طاهر قابيل
طاهر قابيل


طاهر قابيل يكتب: الحلم والوصول للقمة

طاهر قابيل

الإثنين، 05 سبتمبر 2022 - 07:39 م

 

تحول من طالب عادى بكلية الآداب قسم الآثار إلى عالم مميز يحترمه العالم ويصبح خبيرا فى  الأهرام ومتحدثا فى الآثار والتاريخ. 

كان حلمه أن يكون محامياً يدافع عن الحقوق بعد أن تأثر بشخصية المحامى فى الأفلام السينمائية ووجاهة ووسامة الفنان كمال الشناوى وهو يمثل دور المحامى مدافعاً عن حقوق الناس.. ولكن الأحلام لا تكون بالأمانى أو مشاهدات الأفلام والمشاهد الدرامية.. فغالبا ما يأخذنا الواقع إلى دروب ومسارات أخرى فى الحياة ومستقبل يختلف كثيراً فتحلم بأنك مهندس ويحدفك تنسيق الجامعات لكلية الآداب أو التربية لتصبح مدرساً.. لقد تمنى الدكتور زاهى حواس أن يصبح محامياً فأصبح نجماً وحارساً أميناً للتاريخ وعالماً مصرياً وطنياً غيوراً على تراث بلده وتاريخه ومحامياً يدافع عنه فى كل المحافل الدولية.. فبعد حصوله على الثانوية العامة التحق بكلية الحقوق ولكنه وجدها لا تلبى رغباته فى المعرفة فغير المسار إلى عالم دراسة الآثار بجامعة الإسكندرية.. ورغم نشاطاته الطلابية وصحبته المتميزة وأساتذته الذين يكن لهم حباً واحتراماً لكنه لم يتعلم شيئاً خلال أعوام دراسته الأربعة! فلم يجد أى انجذاب لدراسة اللغات القديمة والآثار اليونانية الرومانية بالإضافة إلى أن بعض الأساتذة لا يدركون ضرورة تعلم الآثار فى الطبيعة وليس بالمذكرات والكتب فى قاعات المحاضرات أو الفصول الدراسية كأنها حصة للمطالعة.. بدأ الطالب زاهى حواس يعرف مذاق ومتعة التجول فى الآثار عندما زار عمته فى القاهرة وذهب للعديد من الأماكن الأثرية الإسلامية فى قلب القاهرة واستمتع بجولة بها.. فقد قضى طفولته وشبابه فى إحدى قرى  فارسكور بدمياط واستمتع بقيمها ومبادئها والحياة الأسرية والعائلية.

ثورة ثقافية وتعليمية
آمن الشاب  زاهى بدور وزارة الثقافة وبرامجها فى دعم القرى والمراكز وحماية الشباب بمختلف الأنشطة الثقافية التى تحمى الشباب من الانحراف وهو الطريق الوحيد للقضاء على الإرهاب.. فالثقافة ليست رفاهية ولكنها ضرورة لتنوير وجدان الشعوب.. وأتذكر وأنا طالب فى مدرسة إمبابة الإعدادية الحديثة والثانوية العسكرية كانت بالقرب منا  مكتبة عامة تابعة لوزارة الثقافة فى إحدى الفيلات القريبة.. وكنت أقضى أنا وأقرانى بها معظم اليوم خاصة فى أشهر الصيف والاجازة.. كنت أقلب فى الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية وفى نهاية اليوم أستعير كتاباً لمدة أسبوعين وأعيده وآخذ غيره.. فهكذا تعلق جيلى بالثقافة والقراءة وأتذكر أننى وأنا طالب فى الإعدادى قرأت كتباً أكبر من سنى وتعلقت حياتى بالكتاب والثقافة.

وجد جيل د. زاهى فى الزعيم جمال عبدالناصر كنزا فكان المثل الأعلى والقدوة يحفظون كلماته وعباراته ويرددونها ويتعلمون مبادئ  ثورة يوليو والاشتراكية ويحفظونها.. ويعيشون أحلامهم وطموحاتهم ويفرحون لإنجازاتها ويشاركون فى  القومية العربية ويساندون  حركات التحرر وأن مصر سوف تحقق ما يتم الحديث عنه ليلاً ونهاراً بإلقاء إسرائيل بالبحر.. وحدثت  النكسة والتى قلبت حياة الشاب  زاهى حواس وغيره رأساً على عقب وغيرت نظرته للحياة فهو يؤمن بأن  ناصر رئيس وطنى ومخلص مشغول بالقومية العربية ومشاكل الوطن العربى وعدم الانحياز ولكنه ترك الداخل بدون رقابة للعديد من رجال الثورة الذين خانوا الأمانة وتسببوا فى انهيار الداخل وهزيمة يونيو ٦٧.

تم تعيين  د. زاهى حواس بعد تخرجه فى  مصلحة الآثار عندما كانت التعيينات تتم عن طريق  القوى العاملة فالدولة توفر للخريجين فرصة العمل والوظيفة بغض النظر عن قدراتهم المهنية او تخصصاتهم او كفاءاتهم.. المهم بعد وفاة الزعيم رزق الله مصر رجلا عظيما هو  الرئيس أنور السادات الذى استطاع بدهائه أن يعيد لبلادنا مجدها بانتصارنا فى ٦ اكتوبر ١٩٧٣.. وكانت أول سفرية للدكتور زاهى بالخارج إلى امريكا وتقابل مع عضو بالكنيست الإسرائيلى فقال له إن السادات  داهية استطاع ان يخدعنا وينتصر علينا أما  ناصر فقد كنا نعرف كل شىء عنه بمجرد ان نقرأ صحيفة الأهرام يوم الجمعة!

الفشل ومقبرة إيزادورا 
لم تكن الآثار مساره الذى سعى إليه ولكن جاء غرامه بها قدراً ليصبح المتحدث اللبق والفنان الخبير الذى ينصت إليه الجميع فى العالم للاستماع إليه وإلى مشاهداته وتحليلاته.. فقد تم تعيينه مفتشاً للآثار براتب لا يتجاوز ١٧ جنيهاً وقرر أن يطرق كل الأبواب للبحث عن مكان آخر.. وفشل فى الالتحاق بالمسرح ثم اتجه للعمل الدبلوماسى وكان مصيره المسرح ثم عاد للعمل مفتشاً للآثار وتم توزيعه على منطقة  تونا الجبل فى المنيا وأصبح يومه مقسوماً ما بين متابعة السائحين الوافدين للمنطقة لمشاهدة الآثار وبين الاستماع لقصص وحكاوى الزملاء بالمساء.. وقيل إن عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين كانت له استراحة بالقرب من منطقة الآثار بناها على نفقته عندما كان وزيراً للمعارف يحضر إليها خلال أشهر الشتاء لكى يقضى بعض الوقت للكتابة فى هدوء.. وإنه كان مغرما  بمقبرة إيزادورا التى تخلد قصة حب بين فتاة وشاب عاش معها فى منطقة يطلق عليها  الشيخ عبادة شرق النيل وحدث ذات يوم وهما يسبحان فى النيل أن غرقت  إيزادورا فحزن عليها الشاب حزناً شديداً ودفنها بمقبرة فى  تونا الجبل ووضع بجوار جثمانها  مسرجة اثرية تستعمل فى الإنارة وكان يأتى لينير المسرجة يوميا.. ويحكى أنه سمع فى يوم من الأيام أن أحد المواطنين فى منطقة  الأشمونين يقوم بالحفر داخل منزله بحثا عن الآثار التى يبيعها ويتاجر فيها.. وينتدب د. زاهى حواس للعمل فى  إدفو ويستقبله أهلها بشكوى بعد تسلمه موافقة الآثار على تخصيص قطعة أرض للأشقاء المسيحيين واتهموه بمحاباتهم.. وفى يوم لا ينسى عندما كان يعيش فى منزل من الطوب اللبن وحمامه خارج البيت استيقظ فى منتصف الليل وذهب للحمام فسمع صوت ثعبان  الكوبرا أو الحية كما يطلق عليها سكان القرية وهو يعرف أن هذا النوع من الأفاعى هو الأخطر وإذا أحس أو شم أنفاس ضحيته يهجم عليها فوراً.. فوقف يرتعش ووضع يده لمدة نصف ساعة على أنفه كى لا يخرج أى أنفاس.. وعندما أحس بالهدوء أسرع بالهرب إلى حجرته لا يستطيع النوم.. وفى اليوم التالى عرف أن  الكوبرا نامت فى سقف منزل العمال.. وجاءت اللحظة التى لم يكن يتوقعها إطلاقا وهى لحظة  العشق والشغف بالآثار وذلك عندما كان فى منطقة حفريات  كوم أبوبللو بمحافظة البحيرة وهى مدينة تقع فى غرب الدلتا ومشهورة بعبادة الآلهة  حتحور فقد وجد زميلا يقوم بالتنظيف حول مقبرة بالطوب اللبن فاقترب منه وظهر جزء من تمثال  الفانيس ووجد الزميل يقول له امسك الفرشاة ونظف فظهر تمثال  أفروديت آلهة الحب والجمال عند اليونانيين وكانت متحدة مع الآلهة  حتحور آلهة الجمال والحب عند المصريين القدماء و فينوس عند الرومان.. وشعر بمتعة غير عادية.

كان الدكتور زاهر يستيقظ يومياً قبل شروق الشمس فيشاهد سطوع أشعتها على هرم  خوفو فيشعر بالفخر والشفافية.. كما واصل عمله فى منطقة آثار امبابة والواحات البحرية ويحكى أن المنطقة كانت قد تعرضت للعديد من السرقات والغريب أنه بعد تحديد اللصوص والقبض عليهم.. دلوه على مكانها فقد خبأوها فى ترعة المريوطية!

لقد كان عشق د. زاهى للآثار الدافع الذى علمه تقديس العمل والإخلاص وتحقيق الإنجازات فى عالم الاكتشافات الآثرية بشكل غير مسبوق وهو ما جعله معروفا على مستوى العالم ووثيق الصلة بالأخبار ووسائل الاعلام التى تتابع كل ما يقوم به فقد جعله العشق ان ينظر الى الآثار على انها  محبوبته الجميلة فقد عشق كل ما فيها ومازال يعيش داخل هذا  العالم الغامض الشيق لتصبح حياته مغامرة داخل سراديب الحياة وانفاقاً طويلة وآباراً عميقة يدخلها للبحث عن المجهول فكل تمثال لو قطعة حجرية يمكن تحويلها إلى تاريخ حى يحكى الماضى وينبض بالحياة.. فالعشق هو ما يشعره أن تمثال  أبو الهول ليس حجرا بل حكاية بشر.. فعندما يبكى وتنظر إلى وجهه بعد أن طمسه الأسمنت حزنا على ما فعله الأحفاد فى الجدود فأجلس بجواره مع المرممين لأعيد له  هيبته والإحساس بأنه غاب ليبتسم.. فأبو الهول هو الحجر الخالد الذى سجل لنا تاريخ مصر على مر العصور وعاصر الألم والأحلام فهو رمز وفخر شعبها.
لقد تحول من طالب عادى بكلية الآداب قسم الآثار بجامعة الاسكندرية إلى عالم مميز يحترمه العالم ليحصل على دراساته العليا ويصبح خبيرا فى  الأهرام بالاضافة الى دراساته الأولية فى الآثار  اليونانية ـ والرومانية مما جعله يكتب المقالات العلمية وما يقرب من 50 كتابا الأكثر توزيعا. فالنجاح يحتاج مصابرة وتصميماً على أخذ الخطوات الجادة فيصبح الطالب زاهى حواس ابن دمياط عالم المصريات الدكتور زاهى حواس.

هوس الآثار
من حكايات الهوس بالآثار أنه فى يوم من الأيام طلب شخص غير معروف الحصول على حق الانتفاع والتصرف فى  الأهرام وأبو الهول ومعابد الأقصر وأبو سمبل لعدد من السنوات مقابل 200 مليار دولار.. وبالطبع كان هذا الخطاب من شخص  مهووس حتى أنه قبل أعوام جاء خطاب من شخص آخر يقول إنه  الملك خوفو ويطالب بتسليمه  الهرم الأكبر .. وأدعت سيدة ايطالية انها  الملكة نفرتيتى وطالبت بحقها فى  معبد الكرنك وملكية العمارنة! لا يتوقف ذلك عند هذا الحد فهناك  المقابر الأثرية الوهمية التى تعد طريقة جديدة لارتكاب جرائم الخطف والنصب والاستيلاء وأثناء مرور قوة أمنية اشتبهت فى سيارة تقف بجانب الطريق وبفحص راكبيها تم ضبط ثلاثة معهم  رزمة من ورق الصحف. على شكل أوراق مالية وتبين أن أحد الاشخاص تعرف على أحدهم من خلال الــ  فيس بوك وأوهمه بعثوره على مقبرة أثرية وطلب منه معاونته فى استخراج الآثار ودفع مبلغ مالى لأحد المتخصصين فى استخراجها.. واتفقا على التقابل باحدى المناطق وفور وصوله فوجىء بباقى العصابة واستولوا منه على المبلغ المالى منتحلين صفه رجال شرطة ولاذوا بالفرار فتم القبض عليهم.. فقد انتشرت مؤخرا الأحاديث عن الآثار وتجارتها والتنقيب عنها بشكل عشوائى داخل الأراضى الزراعية أو المنازل أو الوديان وحتى فى الجبال فهوس الثراء يسيطر على عقول الآلاف فيسقطون ضحية النصابين والعصابات.. فقد التقيت بأحدهم يزعم أن لديه مقبرة محتوياتها قدرت بثلاثة مليارات دولارات ولايجد من يساعده على اخراج ما بها من كنوز.. والنتيجة سقوط ضحايا جدد أمام وهم الثراء من هوس الآثار.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة