محمود الوردانى يكتب :فى رفقة خيرى شلبى (1- 2)
محمود الوردانى يكتب :فى رفقة خيرى شلبى (1- 2)


محمود الوردانى يكتب :فى رفقة خيرى شلبى (1- 2)

أخبار الأدب

السبت، 17 سبتمبر 2022 - 03:10 م

[email protected]

كان يحمل حقيبة سحرية، ما زلت أُصعق عندما أتذكرها الآن. كانت بيتا متحركا يضم مجلات الشهر الثقافية، ورواية وديوان شعر وجزءا من سيرة شعبية.

مرّت فى الأسبوع الماضى الذكرى الحادية عشرة لرحيل صديقى الكبير خيرى شلبى، والسطور التالية -عنه وبرفقته ومعه- بتصرف يسير، من بين صفحات كتاب «الإمساك بالقمر» الذى نشرته دار الشروق أخيراً.. أستأذن القارئ فى إعادة نشرها هنا:
أما خيرى شلبى فهو أقدم أصدقائى على الرغم من فارق السن بيننا، وعلى الرغم أيضا من أننا على طرفى نقيض فيما يتعلّق بأفكارنا ومواقفنا السياسية. عرفته فى أعقاب هزيمة 67 مباشرة، وكنتُ قد كتبت قصة قصيرة اسمها «الدير» وأنا فى السابعة عشرة من عمرى، وزارنا خيرى الذى كان زميلا وصديقا لشقيقى الأكبر الراحل عبد العظيم فى بيتنا فى العمرانية، ولم أكن موجودا بالصدفة فى ذلك اليوم. أخذ معه القصة وناقشها فى البرنامج الثانى فى الإذاعة فى برنامج كتابات جديدة.


وهكذا بدأت صداقتنا واستمرت ما يزيد عن أربعين عاماً. خيرى فلاح من قرية شباس عميرة من أعمال مديرية كفر الشيخ. وُلِد لأب كان قد تجاوز الستين، وتقاعد بعد سنوات طويلة أمضاها فى هيئة فنارات الإسكندرية، وعاد إلى قريته ليستقر بها، وعلّق على باب المندرة لافتة كتب عليها أحمد على شلبى «أشغال قضائية وإدارية»، واشتغل كاتباً للعرائض المقدمة من الفلاحين للحكومة.


بعد حصوله على الابتدائية، واختصاراً للمصاريف، قرر أبوه إلحاقه بمعهد المعلمين بدمنهور، وحتى يمكن تدبير مصاريف تعليمه، انضم لعمال التراحيل.. وكانت رواياته الأولى مثل السنيورة والأوباش عن تلك المرحلة.
وعندما التحق بمعهد المعلمين، بات من العار عليه أن يستمر كعامل تراحيل، كما حكى لى، فاتجه إلى تعلم وممارسة عدة مهن مثل الخياطة وسمكرة بوابير الجاز والنجارة، وانتهى به الأمر للانتقال إلى الإسكندرية، أقرب المدن الكبرى إلى قريته، حيث عمل بائعا سريحا يبيع المنظفات والبوتاس وزهرة الغسيل.. ولم يتسن له استكمال دراسته.


وأخيرا دخل القاهرة يبحث عن عمل أى عمل. تعلّم أن ينام وهو يسير فى الشوارع حرفيا، كما تعلّم كيف يغسل قميصه فى دورات المياه فى الفجر فى محطات السكك الحديدية فى باب الحديد.. راجع موال البيات والنوم إحدى فرائد عقده.. ومثلما كان فلاحا قراريا، خَبِر أيضا قاع المدينة، وعرف أزقتها وعطفاتها وزنقاتها وحواريها المسدودة والمفتوحة، وإن كان تخصصه الدقيق حزام المدينة ومستوطنات المهمشين والمطاريد.


 قطعنا -خيرى وأنا- تلك المستوطنات طولا وعرضا، وجلسنا على عشرات المقاهى والقعدات الصغيرة فى بولاق أبو العلا مثلا.. أو فى السيدة زينب والبغالة وسيدى على زين العابدين والناصرية وفُم الخليج والمدبح وتلال زينهم، فهى عوالم أخرى، تتوالى علينا وأنا فى صحبته فى دورة واسعة تنتهى بك إلى فندق هيلتون، حيث كان يحلو لخيرى أن يدلّى قدميه فى النيل، فى إحدى القعدات التى أقامها صاحبها على عجل أمام الفندق الشهير.


فى كل تلك الأوقات لم يتوقف عن القراءة والكتابة. كان يحمل حقيبة سحرية، ما زلت أُصعق عندما أتذكرها الآن. كانت بيتا متحركا يضم مجلات الشهر الثقافية، ورواية وديوان شعر وجزءا من سيرة شعبية، وكتاباً فى التاريخ أو التصوف أو التراث وربما أحد المعاجم.

وعدداً من الأجندات ومجموعة ضخمة من الأقلام، وخصوصا الأبنوس والأدوات الكتابية المتنوعة، وكمية معتبرة من أوراق الدشت والأجندات. يحمل خيرى ذلك «البيت»، ويستكشف المنطقة على مَهَل مثل صقر، ويختار أحد المقاهى. يتشاغل بقراءة الصحف والمجلات، ويطلب طلبا أو اثنين، ويكرر تردده عدة مرات حتى يصبح وجهه مألوفا، ويبدأ فى استخدام المقهى فى القراءة والكتابة، ويصل إلى صيغة فى عدد الطلبات التى يحتسيها أثناء وجوده.
استكمل الأسبوع القادم إذا امتد الأجل.

اقرأ ايضا |علامات «خيرى شلبى».. منشد السرد المصرى

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة