعد زغلول وثورته على رأس أبطال الثلاثية، غاية ما فى الأمر أنه لم يوجد بطل فى الثلاثية لم يتعرض لفعل الزمن وتقلباته وتلك هى الفكرة الأساسية فى الرواية.


وأنا لم أبع نفسى لأحد ولم يطالبنى أحد بذلك، وهل عبدالناصر لم يكن يستحق التأييد إلا بالبيع والشراء؟. هذا كلام يقال عن حاكم أجنبى أو عن حاكم من نوع إسماعيل صدقى، أما عبدالناصر فكان زعيما وطنيا صاحب منجزات أسطورية وقد أيدته بقلبى ولسانى ومن المؤسف أنه لم يعلم بحماسى له بسب أننى لم أكن خطيبا ولا صحفيا ولا انتهازيا!


6- أما عن تكريم أجهزة الإعلام فلم تكن هناك حملة مدبرة ولكننى كأى كاتب تعرضت للهجوم والتكريم فى الصحف والإذاعة والتليفزيون بحسب موقع أعمالى من مختلف النقاد وكان لويس عوض كذلك. وسائر الكتاب الأدباء.. ألم يكرم لويس عوض نفسه أدبيا وماديا؟ فهل كان ذلك لأنه باع نفسه؟

يبدو على عكس ما يقول الدكتور لويس عوض أنك عميق الحب لثورة 1919 ولحزب الوفد بالذات، إن الأبطال الذين صورتهم فى رواياتك المختلفة من أبناء جيلك يحسون- بمرارة- أنهم لا ينتمون لثورة يوليو- وذلك لأنهم كانوا وفديين، وقد قامت الثورة بهدم الوفد، وقد حاولت الثورة أن تحقق ما عجز عنه هذا الحزب الوطنى الكبير من مبادىء وشعارات.

وقد انعكس اضطهاد الثورة الوفديين على أبطالك من أمثال «عامر وجدى» فى «ميرامار»، وعيسى الدباغ فى «السمان والخريف» وبعض شخصيات «المرايا» فهل هذه الشخصيات تعبر عن رفضك للأسلوب الذى اتبعته الثورة مع الوفديين؟ وهل كان إيمانك بالوفد سببا من الأسباب التى أدت بك الآن إلى نقد ثورة يوليو وقائدها عبدالناصر؟

 لقد كنت وفديا مثل الأغلبية الساحقة لشعبنا، ومازلت احتفظ للوفد فى نفسى بكل حب وتقدير، ولكنى أعرف أيضا أن الزمن يسير دوما، وأن المجتمع ينمو ويتعقد ويتطلب مع التقدم مثلا عليا جديدة تناسب أطواره الجديدة، لذلك، من موقع وفديتى، أعطيت الولاء الكامل لثورة يوليو باعتبارها الثورة التى يجب أن تتسلم الشعلة وتقود المسيرة.


وحتى عندما تصديت لنقد الثورة بالكلمة الأدبية فلم أفعل ذلك من موقع الرفض ولكن من موقع المعارضة الشريفة والانتماء الكامل، ولعله بسبب ذلك لم يسىء أحد بى الظن ولم تنزل بى عقوبة، وإن وصلت بى بعض الكتابات إلى الحافة كما بلغنى وزير الثقافة الفنان الدكتور ثروت عكاشة.


7- فأنا لم أنقد الثورة انتقاما مما حل بالوفد على يديها ولكن تأثرا لما حل بالثورة على يد الثورة نفسها.

جيلنا الجديد يحس أحيانا بغضب مما تكتبه عنه لأنه يراك قاسيا وغير موضوعى بالنسبة له - إن  شخصيات الجيل الجديد فى رواياتك الأخيرة مثل «الحب تحت المطر» و«الكرنك» وبعض شخصيات «المرايا» تبدو  شخصيات ذاتية وأنانية إلى درجة المرض. فمن أين جئت بهذه الصورة للجيل الجديد؟ من أين لك بهذه الصورة المتشائمة وفى جيلنا آلاف من الشهداء وآلاف ممن يكافحون بإخلاص وجدية فى ميادين الطب والهندسة وغيرهما من الميادين؟ إنك تبدو كما لو كنت غير مؤمن بالمستقبل.


إن الوطن العربى يضم شبابا أكثر شجاعة وعطاء وجدية وحبا للوطن مما صورت به الجيل الجديد فى رواياتك الاخيرة.


فما رايك؟- رواياتى الأخيرة تنبع عن ماء الهزيمة الآسن وقد فعلت الهزيمة بالشباب والشيوخ ما فعلت وذاك واقع مر وحقيقى وله نظائره فى التاريخ ولعلنا مازلنا نعيش بسبب الأزمة الخانقة فى «نوعيتين»:
فباستثناء قلة سعيدة الحظ استطاعت بفضل اجتهادها المحافظة على نقائها توجد نوعيتان رئيسيتان:
أناس لا يعيشون أى لا يحيون الحياة التى تستحق هذا الاسم.


أناس يحيون بفضل الانحراف والجريمة.
ولكن عندما يلقى الإنسان نظرة شاملة على الماضى فإنه لا يمكن أن ينكر فضل المجاهدين ممن اكتظت بهم المعتقلات ممن قتلوا أو شنقوا أو طوردوا وأرد أن أذكرك بقصتى «الطابق الخامس والثلاثون» التى أوشك بطلها فى لحظة من لحظات اليأس على الجنون فقرر أن يقتل كل من يسجن أو يعتقل!
8 - بل إن حكمك تجاهل أبطالا لا غبار عليهم فى المرايا وفى الكرنك ممن حافظوا على بطولتهم حتى الموت!

فى رواياتك «الشحاذ» و«ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار» و«المرايا» يبدو المثقفون كائنات ضائعة هاربة من الواقع فى الحشيش أو الجنس أو التاريخ... فلماذا تبدو صورة المثقفين لديك على هذا القدر من الاضطراب  والارتباك الروحى؟ أليس هناك مثقفون ثوريون حاولوا دائما أن يغيروا الواقع ويعترضوا على الأخطاء؟.. آن فى أدبك ولاشك نماذج إيجابية من المثقفين ولكن عنايتك بتصوير النماذج السلبية أكبر بكثير فما هو رأيك؟

يسرنى أنك تعترفين بأنه يوجد فى أدبى نماذج إيجابية من المثقفين أما عن ميلى إلى تصوير النماذج السلبية أكثر فذلك لأنها مبعث الألم والقلق. ونحن نعيش فى زمن الإعلام والدعاية أجهزتنا تتغنى ليل نهار بالإيجابيات الحقيقية والخيالية. نحن من خلال الأجهزة أعظم كفاحا من الصين وأكبر فداء من فيتنام وأسعد حالا من السويد فهل تضيقين بنقاط معدودة من الفقر فى هذا المحيط الشامل من الضياء والثناء؟!


9-  أنت كاتب قومى بمعنى أنك تعيش فى قلب مصر دائما فقد كانت رواياتك الأولى عن مصر الفرعونية ثم جاءت رواياتك التالية لتتحدث عن مصر قبل ثورة 1952 وكانت رواياتك الأخيرة عن مصر بعد الثورة ويتساءل الكثيرون من الشباب العربى عن موقفك من عروبة مصر صحيح أنك حريص على اللغة العربية الفصيحة فى حوارك.

ولكن الفكرة القومية عندك ظلت محدودة بالحدود المصرية ألم تر مصر أبدا فى إطارها القومى الذى يمتد خارج الحدود الضيقة إلى المواطن المصرى الذى مات شهيدا فى فلسطين أو اليمن أو فى الجزائر؟
الكاتب عادة يكتب عن اهتماماته ولكن قد تكون اهتماماته أكبر من إمكاناته فأنا ممن يؤمنون بالقومية العربية وبتحرير الشعوب  فى حياتى ووجدانى وإلا تمخض العمل عن شئ مفتعل بلا طعم ولا رائحة.


ولو كان الشعر أداتى لا الرواية ذلك الفن الأقرب إلى التجريد لأمكننى أن أنشئ القصائد عن بلاد العرب وفلسطين والجزائر وأنا ملازم لمكانى فى القاهرة أما الرواية فتحتاج إلى المعايشة والانغماس فى الواقع بل وأحيانا الوثائق لذلك يصدق علىّ المثل القائل العين بصيرة واليد قصيرة!!


10- هناك اتجاه واضح ينادى الآن بعزلة مصر عن الأمة العربية فما رأيك فى هذا الاتجاه؟
إنه رد فعل انفعالى إزاء ما أصابنا من خسران بسبب اندماجنا فى فكرة القومية كما يحدث للبعض عندما يعيشون فى حب كبير من ميل إلى كراهية المرأة مثلا.. ولكن إذا كان اندماجنا فى فكرة القومية قد أدى بنا فى ظروف معينه إلى الحال التى نعانيها فإن العزلة لن تعنى إلا الموت أو الحياة التافهة التى لا تفضل الموت بشئ.


11- وعلاج هذا الموقف بيد إرادة الحياة الأبدية وبيد العرب أيضا وإذا كنا قد ضحينا بما ضحينا فى سبيل القومية العربية ألا يحق لنا أن نطالب العرب القادرين بمثل هذه التضحية فى سبيل تضميد جراحنا!

هناك اتجاه آخر ينادى بربط مصر مع أمريكا والغرب فما رأيك فى هذا الاتجاه؟
- نحن نعيش زمن الوفاق العالمى وإذا كنا قد نادينا بالحياد الإيجابى فى زمن الحرب الباردة ألا يجب علينا أن نزداد به استمساكا فى زمن الوفاق؟
نحن فى حاجة إلى أمريكا والغرب ولكن هل ننسى الذين أقاموا لنا بناء التنمية الشامخ فى مجال الزراعة والصناعة؟.. هل ننسى الذين وقفوا إلى جانبنا وقت الحرب والمحنة؟ حتى المساواة الكاملة بين الفريقين لا تخلو من قلة فى الوفاء!


12- هل توافق على عودة الأحزاب للعمل فى الحياة السياسية المصرية؟ إذا كنت توافق على ذلك فما هى الأحزاب التى ترى أنها يجب أن تظهر فى مصر الآن؟ 
لا أتصور حياة صحية بلا أحزاب. والأحزاب موجودة سواء اعترفنا بها أم لم نعترف.. فما دام الناس يختلفون فى المصالح والآراء فهم أحزاب. والدولة يجوز إلا تعترف بالأحزاب أو تسمح بقيامها ولكنها تعجز مهما أوتيت من قوة عن محو وجودها إلا إذا أبادت الرعية نساء ورجالا.

ومن خلال الاحزاب تتبلور شخصية الأمة ويتضح وعيها السياسى والاجتماعى.. وتتهيأ الفرص للصراع المشروع بين الإرادات والأفكار وتصان كرامة الإنسان وحقوقه. أما ما هى الأحزاب التى يجب أن توجد فهى الأحزاب التى تعبر عن تيارات حقيقية فى الشعب بصرف النظر عن عدد المنتمين لكل منها.


ويمكن حصر هذه التيارات أو الأحزاب فيما يأتى..
1- تيار ديمقراطى اشتراكى يجب أن يمثل مبادئ ثورة يوليو.
2- تيار شيوعى مادى الفلسفة علمانى الرؤية.
3- تيار محافظ يبغى تصفية الثورة والرجوع إلى الاقتصاد الحر والارتباط بأمريكا والغرب.
4- تيار دينى يهدف إلى إقامة حضارة عصرية على أسس روحية.
13 من الواضح أنك اقتربت فى فترة من الفترات من الماركسية وكانت نماذج الماركسيين فى بعض رواياتك تعطى إحساسا بأنك تعطف عليها فما سر هذه الظاهرة خاصة أنك لم تعلن أبدا إيمانك بالماركسية وولاءك لها كمذهب فكرى وسياسى؟
- الحق أنى معجب بالماركسية فيما تحقق من عدالة اجتماعية ورؤية إنسانية شاملة واعتمادها على العلم. ولكننى أرفض دكتاتوريتها وفلسفتها المادية.
14 بمناسبة الحديث عن الماركسيين هناك تيار سياسى تقدمى يدعو إلى توحيد الوطن العربى ولا يرى حلا لمشكلة العرب إلا من خلال هذا التوحيد فما رأيك فى هذا التيار؟
- أومن بتوحيد العرب لأنه السبيل الوحيد لتقديمهم ودخولهم العصر الحديث بقوة وكرامة...
15 رواياتك كلها ما عدا «السراب» هى روايات سياسية فهل معنى ذلك أنك تعتبر الرواية السياسية هى أهم ألوان الآدب الروائى المعاصر؟ أم ما ذا يعنى الأمر عندك؟
- لم أختر السياسة بمعنى الاختيار. الموضوع يفرض نفسه بنفسه. الكاتب لا يعالج إلا اهتماماته- كما قلت- فى الحياة وقد اهتممت طيلة حياتى بالسياسة حتى أن أسعد أيامى أيام سياسية وأتعس أيامى أيام سياسية أيضا.
16لعله ليس فى حياتى الخاصة يوم مثل 5 يونيه أو 6 أكتوبر فرواياتى سياسية لأنى مهتم بالسياسة وأنا لا أختلف فى هذا الموقف عن كاتب يستغرقه الحب أو الانتقام.

 دعنا نتحدث عن شخصك قليلا.. لماذا لا تحب السفر وترفضه رفضا قاطعا، بينما يبدو السفر عند معظم الأدباء الكبار مصدرا للثقافة ومصدرا لمزيد من المعرفة بالحياة والإنسان.. لقد انحصرت حياتك فى مدينتين- القاهرة والإسكندرية. فما هو السر فى ذلك؟
- اعترف بفوائد السفر ولكنى لا أحبه ولا أطيق فكرته لماذا؟ علمى علمك.

17 حياتك الشخصية بما فى ذلك عواطفك محاطة كلها بأسوار من التحفظ والكتمان لا أحد يعرف عنك شيئا غير إنتاجك الأدبى، هل لك فى ذلك فلسفة خاصة؟
18- لا كتمان ولا أسرار فإنى كبقية الناس أصارح الأصدقاء بما يشغلنى من شئون الأسرة والأولاد وغيرها ولكن هل تريدين أن أعلن ذلك فى الصحف والكتب؟ وما ذنب القراء فى ذلك؟

أنت أب لبنتين كبراهما وأظن اسمهما «أم كلثوم» طالبة بالسنة الأولى فى كلية الآداب هذا العام. اختر لابنتك هذه عشرة كتب من الثقافة العالمية لابد أن تقرأها فى نظرك؟
1- القرآن
2- الديانات الكبرى... بروفسير ليون
3- تاريخ الحضارة.. ديورانت
4- تاريخ العلم... سبراتون
5- المذاهب السياسية والاقتصادية
6- شعر طاغور
7- دائرة معارف الفن
8- الحرب والسلام.. لتولستوى
9- ألف ليلة وليلة
10- مختارات من الشعر والنثر العربى للدكتور طه حسين، أحمد أمين وآخرين.


19 ما هو رأيك فى الحب، وما هو دور الحب فى حياتك؟
الحب شعلة يرى الانسان على ضوئها الحق والخير والجمال هو مقدس بكافة طبقاته العليا والسلفي.
الدنيا من غير حب «وجود» ولكنها بالحب «حياة»..
20 عشرة كتب وصايا. هكذا أريد أن اقترب من ختام حديثى معك. ولقد تحدثت عن الكتب العشرة. وأرجو منك أن توجه إلى الجيل الجديد عشر وصايا فماذا تقول؟
1- حياتك زيارة قصيرة للدنيا فلا تهمل دقيقة واحدة منها.
2- أنت مدعو إلى إقامة علاقات صحية مع الناس فهم رفاقك فى هذه الزيارة.
3- ساند كل ما يجعل الزيارة سعيدة وحارب كل ما يهدد سعادتها.
4- ادرس علما فإن لم تستطع فإدرس منهج العلم واتخذه مرشدا.
5- القيم الروحية والقيم المادية وحدة لا تتجزا.
6- لا تترك الدنيا دون إضافة يعترف الناس بفائدتها لهم.
7- احترم النظام متأسيا بالمجموعة الفلكية التى تعيش فى رحابها.
8- كن إيجابيا فى كل شئ وفى سبيل العقيدة الحرب والسلم مشروعان.
9- أنت مسئول عن أى تعاسة فى العالم ولو كانت فى أحد القطبين.
10- لا تخف الموت فالذى جاء بك هو الذى يأخذك.

21 باعتبارى فتاة من الجيل العربى الجديد أشعر بالذى مازالت تشعر به المرأة العربية أريد أسمع رأيك فى قضية منع تعدد الزوجات وقضية منع الطلاق الا امام القاضى.
1- ثمة قانون واحد يتحكم فى تعدد الزوجات هو الضرورة الاجتماعية وبخاصة وأن أى امراة تستطيع أن ترفض المشاركة كما أن الزوجة الأولى يجب أن يكون لها حق طلب الطلاق فى هذه الحال.
2- أوافق على ألا يتم طلاق إلا أمام قاض وأقترح أن يوجد تأمين ضد الطلاق الزوجة غير العاملة.

اقرأ أيضا | كنوز| روحانيات رمضان في حياة نجيب محفوظ

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة