عبد الله
عبد الله


صرخة شاب أغرب من الخيال.. الفاصل بيني وبين أبويا الـ DNA

أخبار الحوادث

الأحد، 04 سبتمبر 2022 - 04:17 م

كتب: مصطفى منير

 عاش عمره يبحث عن أسرته الحقيقية، يرفض أن يصدق الواقع الذي يعيش تفاصيله، هناك شيء بداخله يؤكد له أن تلك الحياة التى يعيشها ما هي إلا مجرد مرحلة، كان على يقين أنه سيصل فى النهاية لأسرته الحقيقية ويعيش بين أحضانهم فى سعادة، فبالرغم من انتقاله بين أكثر من دار رعاية أطفال منذ صغره، إلا انه فى كل رحلة كان يحدوه الأمل أن أسرته فى انتظاره، حتى قرر بدء رحلة البحث، عاد لكل دار تواجد بداخلها، حتى وصل إلى أول دار استقبلته وكانت فى مدينة الإسكندرية، ليبدأ هذا الشاب رحلة البحث والوصول للحقيقة من هناك والتى كان يعتبرها النهاية، ولكنها كانت بداية مليئة بالصعاب وكأنه مكتوب عليه أن يظل حائرًا في الحياة.. التقت أخبار الحوادث بالشاب عبدالله ليسرد لنا تفاصيل المعاناة التى يعيشها منذ نعومة أظافره وحتى الآن.

 

البداية كانت في شهر نوفمبر 1990 بناحية بير مسعود بسيدي بشر بالإسكندرية أو كما يُطلق عليه بئر الأمنيات وأحيانا يُطلقون عليه بئر الأساطير الغامضة والمرعبة، الغيوم والهدوء يصاحبهم صوت البحر ورائحته، ولكن بالرغم من الهدوء المسيطر في مثل هذا الوقت من العام؛ كانت هناك جريمة تُرتكب مليئة بتفاصيل مثيرة؛ يقف شاب رفقة شقيقه وبين يدهم شقيقتهم تحمل رضيعها الصغير الذى لم يكمل بعد خمسة أشهر من عمره، تحاول وقتها الأم التي تحمل رضيعها الهروب من أشقائها، ولكنهم نجحوا فى السيطرة على حركتها، وقرر أحدهم تسديد عدة طعنات لها فى قلبها، وتركوها تنزف الدماء حتى لفظت انفاسها الأخيرة  ودموع الحسرة والالم يتساقطان من عينيها من شدة وقسوة الشقيقين، وبجوارها رضيعها الصغير داخل «لفه» ولا يتوقف عن البكاء والصراخ.. من هنا تبدأ حكاية «عبدالله» المليئة بالمعاناة والإثارة.

 

الجريمة

وقتها اكتشفت المباحث الجريمة وعثروا على الرضيع وتم تحرير محضر بالعثور على الطفل يحمل رقم 5268 إدارى الدخيلة وتم تحويله لدار رعاية، وبدأت المباحث فى إجراء التحريات حتى فك لغز العثور على السيدة المقتولة؛ تبين أن احد اشقائها قتلها والآخر ساعده فى الجريمة وتم حبسهما، هنا انتهت الحكاية الأولى لتبدأ حكاية اخرى هي حكاية الطفل الرضيع، الذى عاش عمره داخل دور الرعاية متنقلا بين أكثر من 5 دور للرعاية.

التقت «أخبار الحوادث» بـ «عبدالله» ليحكى لنا تفاصيل حكايته أو مأساته، يقول عبدالله محمد: هو بالتأكيد ليس اسمه الحقيقي لكن تم اختيار ذلك الاسم بعدما وجدوني بجوار الجثة، تنقلت بين دور الرعاية إلى أن بلغت سن 16 وبدأت البحث عن أصلي ونسبي الحقيقي، وبالفعل تعرفت على أهلي بعد رحلة بحث طويلة، ولكن لم أجد الترحاب من والدي والاعتراف بي حتى الآن بالرغم من أن هناك ما يؤكد أنني ابنهم.

 

يصمت عبدالله لحظات ويتابع قائلا؛ لما الناس بلغت بجريمة القتل المحكمة أمرت بوضعي في أحد دور الايتام، وكانت «علي بن ابي طالب»بالاسكندرية وتم الحكم على القاتلين وهم أشقاء امي تم الحكم علي كل واحد منهما بـ 15 سنة سجنا ولكن وكلا محاميا برفع قضية شرف وتم تخفيض الحكم عليهم إلى 3  سنوات سجن وذلك بعدما بررا أن جريمتهما بدافع الشرف.

ثم اضاف «عبدالله»؛وعندما بلغت 16 عاما بدأت في البحث وعلمت بأن كل من يدخل دار رعاية لديه ملف  وأوراق خاصة به منذ العثور عليه، وبالفعل نجحت فى الحصول على نسخة من الملف، لما وصلت 23 سنه، عرفت اسم امي الحقيقي جبته، وعرفت القضية اللي بسببها اتقتلت فيها، واكتشفت وقتها أني عشت وحيدا رغم أن لي أسره، اكتشفت أن لدي «اخ و اخت» اشقاء من والدي وهناك 4 آخرين من زوجته الثانية، الغريب فى الأمر وقتها اني حاولت الوصول إليهم ولكن دائمًا ما كانوا يرفضوني، وفوجئت بمكالمة من سيدة تتحدث معي عن أحوالي وعندما سألتها انتي مين؟.. وخصوصاً أننى كنت اشعر بأنها واحدة من اقاربي، بررت موقفها وجعلتنى اتحدث مع شقيقها، واكتشفت أنهم اشقاء امي وأن ما اتحدث معه هو «خالى» الثالث الذى لم يشترك مع اشقائه فى الجريمة.

 

فوجئت بأن خالتي تقول لي عايزين نتكلم معاك انا وخالك، وقتها أخبرتهما بكل الأسئلة التى تدور داخلي، وكيف سمحا لأشقائهما بقتل أمي بحجة قضية الشرف، ثم تابع»عبدالله» انتوا ليه سبتوها 9 شهور وسبتوها بعد ما خلفت والطفل بقى عنده خمس شهور.

 

يؤكد «عبدالله»تواصلت مع «خالي»وذهبت اليه في إسكندرية وقابلته في العجمي قال لي؛ «قبل ما تدخل بيتي عايزك تسامحني»، انا خالك وسلمت امك لأخواتها وهي خارجه من عندي، واستمر الحديث حول سيرة امي ويسألني عن حكايتى وكيف قضيت تلك السنوات ومنذ 15 عاما وانا اذهب له كل فترة ويتصل بي كل فترة للاطمئنان على أحوالي، وخلال تلك الفترة علمت اني لي «أخت وأخ» ذهبت للإسكندرية لمقابلتهما وبالفعل تمت المقابلة، وبعدها شاهدت والدي وبدأت الحديث معه ولكن فوجئت بتصرفاته الغريبة، ففي بعض الاحيان يتعامل معي كابنه، وفي احيان اخرى يرفضنى تماما وكأنني غريب عنه.

 

اكتشفت وقتها أن بعد وضعي فى دار الايتام ترك والدي شقيقتى عند أحد أقاربه لتربيتها، وظل شقيقي الأكبر رفقته، وتزوج بعدها ورزقه الله بـ 4 أبناء آخرين، ولكن فى كل مرة أحاول التقرب منه وإثبات النسب يجن جنونه ويرفضنى، وقتها ذهبت لشقيق والدي «عمي» وبالحديث معه أكد لي أنني ابنهم ولكن لا يستطيع مساعدتى إلا بعد موافقة والدي.

تحليل DNA

بسؤاله عن إجراء تحليل البصمة الوراثية «DNA» أجاب «عبدالله» حاولت مع ابويا ورفض بشدة، حتى وصل الأمر انني عرضت عليه ان كانت ظهرت نتيجة التحليل وثبت انك لست والدى سأتحمل أي طلب أو شيء يرضيك حتي لو كلفنى الامر أن أحمل «كفن واحضر لك أمام الجميع ويكون لك الحق فى فعل اي شيء» كما عرضت وقتها على والدي اننى اتحمل تكلفة التحليل كاملا ووافق فى البداية ولكنى فوجئت به يرفض دون سبب حقيقي وعندما تحدثت معه فوجئت به يتهرب ويرفض مقابلتى نهائيًا.

 

يصمت «عبدالله» مرة اخرى ويشرد بنظراته وكاد أن يبكي ولكنه نجح فى السيطرة على دموعه، وعاود الحديث قائلاً؛ أبلغ من العمر الآن 32 عاما ومازلت ابحث وأريد التحليل فباقى الاهل يعترفون بي إلا والدي، وأعيش فى عذاب ليل نهار دون الوصول إلى حل.

هنا كان لابد من السؤال، لو كلامك صحيح أين كان والدك من تلك القصة؟

أجاب «عبدالله» ابويا لحد دلوقتي اسمه مجاش غير في قسيمة الزواج، الورقة دي اللي تثبت ان الست دي متجوزة الراجل ده، اخد اخويا الكبير رباه واختي كانت بتربيها إحدى اقاربه.

لماذا تركك أنت واحتفظ بأشقائك؟

ممكن تقول كبرياء الراجل.. فهو كان يحب والدتي وهذا ما أكده كل من يعرفه فكانت تسافر بحكم عمله إلى «ليبيا –السعودية – السودان» كانت صديقه له قبل أن تكون زوجة، ولكن دارت المشاكل بينهم وطلقها وكانت حامل بي، ووقتها حدثت المشاكل وسوء السمعة وحاول اشقاء والدتي تزويجها لأحد معارفهم لكنه رفض عندما علم أنها حامل، وتم قتلها على يد أشقائها، ورفض الاعتراف بي وتركني فى دور الرعاية.

حالة من الحزن أصابت عبدالله ليتابع قائلاً؛ «انا بشوف روح أمي كل ما ادخل بيتي، وحلمت بها وهي تقول لي انت وصلت ليهم».

هل كان والدك يشك انك ابنه؟

لما دخلت بيته كان عارف انا مين كويس، ابويا لو معدي واختي واقفة مش هيسبني اسلم عليها واخذها بالحضن لو أنا شخص غريب، وفى أول لقاء جمعنا كان يعاملنى بلطف، ولكن تبدل الحال مرة واحدة دون سبب وأنا لا اريد سوى الاسم وإثبات انا ابن مين. 

هل تقدمت بدعوى قضائية لإثبات نسبك؟

قمت بتوكيل محامي وقام بالبحث عن الاوراق ووصل لمعظم أوراقي من الدار، وعلى اساسها رفع قضية إثبات نسب، اخد رفض استثنائي بسبب الشهود، وعدم حضور المحامي، و انا لم استلم الاعلان، وشعرت أن المحامي مش معايا لأن لمدة سبع جلسات بيحضرها مفيش جديد كل مرة يطلب تأجيل.

صدقوني انا مثل الغريق المتمسك بآخر قشة حتى لا يغرق، لا أريد سوى العيش فى هدوء ووسط أسرتى ولا أحلم سوى بالاستقرار والزواج، ولكن عندما اتقدم لخطبة أي فتاة وبعد الجلوس رفقة والدها أو شقيقها واحكي قصتي يتم الرفض فى النهاية، فكل شخص لا يريد لابنته سوي النسب من شخص معلوم له عائلة ولكن حالتى تجعلنى مرفوض لدي الكثير من الأسر الذين تقدمت اليهم، والآن لا اريد سوى تحليل الـDNA فهو الفاصل فى حكايتى هو طوق النجاة، هو من يجعلني شخص استطيع التحرك والزواج بكل سهولة.

انت عرفت منين أن السيدة المقتولة والدتك؟

هي المقتولة وأنا بجوارها، كما إن والدي يعرفني جيدا، لم ينفعل او يغضب عندما شاهدنى أول مرة، وكان سيأتي معي منذ اول يوم لإجراء التحليل حتى يكون على يقين، لكن تبدل الحال وأصبح يرفضنى بشدة دون سبب، وأصبح يقوم بمضايقتى بل يهددنى احيانا.

لماذا لم تقم أمك رحمها الله بتسجيلك عندما ولدت أو أي شخص من اخوالك؟

معرفش ايه السبب ولكن كان لديها قسيمة زواج وقسيمة طلاق ومن الطبيعي أن يتم تحديد اسم المولود بسهولة ولكن لا أعرف السبب حتى الآن، وحتى لو هي ارتكبت خطأ أو كما يقول القتلة انهم ارتكبوا جريمتهم للدفاع عن شرفهم، فمن والدي؟!

هل هناك ميراث؟

نعم ولكنى منذ أن دخلت بيت ابويا كتبت ورقة للتنازل عن جميع حقوقى لإخواتى، والغريب أن اخواتى يتعاملون معى وهم على يقين اننى شقيقهم ولكن لا أحد يجرأ أن يتكلم معه أو يحاول مساعدتي لإثبات نسبي.

>>>

انتهت حكاية عبد الله على الورق ولكن لم تنته مأساته بعد في الواقع، فهذا الشاب لم يطلب المستحيل ممن يظن أنه والده، فقط يطلب أن يجري تحليل الـ DNA وهذا حقه، هذا الشاب المحروم من بناء أسرة في لحظات كثيرة تمنى لو كان مقتولًا مثل أمه وهو لا يزال ابن خمسة أشهر على شاطئ سيدي بشر، لتظل أسطورة «بير مسعود» المكان الذي عثرت فيه الشرطة منذ أكثر من ثلاثين عامًا على جثة الأم والطفل الباكي لا تعبر عن  قسوة الشتاء فقط ولكن قسوة القلوب أشد لتتواصل الحكايات المثير عن هذا البئر الغامض.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة