أحمد رجب
أحمد رجب


كنوز| الجنيه المجيدى!

عاطف النمر

الأربعاء، 14 سبتمبر 2022 - 05:52 م

بقلم: أحمد رجب

لا يمكن أن يقال إن العالم النفسى الفرنسى «بينيه» هو مبتكر اختبارات الذكاء، فهذا عدوان واضح على حقوق ستى الحاجة التى ابتكرت الفوازير كأول شكل لاختبارات الذكاء، والدليل فزورة ستى عن السيف «إيش برق برق واستخبى فى الورق؟» وهذه الفوازير لم تعد ملائمة لاختبار ذكاء الإنسان العصرى، لأن هذا الإنسان أصبح يدوخ بين المكاتب لتخليص أوراقه، وأصبح يعرف أقرب الطرق لتجنب هذه الدوخة، فإذا سألته «إيش برق برق واستخبى فى الورق» قال لك «اللحلوح»، ولم تكن ستى تعنى راكب الطائرة فى فزورتها «إيش عدى البحر ولا اتبلش» لأنها كانت تعنى العجل فى بطن أمه، وإذا نظرنا الى اختبارات الذكاء التى وضعها العالم الفرنسى وجدناها لا تلائم العصر، فمن بينها أن تعرض على من تختبره صورة غير معقولة عبارة عن شخص يجلس ضاحكا سعيدا والحريق يشب من حوله، فمثل هذه الصورة لو نظر اليها الإنسان العصرى الذكى فلن تشد انتباهه لأنها صورة معقولة جدا، لأن الشخص الضاحك فى الصورة والنار من حوله هو الموظف الذى أحرق المخزن قبل الجرد. 

لهذا أصبح من المحتم إيجاد صورة أخرى ملائمة للعصر، يكتشف الإنسان الذكى عدم معقوليتها بمجرد النظر اليها، كصورة شارع نظيف فى القاهرة، أو صورة متحدث تليفزيونى لا يهش ذبابة ماسبيرو، او صورة رجل تبدو عليه السعادة وهو يشاهد التليفزيون، وأصبح من المحتم تطوير كل اختبارات الذكاء على أسس عصرية، وأصبح من الضرورى اشتراط النجاح فيها للمتقدمين لوظائف الحكومة حتى نضمن أجيالا قادمة من الموظفين الأذكياء يسيرون على منوال الأجيال السالفة الذكية الذين وضعوا اللوائح بفطنة وصاغوا الاستمارات الحكومية بذكاء، من أجل الدقة والحرص على أموال الدولة، وما الذكاء غير حرص ودقة .

خذ مثلا الاستمارة الحكومية «١٧١ ع. ح» الخاصة بجرد الخزائن الحكومية من سنة ١٨٦١ فهذه الاستمارة فيها خانات لأنواع النقود المجرودة تتضمن العملات التالية «جنيه إنجليزى ذهب - جنيه مجيدى ذهب - جنيه إنجليزى معجز» «مكتوبة كده فى الاستمارة - البنتو»، وهذه الاستمارة التى يجرى العمل بها حتى الربع الأخير من القرن العشرين كان لها تأثير واضح فى حياة قريب لى اسمه عبدالعزيز، التحق بالحكومة سنة ٧٠ ثم صار أمينا لخزانة سنة ٧٤، فجاء الأستاذ مراد رئيسه القديم الذى يمارس عمله بكل دقة وفطنة، طلب أن يجرد معه الخزانة على الاستمارة المذكورة، فنظر رئيسه الى الاستمارة قائلا: «بص فى الخزانة ياعبد العزيز وشوف عندك كام جنيه مجيدى»، ولما لم يكن لدى عبدالعزيز أى فكرة عن هذه الاستمارة فقد سأل رئيسه عن معنى كلمة «جنيه مجيدى» فقال له: «إنه جنيه السلطان عبدالمجيد سلطان تركيا المعاصر لحكم محمد على باشا» وهذا الجنيه لا وجود له حتى فى تركيا نفسها ولكن محتمل جداً أن يكون موجودا عندنا فى الخزانة، والظاهر أن الشاب المستهتر عبدالعزيز اعتبرها نكتة فثار الأستاذ مراد مندداً بموقفه الوظيفى الشائن، وأفهمه أن الحكومة لا تطبع مثل هذه الاستمارات عبثاً وعليه أن يطبق تعليماتها، وراح الأستاذ مراد يفتش فى الخزانة بنفسه عن الجنيهات المجيدية والجنيهات الإنجليزى الذهب والمعجزة والبنتو، ثم أحال عبدالعزيز للتحقيق، وأوضح عبدالعزيز فى التحقيق أن الجنيه الإنجليزى المعجز لا وجود له إلا فى أنتكخانة لندن، والبنتو عملة فرنسية بعشرين فرنكا ذهبيا كانت متداولة أيام الدولة العثمانية وغير معقول أن يكون فى خزانته بنتو ولا ولدو، وانتهى التحقيق بإدانة عبدالعزيز لإهماله فى تطبيق التعليمات الواردة بالاستمارة الحكومية «١٧١ ع.ح». 

من كتاب «كلام فارغ» 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة