فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف
فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف


شيخ الأزهر: هدم الأسرة بدعوى التحرر الجنسي سلوك يعف عنه الحيوانات

بوابة أخبار اليوم

الأربعاء، 14 سبتمبر 2022 - 11:00 ص

قال فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الأربعاء، إن العالم ما بدأ فى التعافى من آثار جائحة «كورونا» التى أودت بحياة ما يقرب من: خمسة عشر مليون نسمة، والتى ما كاد يفيق العالـم من كوابيسها، حتى دهمته جوائح وكوارث أخرى: طبيعية، وسياسية «واقتصادية» صنعها الإنسان بيده، وبدافع من أنانيته المفرطة وأطماعه الواسعة، وضميره الميت.. وليت الآثار المدمرة لهذه الكوارث حاقت بالمفسدين وحدهم، جزاء ما قدمت أيديهم! إذن لهان الأمر وسهل.. لكنها حاقت بكوكبنا الأرضى بكل ما عليه من إنسان وحيوان ونبات.

جاء ذلك فى كلمة الإمام خلال افتتاح أعمال المؤتمر السابع لزعماء الأديان العالمية والتقليدية، تحت عنوان "دور قادة الأديان العالمية والتقليدية فى التنمية الروحية والاجتماعية للبشرية فى فترة ما بعد وباء كوفيد-19"، بحضور الرئيس الكازاخى وعدد كبير من قيادات الأديان على مستوى العالم.

وحذر الإمام الأكبر، مما تبعثه الاجتراء على المقدسات، والإلحاد -واصفا إياهما بـ"الآفتان"- من رذائل وتمذهب بالحرية الفردية والأثرة والأنانية، وعبادة اللذة والشهوة، والتحرر الجنسى وربطه بالتحرر العقلى والفكرى وجودا وعدما، والتعبد بثقافة السوق ووفرة الإنتاج وجشع الاستهلاك.. وما صاحب ذلك من حملات مدروسة وممولة تصرخ فى عقول الشباب ليل نهار وتدعوهم لأن ينفضوا أيديهم من مؤسسة «الأسرة»، والنظر إلى «الزواج» على النحو الذى عرفته البشرية منذ خلق الله الأرض ومن عليها وإلى وقت الناس هذا –على أنه خدعة كبرى لا تليق بثقافة الأجيال الجديدة، وعلى الشباب أن يتحرر منه ومن قيوده التى سجنته فيها الأديان والأعراف الإنسانية، وعلى المرأة ألا تخجل من أن تتزوج بامرأة مثلها، أو يكون لها أكثر من زوج، وعلى الرجل مثل ذلك، ولم تتورع هذه الدعوات أن تهبط ببدائلها الجديدة إلى مستوى تعف عنه الحيوانات والدواب فضلا عن ذوى الفطرة النقية والعقول السليمة.

وتوجه فضيلة الإمام الأكبر بالشكر لرئيس جمهورية كازاخستان، على رعايته للمؤتمر السابع لزعماء الأديان، داعيا المولى عز وجل أن يكون هذا المؤتمر إضافة جديدة معتبرة على طريق الأخوة الإنسانية والعيش المشترك، والسلام الذي يفتقده العالم اليوم، ويتطلع إليه تطلع المريض لعلاج نادر عزيز ينهى آلامه وصراعاته.

ولفت الإمام الأكبر إلى أن البشرية الآن أصبحت تعانى من رعب وخوف بسبب التغير الفجائى فى ظواهر الطبيعة والمناخ، والمتمثل فى ارتفاع درجة الحرارة، وحرائق الغابات، وارتفاع منسوب المياه فى البحار والمحيطات، وتهديد المدن بالغرق والسيول، وجفاف بعض الأنهار، ونفوق كثير من الكائنات الحية، وغيرها مما حاق بالإنسانية فى الآونة الأخيرة من ممارسات سياسية استعلائية هزت أركان الاقتصاد الدولى، وأصابت الدول الغنية والفقيرة بما لم يكن فى الحسبان من أزمات طاحنة طالت لقمة الخـبز وجرعة الماء، فضلا عن ترويع الآمنين وقتلهم وتهجيرهم وإجلائهم عن ديارهم وأوطانهم.

ونوه الإمام الأكبر بأننا فى واقع معيش لا يتمارى فيه إلا من كان من الغافلين المترفين، لافتا إلى أن هذه الكوارث هى من صنع إنسان هذه الحضارة، وبسبب مما اقترفته يداه عن عمد وغطرسة ولامبالاة بالآخرين.

وذكر الإمام الطيب أن هذا الإنسان ما كان ليقدم على اقتراف هذه الجرائم لولا اجتراؤه على مقدسات لم يحدث أن اجترأت عليها أمة من الأمم فى مسيرتها الحضارية على امتداد التاريخ، لافتا إلى أنه من المؤلم أن يجيء "الدين" وما ينبثق عنه من قوانين وتعاليم أخلاقية ضابطة لمسيرة الحضارات - فى مقدمة المقدسات التى تنكرت لها حضارتنا المعاصرة وسخرت منها، ثم ما لبثت أن ألقت بها وراء ظهرها، واستبدلت بها دينا آخر يقوم على الكفر والإلحاد.


ونبه الإمام الأكبر أن التقدم العلمى والفلسفى، والتطور التقنى والاجتماعى، الذى هو عنوان حضارة اليوم، لم يعد مؤهلا ولا قادرا على وقف التدهور الخلقى والإنسانى، مشيرا إلى أن فلاسفة «التنوير» قد خسروا رهانهم حين أكدوا على أن هذا التقدم العلمى والتقنى كفيل بأن يجعل السلام العالمى يسير فى ركاب التحضر رأسا برأس وقدما بقدم.

وأشار الإمام الأكبر إلى أنه مع اعترافنا بأن الحضارة الغربية قد حققت للإنسانية فى القرنين الماضيين قفزات واسعة، وإنجازات عملية هائلة فى مجالات العلم والصناعة والطب والتعليم والفن والثقافة وثورة المواصلات والاتصالات وعلوم الفضاء وغير ذلك، إلا أن اضمحلال الجانب الروحى، وغياب البعد الخلقى من مسيرة الإنسان المعاصر، وسخريته من رسالات السماء عن عمد وسبق إصرار، قد فرغ هذه الحضارة من أية قيمة حقيقية تذكر لها.

ونوه شيخ الأزهر بأن علماء الأديان يقع على عاتقهم دور محورى فى التصدى لهذا السقوط الحضارى، يتمثل فى إحياء رسالات السماء، وتعليم ما تزخر به هذه الرسالات من أخلاق وفضائل، لإصلاح مسيرة الناس، وبعث الروح فى جسدها الميت، وذلك على الرغم من وجود عوائق كبرى، لا يستهان بها، قد تحول دون القيام بهذا الدور على النحو الصحيح، وأولها غياب «الانفتاح» أو الحوار الحقيقى المتبادل بين علماء الأديان أنفسهم، وصنع «سلام» دائم بينهم أولا قبل مطالبة الناس بصنعه فيما بينهم، إذ فاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل الحكيم.

وشدد الإمام الأكبر على أن السلام بين الشعوب هو فرع عن السلام بين الأديان، وأن «الأخوة الدينية» هى باعثة «الأخوة الإنسانية العالمية» وصانعتها، لافتا إلى أن البداية الصحيحة هى بعث هذه الأخوة بين علماء الأديان ورجالها؛ بحسبانهم أقدر الناس على تشخيص العلل والأمراض الخلقية والاجتماعية وكيفية علاج الأديان لها، مطالبا بأن نكون على يقين من أن الخطر الداهم الآن لا يأتى من اختلاف الأديان، بقدر ما يأتى من «الإلحاد»، وما يتولد عنه من فلسفات تقدس «المادة» وتتعبد بأدرانها، وتستهين بالأديان وتعدها هزوا ولعبا.

وبين الإمام الأكبر أنه حين يدعو إلى أولية صنع السلام بين علماء الأديان ورموزها الأخوة الإنسانية؛ فإنه لا يعنى مطلقا الدعوة إلى إدماج الأديان فى دين واحد، فمثل هذا النداء لا يقول به عاقل ولا يقبله مؤمن أيا كان دينه، فهى فكرة مدمرة للأديان، ومجتثة لها من الجذور، وهى فى أفضل أوصافها خيال عبثى غير قابل للتصور، فضلا عن التحقق، فقد قضى الله أن يجعل لكل شرعة ومنهاجا!! وما اقصده هو الدعوة إلى العمل الجاد من أجل تعزيز المشترك الإنسانى بين الأديان وبعث قيم التعارف والاحترام المتبادل بين الناس، لافتا إلى أن ما يقصده فى هذا الأمر هو الدعوة إلى العمل الجاد من أجل تعزيز المشترك الإنسانى بين الأديان وبعث قيم التعارف والاحترام المتبادل بين الناس.

ودعا شيخ الأزهر لانعقاد لقاء خاص برموز الأديان يتدارسون فيه، بصراحة ووضوح تامين: ماذا عليهم وماذا على غيرهم من القادة والسياسيين وكبار الاقتصاديين، من الواجبات والمسؤوليات حيال الكوارث الاخلاقية والطبيعية، والتى باتت تهدد مستقبل البشرية بأكملها، موضحا أن انعقاد هذا اللقاء بين قادة الأديان المختلفة فى الغرب والشرق، لن يكون بالأمر الصعب أو المستحيل، حيث حدث من قبل فى لقاء وثيقة الأخوة الإنسانية بين فضيلته وقداسة البابا فرنسيس.

واستكمل الإمام الطيب، أنه على الرغم من اختلافه مع البابا فرنسيس: دينا وعرقا ولونا وتاريخا ووطنا، وبالرغم من أن آراء متشددة هنا وهناك حاولت أن تعرقل ومازالت، -بل حرمت أحيانا- مجرد التقاء شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية، إلا أننا حين اجتمعنا ومنذ اللقاء الأول، بنية صادقة شعر كل منا بأنه يعرف صاحبه منذ سنين عدة.. ثم ما لبثت القلوب أن التقت على المودة المتبادلة وعلى الصداقة والإخلاص، وكان توفيق الله تعالى كبيرا فى إتمام وثيقة الأخوة الإنسانية، تلكم التى جاءت كأول ميثاق إنسانى بين المسيحيين والمسلمين فى عصرنا الحديث؛ لتتأكد النظرية التى يؤمن بها الأزهر دائما، ويدعو إليها فى كل مكان وهى: أن كل لقاء جاد مسؤول بين رموز الأديان يتحول -لا محالة-إلى طوق نجاة للحضارة الإنسانية حين تحاول أعاصير الشر زعزعة أركانها أو اقتلاعها من جذورها.

وانطلق المؤتمر السابع لزعماء الأديان، اليوم الأربعاء، فى العاصمة الكازاخستانية نور سلطان، بحضور فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، والرئيس الكازاخى قاسم جومارت توقايف، والبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وعدد من قادة وزعماء الأديان حول العالم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة