محمود الوردانى يكتب : فى ذكرى رجاء النقاش
محمود الوردانى يكتب : فى ذكرى رجاء النقاش


محمود الورداني يكتب: في ذكرى رجاء النقاش

أخبار الأدب

السبت، 10 سبتمبر 2022 - 12:27 م

[email protected]

هذه ذكرى عزيزة وعاطرة لواحد من أكثر من أثّروا فى الحياة الثقافية العربية وليست المصرية فقط، بل أعتبره أهم صانع للصحافة الثقافية على الإطلاق وأكثرهم تجديدا ومعرفة وإضافة. وأظن أن شهادتى عنه غير مجروحة، فأنا أختلف مع كل أفكاره وتوجهاته، لكن الإنجاز الذى حققه طوال مسيرته المهنية لا يمكن الخلاف بشأنه.


هو رجاء النقاش ( 1934 - 2008) الذى كان وحده مؤسسة ثقافية كبرى، أسس وبنى وأضاف على نحو لم يتحقق لأحد سواه. للأسف لم يتح لى أن ألتقى به إلا مرة واحدة خاطفة عام 1990 أوقبل ذلك بقليل، عندما توجهت لسلسلة مختارات فصول لأسأل عن إمكانية مراجعتى لمجموعتى القصصية الثانية» النجوم العالية «التى تقرر نشرها.

وبالمصادفة كان رجاء هناك فى زيارة لصديقه- طيب الذكر- سليمان فياض المسئول عن مختارات فصول آنذاك. وتبادلنا كلمات قليلة جدا، وبالمصادفة كان قد نشر لى قصة فى مجلة الدوحة التى انتقل إليها رئيسا للتحرير.
لم نلتق بعدها أبدا، لكننى أعرف قدره.

وأكتب السطور التالية عرفانا بفضله واحتراما لإنجازه. كان الرجل مؤمنا بنظام جمال عبد الناصر، وخصوصا فيما يتعلق بالجانب العروبى وأحلام القومية العربية. اشتغل بالصحافة فى أوائل عشرينياته، وقبل أن يصل لسن الثلاثين كان قد تولى رئاسة تحرير مجلة الكواكب الذائعة الصيت، وجعل منها أهم مجلة فنية عربية.

وفى عام 1969 تولى رئاسة تحرير مجلة الهلال التى كانت تصدر سلسلتين شهريتين: كتاب الهلال وروايات الهلال، وعلى الرغم من أنه كان خَلَفا لكامل زهيرى، إلا أنه أضاف وطوّر وغيّر. وسرعان ما باتت الهلال بالكتاب الجدد الذين أضافهم واحدة من أهم المجلات الثقافية العربية وأكثرها حيوية.

وفى تلك الفترة وفى أعقاب هزيمة 67 المخزية، بادر رجاء بالكتابة عن شعراء الأرض المحتلة وهو من صك المصطلح، كما نشر كتابا عن محمود درويش. ولا يمكن إغفال المغامرة بنشر رواية الطيب صالح موسم الهجرة للشمال، وإن كانت طبعة الهلال صودرت.


ربما كانت سلسلة روايات الهلال التى صدرت فى عهده أهم إضافاته مثل نشر رواية أبناء وعشاق للورانس فى ثلاثة أجزاء والبنسات الثلاثة لبريخت فى جزئين وأمريكا لكافكا وهملت لشكسبير وغيرها وغيرها ، وكلها أعمال كما يرى القارئ غير موجودة الآن وتحتاج لناشر محترم يسارع بإعادة طبعها. وكرر التجربة فى سلسلة كتاب الهلال، كذلك أصدر عددا خاصا مهما من الهلال عن القصة القصيرة.


ثم انتقل لمجلة الإذاعة والتليفزيون التى كانت واحدة من تحدياته الكبرى، فهى مجلة تعتمد على نشرها لبرامج الإذاعة والتليفزيون، والقارئ لا يكاد ينظر فى المادة الصحفية، لكنها شهدت على يديه تحولا جعلها فى مصاف المجلات الثقافية الكبرى، واستكتب أسماء كبرى مثل صلاح عيسى وصلاح عبد الصبور وسامى السلامونى فى السينما، واستعان بالفنان الكبير مجدى نجيب الذى أحدث انقلابا فى التوضيب الصحفى ورسوم المجلة.

وفوق كل ذلك قام بإصدار سلسلة كتب شكّلت إضافة كبرى.وبعد 15 مايو 1971 جاء الجراد الذى اقتلع الأخضر واليابس، وتم التخلص من رجاء على الفور، فبادر بالسفر إلى الدوحة حيث حقق واحدا من إنجازاته وإضافاته الكبرى.. مجلة الدوحة بدورها العربى والمستوى الرفيع الذى حققته. وعلى الرغم  من السنوات الطويلة التى استغرقتها التجربة، إلا أنها انتهت بخروجه بعد نشره لمقال تردد أن كاتبه حسين أحمد أمين، وليس معروفا بالضبط السبب الحقيقى.


لكن النظم الاستبدادية هنا وهناك لا تلتفت للقيمة بل تسارع بالمنع والإيقاف والحجر.على أى حال عاد رجاء، هل تعرفون ماذا فعل؟  تولى الإشراف على سلسلة تنشرها الثقافة الجماهيرية هى ذاكرة الكتابة التى أدعو لإعادة نشرها، فكلن نحتاج إليها أشد الاحتياج.


وفى النهاية رحل الرجل الكبير بعد صراع مع المرض، وترجل فى نهاية الأمر، وبقيت إنجازاته التى لم يضاهيها أحد.

اقرأ ايضا | محمود الورداني يكتب: عبده جُبير

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة