د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد


د. أسامة السعيد يكتب: عندما يكتب الروائيون التاريخ !

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 06 سبتمبر 2022 - 11:48 ص


مقولات عديدة تحيط بفكرة كتابة التاريخ، فالبعض يقول أن التاريخ يكتبه الأقوياء، وأن وقائع التاريخ التي تصلنا لا تعبر بالضرورة عن حقيقة ما جرى، بدليل أن الكثير من تلك الوقائع جرى تعديلها، أو على الأقل تغيير زاوية النظر إليها في عصور تالية، وبالتالي فإنه من الصعب أن يزعم أحد أن ما نعرفه من التاريخ هو الحقيقة المطلقة!
مقولات أخرى يروجها كثير من المفكرين تؤكد أن التاريخ دائما حمال أوجه، أي أن الواقعة الواحدة - إن ثبت صحتها- قد تستخدم بأكثر من معنى، وبالتالي فإن وقائع التاريخ غير قطعية الثبوت أو الدلالة!
فريق ثالث يقدم فكرة وجيهة ولها تقديرها، وهي أن التاريخ الرسمي لا يتطابق بالضرور مع السيرة الشعبية في التاريخ، فعلي الزيبق وأدهم الشرقاوي وغيرهم، ليسوا سوى لصوص أو خارجين على القانون في التاريخ الرسمي، لكنهم في السيرة الشعبية أبطال ومقاومون!!
وهناك من يرى أن التاريخ الذي نقرأه اليوم بعد مئات وربنا آلاف السنين من وقوعه ملىء بالفجوات والثغرات، التي تجعل أي مطلع أو باحث أمام قصة غير متكاملة الأركان، وبالتالي يصعب على كل ذي عقل أن يبني رؤية أو يكون موقفا اعتمادا على سيل من الحقائق الناقصة.
كل هذه المقولات وغيرها يطرحها كثير من المثقفين والمفكرين والأدباء، وهم يناقشون فكرة أحقية الروائيين في إعادة طرح التاريخ، ولا أقول تسجيله، فلا يجرؤ أحد، بما فيهم الروائيون أنفسهم، على الادعاء بأن ما يكتبونه يمكن اعتباره تأريخا، أو حتى تسجيلا لوقائع تاريخية، بل إن الأدباء وخاصة من يكتبون أعمالا تستلهم التاريخ يؤكدون أنهم يستخدمون التاريخ كمادة وإطار إنساني فقط لتقديم إبداعهم، وأنه من الظلم أن يقيم الناس تلك الأعمال باعتبارها تاريخا.
لكن المشكلة تكمن دائما في أن كثير من المتلقين يجد في الأعمال الأدبية أو الفنية ذات الصبغة التاريخية مصدرا أكثر سهولة وجاذبية لفهم التاريخ، ويحاولون أن يعتبروا تلك الأعمال مصدرا معرفيا للتاريخ.
المشكلة أن بعض النقاد والمنظرين، يجدون أنفسهم منقسمين إزاء تلك الوظيفة المعرفية للأعمال الأدبية، وبخاصة الرواية، التي صارت دون منازع هي ديوان العرب الحديث، والنوع الأدبي الأكثر انتشارا بين جماهير القراء.
وخلال ملتقى الشارقة للسرد، والذي تشرفت وسعدت بدعوتي لحضوره، كنت أتابع بمزيد من الاهتمام ذلك الجدل والنقاش رفيع المستوى بين نخبة من كبار النقاد، والذين يرى عدد منهم أن الرواية تمثل مصدرا معرفيا للقراء، ومن هنا يجب أن يدقق الروائيون فيما يقدمونه من معارف، خاصة إذا كانت تتماس مع التاريخ.
في المقابل يرى معظم النقاد المشاركين في الملتقى، ومعظم المبدعين ىالروائين، وأجدني منحازا إلى تلك الفئة، أن الرواية خصوصا والأدب عموما، لا ينبغي أن يتحمل ما لا يطيق، فلا يمكن اعتباره مصدرا للتاريخ ، بل هو رؤية فنية وشخصية لكاتبه، وتقييده بقيود الحقيقة التاريخية مسألة تحد من إبداع وقدرة الروائي على طرح فكره، فالعمل الأدبي يجب ألا تتجاوز النظرة إليه حدود طبيعته كعمل إبداعي إنساني مرتبط برؤية وفكر كاتبه، وليست عملا علميا معرفيا يستخدمه البعض كمصدر للتاريخ!!
الأزمة الحقيقة أنه ورغم كل تلك الآراء، فإن جمهور القراء، وبخاصة الشباب منهم يتعامل مع الأعمال الفنية والأدبية على أنها تاريخ وحقائق مستقرة، فلو أقسمت بأغلظ الأيمان أن صلاح الدين الأيوبي لم يلتق يوما بريتشارد قلب الأسد، لما صدقك أحد، ولكان الرد: روح شوف الفيلم واسأل فيرجينيا جميلة الجميلات!!
أعتقد أن هذا الجدل لن ينتهي قريبا، بل ربما يكون فرصة لمناقشات أكثر جدية تعيد كثيرين إلى عالم القراءة المفتقد لدى قطاعات كبيرة من الناس، فليقرأ الناس ألف رواية، فربما يكون ذلك مدخلهم لبناء وعي حقيقي وقراءات أكثر عمقا واتساعا.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 

 
 
 
 
 

مشاركة