د.سهير عثمان   --  سناء السعيد
د.سهير عثمان -- سناء السعيد


الإحصاء: مصر الأولى عربياً والـ14 عالمياً.. والأمم المتحدة تحذر من الزيادة السكانية

بعد وصولنا 102 مليون نسمة.. غول الانفجار السكاني من يوقفه؟

أميرة شعبان

الأربعاء، 14 سبتمبر 2022 - 06:08 م

الأولى عربيا، الثالثة أفريقيا، والرابعة عشر عالمياً، هذه المراكز الثلاث تلخص ترتيب مصر ضمن الدول الأكثر تعداداً للسكان، وهى نفس المراكز التى تهدد نجاح جهود الدولة التنموية فى مختلف المجالات، فكلما حققت مصر إنجازاً، جاءت الزيادة السكانية لتحرم المواطن من جنى ثمار هذا الإنجاز.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، وقف الرئيس عبد الفتاح السيسى فى أكثر من مناسبة لينبه المواطنين بخطورة هذه الزيادة، لعل أبرزها ما قاله خلال إطلاق المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية حين بث جملة لفتت انتباه الجميع قائلاً: « زدنا 14 مليون نسمة فى آخر 7 سنين ومفيش أرقام دخل تكافئ النمو».

وبالرغم من إطلاق المشروعات والمبادرات المصرية من مختلف الجهات المعنية لمحاولة مواجهة هذه الزيادة، إلا أن هناك سلاحاً لم يستطع حتى اليوم ترك بصمة وتأثيراً واضحاً فى هذه القضية، وهو «الحملات الإعلامية لتنظيم الأسرة» التى عانت من تقصير شديد فى أداء رسالتها أمام هذه الزيادة المستمرة. وفى هذا التحقيق تحاول الأخبار معرفة أسباب اختفاء الحملات الإعلامية المؤثرة مثل انظر حولك وحسانين ومحمدين، وكيف يمكن أن نستغل المنصات والوسائل المختلفة من أجل الوقوف بجانب الدولة للحد من «غول الزيادة السكانية؟».

خلال السنوات القليلة الماضية، عملت الدولة جاهدة لمحاولة إدارة ملف الزيادة السكانية بشكل مختلف لتحقيق نتائج ملموسة، فلم تلجأ لعبارات رنانة مثل «الراجل مش بس بكلمته.. الراجل برعايته لبيته وأسرته» أو الاعتماد على محمدين وحسنين لإقناع الأسرة بتنظيم نسلها، بل اتجهت لإطلاق عدة مشروعات لمواجهة الزيادة السكانية منها المشروع القومى لتنمية الأسرة المصرية، و مشروع تنظيم الأسرة، بجانب مشروع «2 كفاية» وغيرها، وتعاونت معها كافة الجهات المعنية بدءاً من الوزارات حتى مجلس النواب والشيوخ، وبالرغم من أن ثمار كل هذه الجهود تحتاج لسنوات لتظهر آثارها، إلا أن أرقام الزيادة السكانية فى مصر تقف عائقاً أمام تحقيق المرجو من كل تلك الجهود، ليتساءل البعض أين الحملات الإعلامية الضخمة لتنظيم الأسرة التى من شأنها التأثير على المواطن ودفعه لاتخاذ موقف إيجابى جديد؟

الوضع الحالى

قبل الإجابة على السؤال السابق ومناقشة أهمية حملات تنظيم الأسرة الإعلامية، دعونا نقف أمام الأعداد الرسمية التى وصل لها المجتمع المصري، فوفقاً لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ، قد ارتفع عدد سكان مصر من 72.8 مليون نسمة وفقاً لتعداد عام 2006 إلى 94.8 مليون نسمة فى تعداد عام 2017، ثم إلى 102.9 مليون نسمة فى تقديرات 1/1/2022 بزيادة قدرها 8.1 مليون نسمة عن بيانات آخر تعداد، لتصبح مصر بذلك الأولى عربياً فى عدد السكان، وليس ذلك فحسب بل أنه وفقاً لما أعلنته إدارة الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية فإن نصف سكان العالم سيتمركزون خلال العقود المقبلة فى ثمانى دول فقط من ضمنها مصر.

وربما يظن البعض أن المواطن المصرى ليس على دراية بما يحدث من زيادة كبيرة فى تعداد السكان، وأن استمرار الأسر فى الإنجاب بمعدل مرتفع يعود إلى عدم علمهم بخطورة وأهمية هذه القضية، إلا أنه قد اتضح أن الأمر ليس كذلك، فمؤخراً أجرى مجلس الوزراء استطلاعاً للرأى حول القضية السكانية لقياس مدى وعى المصريين بها، وكانت النتائج مفاجئة، فأكد الاستطلاع أن 70.7% من المواطنين بالعينة يرون أن مصر تواجه بالفعل مشكلة زيادة سكانية.
ومن هنا وبعد أن تبين أن هناك جهوداً من قبل الدولة، ومعرفة جيدة من قبل المواطن بمشكلة الزيادة السكانية ، لماذا لم يتم إطلاق حملات تنظيم أسرة مكثفة لمحاولة الحد من نتائج تلك الزيادة الكبيرة؟.. الأخبار تواصلت مع عدد من الخبراء لمناقشة الإجابة.

تكاتف الجهود

فى البداية تقول: سناء السعيد، عضو المجلس القومى للمرأة، أكدت أن الأمر يتطلب تكاتف كافة مؤسسات الدولة وعلى رأسها الحكومة المصرية لإيجاد حلول والحد من الزيادة السكانية، والتى لا تعد ظاهرة الآن بل أصبحت ثقافة مجتمع، فكلما زادت الطبقات زادت نسبة الفقر العالية والأمية العالية زاد عدد الأبناء داخل الأسرة الواحدة، والعكس صحيح كافة الدراسات والإحصاءات أكدت ذلك الأمر، فنجد الأسرة حتى إن كان الأب أو الأم مريضين فيستمروا فى الإنجاب لأنها ثقافة لديهم.

وأضافت السعيد أن معالجة هذا الأمر بيد كل من مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدنى للتوعية بخطورة الأمر، فلا تستطيع أى جهة بمفردها تولى زمام الأمور، موضحة أن هناك أهمية ماسة للحملات التثقيفية التى يتم نشرها فى القرى والنجوع لمخاطبة الأسر بكافة طبقاتها، وكذلك داخل الأزهر والكنيسة، وكل ذلك لتغيير الموروثات الثقافية داخل هذه الطبقات التى تجعلها تنجب دون تفكير فى عاقبة الأمور.

على جانب آخر ترى السعيد أن وسائل تنظيم الأسرة بحد ذاتها على الجهات المعنية توعية المرأة بها بشكل دائم، حتى لا تستخدم الأم وسيلة غير مناسبة فتنجب دون تخطيط للأمر وهو ما يحدث كثيراً، فعلى وزارة الصحة زيادة حملات التوعية والتحدث مع السيدات بشكل أعمق، وكل ذلك فى سبيل الحصول على جيل يتمتع فيه الطفل بصحة جيدة وتعليم وجيد.

وأضافت أنه الإعلام أيضاً مطالب بنقل كل هذه الجهود للمجتمع إلا أن هذه التغطيات ليست هى دليل النجاح بل أن أى جهة تنسق فعالية أو مبادرة أو حملة، فإن التأثير والمردود الجيد لهذه الحملات هو ما يفرض نفسه على أفراد المجتمع سواء بدعاية من الإعلام أو بدونها، والسر فى النجاح دائما يتمركز فى الجدية والاستمرارية فى هذه الفعاليات والحملات، وإبراز النماذج الناجحة وإيصال صوتها للجميع.

عقبات ثقافية

من جانبها ترى د.سهير عثمان، أستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، أن الزيادة السكانية مشكلة مزمنة لا تكمن فى الأرقام والأعداد فقط، بل تكمن فى الأساس فى موروثات ثقافية واتجاهات أفراد من الصعب تغييرها بطرق تقليدية، وهو الأمر الذى يضع عقبات أمام وسائل الإعلام وكل رواد الاقناع، لإن اتجاهات الأفراد من الصعب تغييرها، ومن هنا فتشير عثمان إلى أن وسائل الإعلام ليست مقصرة فى المقام الأول والدليل أن هناك العشرات من الحملات الإعلامية والإعلانية وحملات توعوية فى كافة الوسائل المقروءة والمسموعة ووسائل التواصل الاجتماعى لكنها لم تجد نفعاً.

وتبرر عثمان الأمر عدم جدوى هذه الحملات بأنها لم تستطع تحديد الطريقة الصحيحة التى يتم من خلالها تغيير ثقافة المواطن المصرى الذى تأصل لديه مبدأ «العزوة»، وهو نفس المواطن الذى لا يفكر فى وضعه الاقتصادى إذا أنجب 3 أو 4 أو 5 أطفال بل ما يهمه أن يكون لديه عزوة من حوله تحمل اسمه واسم أجداده وعائلة وسط قريته أو مدينته.

وتوضح أن الحل يكمن فى حملات إعلانية وإعلامية تستطيع مواجهة فكرة تغيير ثقافات محددة فى المجتمع مثل «العزوة»، وتوضيح كيف أنها لا تتوافق مع الوضع الاقتصادى للأسرة وللمجتمع وللعالم ككل فى الآونة الأخيرة، وأن مصلحة الأبناء وتحقيق معيشة كريمة لهم هو الأحق بدلاً من التفكير فى موروثات قديمة.

وجه مقبول

أما السبب الثانى فى عدم الحصول على التأثير المرجو من الحملات الإعلامية وبالتالى قلتها، وهو عدم استخدام «وجه مقبول» لدى المجتمع المصرى فى إقناعهم بضرورة تنظيم الأسرة، وهو ما يدفع المواطن لتجاهل تلك الرسائل بل على العكس أحيانا يتم عمل حملات إعلانية بطريقة تستفز قطاعات معينة من المجتمع المصري، وهو ما حدث مؤخرا.ً

وتشير عثمان إلى أننا فى حاجة إلى وجه مقبول إعلامياً لدى المصريين لكى نستطيع تنفيذ حملات ناجحة، ولكى تستطيع الحكومة تمويل حملة نضمن على الأقل قبول المواطن لها، دون أى مغامرة.

واختتمت عثمان حديثها قائلة: «إن هناك جانباً مهماً لهذه القضية من شأنه أن يضمن للجميع نجاح الحملات الإعلامية التى تستهدف الحد من الزيادة السكانية وهو سن قانون يجبر الأسر على الاكتفاء بطفلين فقط، لأن المجتمع المصرى بطبعه تؤثر فيه القوانين أكثر من أى وسائل أخرى».

إقرأ أيضا | وزيرة التخطيط تتلقى تقريرًا حول الموقف التنفيذي لمشروع تنمية الأسرة المصرية

د.ليلى عبدالمجيد:  نحتاج حملات إعلامية ضخمة تؤثر على المواطن وتدفعه لاتخاذ موقف إيجابى

أكدت د.ليلى عبد المجيد، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن القضية السكانية أصبحت الآن واقعاً وقضية أمن قومى تتطلب الاهتمام الإعلامى المكثف بشكل مستمر وهو ما لايحدث، موضحة أن ما يتم حالياً هى اجتهادات فردية بين الحين والآخر من قبل بعض الإعلاميين، وتتم فى المناسبات مثلما يحدث عندما يتحدث الرئيس عن الزيادة السكانية فيبدأون بالاهتمام بالأمر لفترة معينة فقط.

وتضيف عبد المجيد أن الوضع الحالى لايحتمل هذه المبادرات الفردية بل المجتمع فى حاجة ماسة إلى حملات إعلامية مخططة للمساهمة فى حل هذه الأزمة، إلا أن عليها أن تراعى التغيرات التى حدثت على المجتمع المصري، فالأفراد الذين كانت تحدثهم حملات تنظيم الأسرة عام 2010 أو ما قبلها ليسوا هم المسئولون عن تكوين أسرة جديدة فى الوقت الحالي، فثقافة الشباب الآن مختلفة ونظرته مختلفة للأمور لذلك فإن الحجج والوسائل التى ستؤثر فيه عليها أن تكون مختلفة، وأكدت أنه لايمكن النجاح بدون وضع خطة محكمة برؤية مختلفة ، ومحددة بجدول زمني، وبأنشطة متنوعة فى وسائل معينة لجمهور محدد خصائصه.

وأشارت إلى أن السبب وراء اختفاء حملات تنظيم الأسرة تعود إلى عدة أسباب أبرزها الجانب المادى، موضحة أنه قبل الألفية كانت هناك حملات تنظيم أسرة مخططة يتم تنفيذ جزء منها عن طريق التمويل من المنظمات الدولية التى تعمل فى مجال التنمية والمهتمة بالزيادة السكانية، خاصة الجهات التابعة للأمم المتحدة على سبيل المثال، أما الآن نجد أن الحملات الممولة قلت بشكل كبير لأنها مكلفة للغاية.

إعلاميون مدربون

على جانب آخر أوضحت عبد المجيد أن عدم الاهتمام الإعلامى بقضية النمو السكانى يعود أيضاً إلى اختفاء الإعلاميين المخضرمين المهتمين بهذه القضية، مشيرة إلى أنه قديماً كان لدينا إعلاميون فى كافة الوسائل قد اختاروا الاهتمام بهذه القضية، وحصلوا أيضا على دورات تدريبية متعددة على المستويين الإقليمى والدولي، وسافروا فى منح ورأوا تجارب الدول الأخرى، فكانت قضيتهم هى ملف السكان وكانوا يعنوا به ويهتموا به بشكل كبير سواء فى الصحف أو الإذاعة والتليفزيون.

وأضافت قائلة :» لذا فإن الأمر لا يقف على الحملات الإعلامية بل نحن فى حاجة إلى مجموعة من المحررين والإعلاميين والإذاعيين المدربين جيداً والمؤمنين بهذه القضية لأن منَ لا يؤمن بهذه القضية لن يكون مقنعاً للجمهور، وعليهم أن يملكوا الوسائل الصحيحة للاقناع، وعلى الجانب الآخر على رؤساء التحرير سواء فى الصحف الورقية أو الرقمية أو البرامج وضع هذه القضية على رأس اهتماماتهم دائماً، ومناقشتها على كافة المستويات سواء الأطفال أو الشباب أو ماهم أكبر من ذلك مختلف الطبقات الاجتماعية ومختلف مستويات التعليم».

نظرة قاصرة

وقالت عبد المجيد أن اختفاء الحملات الجاذبة والمجدية أمر تراكمى تسببت فيه القيادة السياسية خلال العشر سنوات التالية لعام 2000 ، فلم يكن هناك اهتماماً حقيقياً بالجانب الإعلامى فى حل المشكلة السكانية ، لأن الدولة لم تكن تضع دور الإعلام فى الاعتبار بل كانت تركز على أن التنمية هى الحل الوحيد لأزمة السكان، وهذا خطأ لأن التنمية مدخل مهم جداً لكنه ليس الوحيد، وبالتالى تراجعنا بشكل كبير، موضحة أن الفترة ما قبل عام 2000 كانت هناك نتائج مميزة فى خفض معدل النمو السكانى فى مصر، لكن مع انحسار الاهتمام الإعلامى بدأت المعدلات تزيد مرة أخرى.

وأكملت قائلة : «فى 2010 استشعرت الدولة خطر الزيادة السكانية وتمت إعادة إحياء الحلول، لكن ما حدث فى 2011 ثم فترة عدم الاستقرار حتى عام 2014 جعلت الأمر خارج عن السيطرة، حتى جاء الرئيس السيسى الذى لطالما اهتم بهذه القضية وتحدث عنها فى كثير من المناسبات، لكن يجب أن ينعكس هذا الاهتمام بالإيجاب على الإعلام فلا يكون تناوله للقضية مؤقتاً أو موسمياً بل مستمراً بحملات لها توقيت زمنى».

وأشارت عبد المجيد أن الدراما والسينما حتى الأغنية تلعب دوراً مهماً فى التوعية بقضايا المجتمع خاصة قضية الزيادة السكانية، بجانب وسائل التواصل الاجتماعى ومحطات «الاف ام»، موضحة أن الأسلوب غير المباشر هو الأسلوب الأجدى مع التركيز على حجج مقنعة لفئات الجمهور المختلفة، لأن هناك العديد من العقبات فى ثقافة المجتمع السائدة مثل فكرة «كل طفل برزقه» و»العزوة» و»الأطفال مصدر دخل للأسرة» وهكذا.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة