محمد حبيب
محمد حبيب


محمد حبيب يكتب: تغيّر المناخ على أجندة مؤتمر الإفتاء...اهتمام مُلفِت وتوقيت مناسب

بوابة أخبار اليوم

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2022 - 03:39 م

 

يشكل تغيّر المناخ تهديدًا مباشرًا كما لا يخفى على أحد لقدرة الإنسان على تحقيق التنمية المستدامة، بل وعلى البقاء والنماء والازدهار على كوكب الأرض بشكل عام ولن يستثني أحدًا، الأغنياء كما الفقراء، الكبار كما الصغار، المتدينين ومن لا دين لهم؛ فيؤثر تغيّر المناخ على كل الدول في جميع القارات؛ لكونه يعطل الاقتصادات الوطنية ويؤثر على الحياة، فتتغير أنماط الطقس، وترتفع مستويات سطح البحر وتصبح الأحداث الجوية أكثر حدةً.
وانطلاقًا من هذه المخاطر أصبحت التوعية لازمة، والمواجهة حتمية، وإهمالها تفريط ومشاركة في الجرائم البيئية القادمة؛ فالإنسان مؤتمن وسيسأل عن تفريطه في أمانته، لأن الملكات التي حباه الله بها، هي منحة من الله عز وجل حتى يتمكن من الاستمتاع بما سخره الله له من ثروات وموارد دون تفريط أو إفراط، ولا إخلال بنظامه الموزون، بل ضمن احترام كل مكونات الكون وفق منهج الله، بعيدًا عن الظلم والتعالي وحب الذات حتى يكون سعيه عبادة وليس إفسادًا في الأرض.
وإذا كانت البيئة من منظور الإسلام هبة ونعمة سخرها الله لتلبية حاجيات الإنسان، فإن ظاهرة تغير المناخ تؤدي إلى اضطراب وتطرف الظروف المناخية المعتادة بسبب الإفساد في الأرض مما يؤدي إلى الإضرار بهذه النعمة والحرمان من الاستمتاع بها.
ولذا فإن الاجتهاد في تجسيد تعاليم الإسلام على الأرض يعتبر الخطوة الأولى لتحقيق الوعي بمخاطر تغير المناخ، نظرًا لما احتوته كثير من نصوص القرآن والسنة لنظريات تؤسس لأهمية احترام البيئة وإلا عم الفساد والاضطراب، وهذا يستلزم التوعية والعودة إلى التوجيهات الربانية المرشدة إلى دور البشر في إفساد بيئته، بل يُعد العمل على تفادي مخاطر المناخ بالنسبة للمسلمين واجب ديني يلزمهم البحث عن بدائل لوقف الإساءة لأمهم الأرض، فهناك العديد من المبادئ الشرعية والقواعد الإفتائية التي تنظم الاستفادة من خيرات الطبيعة منها "عدم الإسراف" ومنها "لا ضرر ولا ضرار"، وكذلك "تقديم المنفعة العامة على الخاصة".
ومن هنا يأتي اهتمام الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم والتي تعمل تحت مظلة دار الإفتاء المصرية بتغير المناخ ووضع الآليات الشرعية التي تساعد على مواجهته والتعامل التعامل الأمثل والرشيد مع ذلك، وحماية المناخ تشكل أحد محاور التنمية المستدامة وهو عنوان المؤتمر العالمي القادم في أكتوبر 2022م.
إن نظرة الفتوى الرشيدة تمثل نموذجًا فريدًا للانتقال إلى التنمية المستدامة من خلال التركيز على العدالة والنمو وتحقيق الوئام بين الإنسان والطبيعة، بل تدعو النظرة الإفتائية الرشيدة إلى الانتقال إلى مجتمع واقتصاد مستدام من خلال تبني تنمية مسئولة واحترام مبادئ الاستدامة.
ويقدم الخطاب الإفتائي الرشيد كذلك شعورًا بالأمل والتفاؤل بشأن إمكانية تحقيق الانسجام بين الإنسان والطبيعة وتوازن الأمور على الأرض إذا أعاد البشر التفكير في أساليب حياتهم وعقولهم كما قال تعالى في سورة الروم (41): "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، بل الانسجام يظهر في أبهى صوره بين تحقيق التنمية المستدامة ومن ضمنها الحفاظ على البيئة وبين الالتزام بالأخلاق وتحمل المسئولية، وطالما أن الفتوى الرشيدة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأخلاق وتحمل المسئولية فهي تلقائيًا ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على البيئة وحمايتها وغيرها من أهداف التنمية المستدامة.
ولا شك أن اهتمام مؤسسات الفتوى الرسمية في العالم وعلى رأسها دار الإفتاء المصرية لم يكن وليد اللحظة أو الصدفة بل المتابع للشأن الإفتائي يجد عشرات الفتاوى الصادرة منذ سنوات طويلة تدعو للحفاظ على البيئة وعلى حماية المناخ وتحريم الأسباب المؤدية إليه منها على سبيل المثال لا الحصر فتوى دار الإفتاء المصرية عن حكم حرق قش الأرز وحطب القطن والتي صدرت منذ 15 عامًا؛ فاهتمام دار الإفتاء والأمانة العامة بهذا الملف جاء في محله فضلًا عن التوقيت المناسب.
فكل الدعوات والأمنيات بنجاح المؤتمر المهم والرائع في موضوعه، وكل التحية والتقدير لكل الباحثين والعلماء فيهما وكل الشكر والعرفان لقياداتهما؛ فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم- وفضيلة الدكتور إبراهيم نجم المستشار الإعلامي لمفتي الجمهورية والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة