محمد الشافعى يكتب : أيامهم الأخيرة حساسية المايسترو وعدالة المؤرخ
محمد الشافعى يكتب : أيامهم الأخيرة حساسية المايسترو وعدالة المؤرخ


محمد الشافعى يكتب: أيامهم الأخيرة بين حساسية المايسترو وعدالة المؤرخ

أخبار الأدب

السبت، 17 سبتمبر 2022 - 05:25 م

الأفكار‭ ‬البكر‭ ‬تحلق‭ ‬فى‭ ‬الهواء ‬وما‭ ‬علينا‭ ‬إلا‭ ‬التقاطها. ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬يردد‭ ‬الآباء‭ ‬الأقدمون. ولكن‭ ‬أى‭ ‬أفكار‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬التقاطها؟‭ ‬ومن‭ ‬ذا‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ترويضها؟‭ ‬فالأفكار‭ ‬البكر‭ ‬تتدلل‭ ‬وتراوغ‭ ‬ولا‭ ‬تسلم‭ ‬قيادها‭ ‬إلا‭ ‬لصياد‭ ‬ماهر‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬جوانحه، ‬حكمة‭ ‬المفكر، ‬وحساسية‭ ‬الفنان، ‬وإتقان‭ ‬الجواهرجى.‭

‬وقد‭ ‬استطاع‭ ‬الصديق‭ ‬طارق‭ ‬عباس‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬«الأيام‭ ‬الأخيرة» ‬اصطياد‭ ‬إحدى‭ ‬الأفكار‭ ‬البكر، ‬وتقديمها‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬رصين‭ ‬يجمع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الجاذبية‭ ‬والعمق،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬بغريب‭ ‬فطارق‭ ‬عباس‭ ‬(كوكتيل)‭ ‬من‭ ‬المواهب‭ ‬والخبرات،‭ ‬فهو‭ ‬الموسيقى‭ ‬النابه‭،‬ والملحن‭ ‬المبتكر،‭ ‬والشاعر‭ ‬البليغ،‭ ‬والكاتب‭ ‬المفكر‭ ،‬فألحانه‭ ‬تتلألأ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأصوات‭ ‬الجميلة‭ ،‬ومقالاته‭ ‬تزدان‭ ‬بها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬والمواقع.‭ ‬وفكرة‭ ‬الأيام‭ ‬الأخيرة‭ ‬ليست‭ ‬الوحيدة‭ ،‬فما‭ ‬أكثر‭ ‬(بنات‭ ‬أفكار)‭ ‬طارق‭ ‬عباس،‭ ‬ويأتى‭ ‬فى‭ ‬مقدمتها‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬النبيلة‭ ‬التى‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬تضفير‭ ‬المحبة‭ ‬والإنصاف‭ ‬فى‭ ‬ضفيرة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬عن‭ ‬المجيدين‭ ‬المجددين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيله‭.


وفى‭ ‬كتابه ‬«الأيام‭ ‬الأخيرة»‭ ‬يقدم‭ ‬طارق‭ ‬عباس‭ ‬المشاهد‭ ‬الختامية‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬والزعماء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رؤية‭ ‬مستنيرة‭ ‬تجمع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬حساسية‭ ‬المايسترو‭ ‬وعدالة‭ ‬المؤرخ‭ ،‬وقد‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬اختيار‭ ‬أبطاله‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬تمتلئ‭ ‬حياتهم‭ ‬ونهاياتهم‭ ‬بالأحداث‭ ‬شديدة‭ ‬الدرامية‭ ،‬فالقارئ‭ ‬المحترف‭ ‬فور‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬فهرس‭ ‬الكتاب‭ ‬سيكتشف‭ ‬أنه‭ ‬أمام‭ ‬كنز‭ ‬حقيقى‭ ‬من‭ ‬الدراما‭ ‬والتأريخ،‭ ‬والأهم‭ ‬أن‭ ‬القارىء‭ ‬لن‭ ‬يقرأ‭ ‬بعينيه‭ ‬وعقله‭ ‬فقط‭ ،‬ولكن‭ ‬مشاعره‭ ‬وأحاسيسه‭ ‬ستكون‭ ‬شريكاً‭ ‬فاعلاً‭ ‬فى‭ ‬عملية‭ ‬القراءة‭ ،‬فهو‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يحب‭ ،‬أو‭ ‬يكره‭ ،‬أو‭ ‬يغضب‭ ‬أو‭ ‬يتأمل.


وإذا‭ ‬كان‭ ‬طارق‭ ‬عباس‭ ‬قد‭ ‬اختار‭ ‬شخصيات‭ ‬كتابه،‭ ‬وكأنهم‭ ‬أبطال‭ ‬الدراما‭ ‬الإغريقية‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬فى‭ ‬صراع‭ ‬أبدى‭ ‬لا‭ ‬ينتهى،‭ ‬فقد‭ ‬نجح‭ ‬أيضاً‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يختار‭ ‬تلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬صاحبة‭ ‬(الأدوار‭ ‬المفصلية)‭ ‬فى‭ ‬حركة‭ ‬التاريخ،‭ ‬فعندما‭ ‬نذكر‭ ‬هتلر‭ ‬وموسوليني،‭ ‬تتراءى‭ ‬أمامنا‭ ‬حماقة‭ ‬القوة،‭ ‬التى‭ ‬فجرت‭ ‬العالم،‭ ‬وأودت‭ ‬بحياة‭ ‬عشرات‭ ‬الملايين‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وكان‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ ‬نهاية‭ ‬لمرحلة،‭ ‬وبداية‭ ‬لمرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭.‬
وعندما‭ ‬نذكر‭ ‬السادات‭ ‬وشاه‭ ‬إيران‭ ‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬(المتغطى‭ ‬بالأمريكان‭ ‬عريان)‭.


‬وعندما‭ ‬نذكر‭ ‬القذافى‭ ‬وصدام‭ ‬حسين‭، ‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬حماية‭ ‬للحاكم‭ ‬قبل‭ ‬المحكومين،‭ ‬وأن‭ ‬الشعوب‭ ‬الحرة‭ ‬هى‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬تحمى‭ ‬الحكام‭ ‬الذين‭ ‬يرفعون‭ ‬رايات‭ ‬العدل‭ ‬والإنصاف‭.‬
وعندما‭ ‬نذكر‭ ‬هوارى‭ ‬يومدين‭ ‬وياسر‭ ‬عرفات‭ ،‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬سلطان‭ ‬المرض‭ ‬قاهر،‭ ‬وعندما‭ ‬نذكر‭ ‬جيفارا‭ ‬ولومومبا‭ ‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬الثائر‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬الوجهين‭، ‬الرومانسية‭ ‬التى‭ ‬تحكم‭ ‬بالتغيير‭ ‬إلى‭ ‬الأفضل،‭ ‬والقوة‭ ‬التى‭ ‬تحمى‭ ‬وتصون‭ ‬هذا‭ ‬الحلم،‭ ‬وعندما‭ ‬نذكر‭ ‬ديانا‭ ‬وبى نظير‭ ‬بوتو،‭ ‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬والظلم‭ ‬والقهر‭ ‬ليست‭ ‬حكراً‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬فالأفكار‭ ‬الغاشمة‭ ‬التى‭ ‬قتلت‭ ‬بى نظير‭ ‬هى‭ ‬ذات‭ ‬الأفكار‭ ‬التى‭ ‬قتلت‭ ‬ديانا‭ .‬

وعندما‭ ‬نذكر‭ ‬رمز‭ ‬المحتل‭ ‬الإنجليزى‭ ‬لى‭ ‬ستاك‭ ‬والملك‭ ‬فاروق‭ ،‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المحتل‭ ‬الغاصب‭ ‬يستحق‭ ‬القتل،‭ ‬وأن‭ ‬الحاكم‭ ‬الضعيف‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يقاوم‭ ‬المحتل‭ ‬يستحق‭ ‬الطرد،‭ ‬وعندما‭ ‬نذكر‭ ‬چون‭ ‬كيندى‭ ‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التحالف‭ ‬السرى‭ ‬بين‭ ‬الصهاينة‭ ‬والأمريكان،‭ ‬لن‭ ‬يسمح‭ ‬لأى‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكى‭ ‬بكشف‭ ‬عورات‭ ‬هذا‭ ‬التحالف،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدى‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬هذا‭ ‬الرئيس،‭ ‬وعندما‭ ‬نذكر‭ ‬الزعيم‭ ‬الخالد‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر ‬نتأكد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬سيظل‭ ‬حياً‭ ‬فى‭ ‬وجدان‭ ‬كل‭ ‬أحرار‭ ‬العالم‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬قائد‭ ‬عظيم‭ ‬ولكن‭ ‬لأنه‭ ‬مشروع‭ ‬وطنى‭ ‬عملاق‭ ‬للاستقلال‭ ‬السياسى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬وعدم‭ ‬التبعية‭.‬


وهكذا‭ ‬استطاع‭ ‬طارق‭ ‬عباس‭ ‬أن‭ ‬يغوص‭ ‬بين‭ ‬أعماق‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬ليخرج‭ ‬لنا‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬اللآلئ‭ ‬والدرر،‭ ‬وسوف‭ ‬يكتشف‭ ‬القارىء‭ ‬أن‭ ‬طارق‭ ‬عباس‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬قد‭ ‬تدخل‭ ‬بخياله‭ ‬الخصب‭ ‬لصناعة‭ ‬حوار،‭ ‬أو‭ ‬استكمال‭ ‬معلومة‭، ‬وهذا‭ ‬التدخل‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬عميقة‭ ‬للمرحلة‭ ‬وللشخصية‭ ‬التى‭ ‬يكتب‭ ‬عنها‭، ‬بحيث‭ ‬تتسق‭ ‬تلك‭ ‬الإضافة‭ ‬إتساقاً‭ ‬كاملاً‭ ‬مع‭ ‬الأحداث‭ ‬التاريخية‭ ‬الحقيقية‭.‬


وفى‭ ‬النهاية‭ ‬كل‭ ‬التحية‭ ‬والتقدير‭ ‬للصديق‭ ‬المبدع‭ ‬طارق‭ ‬عباس‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الجهد‭ ‬الخلاق،‭ ‬الذى‭ ‬استطاع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التكثيف‭ ‬البليغ،‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرؤى‭ ‬والعبر،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬(قماشة)‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬الرائعة‭ ‬التى‭ ‬تجسدت‭ ‬فى‭ ‬كتاب‭ ‬»الأيام‭ ‬الأخيرة»‭ ‬تحمل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬متعددة‭ ‬الأجزاء،‭ ‬ورغم‭ ‬يقينى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والتنقيب‭ ‬والعناء‭ ،‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المنتج‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وأكثر‭.

اقرأ ايضا | الدكتور محمد سمير عبدالسلام يكتب.. أيام الشمس المشرقة: فضاءات التجدد والغياب

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة