أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

شكرًا يا ست هالة

أحمد عباس

الأحد، 18 سبتمبر 2022 - 07:33 م

تصل الست هالة الى مكتبها الكائن بالدور الثالث بعد أن تكون عبرت سُلما ضيقًا جدا بالكاد يكفى لفرد واحد صعودا أو نزولا، مكتب التأمينات هذا يخدم أكثر من ثلاث مناطق شاسعة الامتداد وكثيفة العمالة، مرتادو المكان يوميًا يتخطون المئات وفى بعض الأحيان يتخطون الألف وذلك فى أحسن التقديرات، تجتاز الست هالة الطوابير الصاعدة والنازلة لتصل أخيرا الى غرفة الموظفين،

السيدة نحيلة للغاية أجزم انها لم تتناول إفطارها هذا النهار، ترتدى الأسود من رأسها حتى القدم، عودوها فارع سمراء مبتسمة رغم الحشود المنتظرة، فى العادى تلعن هذه الحشود الدنيا والظروف والأحوال، وفى الغالب يلعنون كل الموظفين القاعدين الى مكاتبهم لكن فى السر لئلا يتم القبض عليهم بتهمة إهانة موظف عام بالدولة، لكنهم وبالرغم من ذلك يلعنونهم من دون توقف، سمعتهم بأم أذنى يقولون ما لا يستوجب إعادته، بل ويلعنون الست هالة.
فى كل الأحوال وبعد أن تنفد الست هالة بجلدها من بين الجمهور تستند أخيرا الى مكتبها، تسنده - المكتب - بلوح خشبى بائس لتبدأ فتح دفاترها، ولا أفهم لمَ هذا القدر الرهيب من الدفاتر إذا كُنا نتحدث ليل نهار عن رقمنة وميكنة وموبايل أبليكيشن، لكن وفى كل الأحوال لا علينا الا الامتثال لمعطيات اللحظة والتعامل معها ولله الأمر من قبل ومن بعد، تنادى الست هالة على المواطن ١: اتفضل، خير عايز تعمل ايه؟.. تسأله بابتسامة.
الملفات الكرتون الراقدة على أسطح المكاتب مهولة كلها تخص مواطنين تعبوا جدا فى لملمة محتوياتها، منهم من سافر مرات لمحافظات بعيدة كان يعمل بها فقط ليحسب فترة عمله هناك قبل ان ينتقل لعمل آخر وينتقل معه ملفه التأميني، وآخرون يسعون على معاش آبائهم وأمهاتهم اللائى ولدنهم وأطفال يفلتون من بين يدى ذويهم بعد ملل من طول الانتظار، المهم ان الست هالة تتلقى كل الأوراق بعناية فائقة أقسم انها تخاف على المستندات أكثر من أصحابها، ثم بعد ترتيبها بعناية شديدة يجد الملف لنفسه مكانا بين أخوته الراقدين فى مكان ما.
فى حوار عصبى جدا لمواطن ١ مع الست هالة سألها:
لماذا يطلب منى ختم الاستمارة من اثنين من الموظفين بختم النسر، هل تعتقدين حضرتك ان هذين الموظفين يعرفان من أنا أو من أكون، والله يا ست هالة ختمتها ولم يسألانى من أنا، فلماذا تشترطين علّى ذلك ولماذا مطلوب منى أن أروح وأجيء مرات بلا جدوى.
ترقبه الست هالة بنفس الابتسامة وترد: والله القانون والتعليمات والشروط هكذا، أنا لا أضع شيئا منها ولا أحدد قواعد، ومن أنا لأفعل!
مواطن ٢ يسمع من آخر الطابور ويقول: لماذا لا تفعلون هذه الخدمات عبر الهاتف، انتم مش بتقولوا انها رقمية ده أنا حتى لسه شاحن!
تجيب الست هالة بنفس الابتسامة: والله فيه ناس معندهاش موبايل.


لا تراوح الست هالة بسمتها مهما كان الأمر مزعجًا أو قاسيًا، وتردد:  الأوراق ثم الأوراق ثم الأوراق.
لا يسقط السيستم أبدا بين أيدى الست هالة لكنه لا يسعفها أيضًا بمزيد من الأدوات للتسهيل على الجمهور، هى أيضًا واحدة منهم فى مصلحة حكومية مشابهة، المهم أننى لما وصلت للست هالة كادت ترقص لما وجدت ملفى جاهزا وقالت الحمد لله والله فرحانة انك قدرت تكمل كل حاجة، وكانت تراجع وتدقق الملف بمنتهى السعادة، ثم صمتت بابتسامة وقالت: رّجع فلوسك فى جيبك يا أستاذ أنا مابخدش حاجة، ربنا يكرمك ويرحم أبوك.. وبقيت حتى نهاية السلم أردد الله يرحمك يا أبويا.. متشكرين يا ست هالة.

 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة