علاء عابد - رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب
علاء عابد - رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب


علاء عابد يكتب: عودة الروح

أخبار اليوم

الجمعة، 23 سبتمبر 2022 - 06:10 م

 

عنوان المقال «عودة الروح»، هو اسم كتاب قرأته من تأليف الأديب الرائع الراحل توفيق الحكيم، الذى أثرى الثقافة بكتبه ورواياته ومقالاته الرائعة مثل: يوميات نائب فى الأرياف، عصفور من الشرق، سلطان الظلام، أهل الكهف، الرباط المقدس، عصا الحكيم، الأيدى الناعمة، شهر زاد، وغيرها الكثير من الكتب والروايات والتى تحول بعضها إلى أفلام ومسلسلات ومسرحيات.

ولكننى فى الحقيقة توقفت كثيرًا عند عنوان كتابه الخالد «عودة الروح»، لأنه فى رأيى المتواضع، أن «الروح» هى فى العمل، «الروح» هى فى الإنتاج، «الروح» هى فى الإبداع، «الروح» هى فى تقدم الدول وازدهارها وتطورها.

وإننى أؤكد أن لـ«عودة الروح» شروطًا كثيرة، أولها، عودة «القوة الناعمة» الحقيقية التى تشكل وجدان الأمة وتعيد تماسكها ووعيها.
ويعلم الجميع أن المجتمعات العربية، من المحيط إلى الخليج فى زمن الفن الجميل، كانت تتابع بشغف برامج تليفزيونية وإذاعية شهيرة، صنعت وعى أجيال من المصريين، منها «العلم والإيمان»، و«حياتي»، و«همسة عتاب»، و«عالم الحيوان»، و«كلمتين وبس»، و«قال الفيلسوف»، وغيرها من البرامج الهادفة، التى كانت انعكاسًا لرسالة الإعلام المصرى فى توجيه الرأى العام المحلى والعربي، فضلًا عن تنويره، وتثقيفه، بكل ما من شأنه غرس مبادئ الثقافة والوطنية والانتماء فى وجدان الناس.

أما الآن وللأسف الشديد فقد أصبح هناك ظاهرة لا يمكن إنكارها وهى البرامج غير الهادفة والهدامة التى تبث بطرق ملتوية على بعض المواقع والصفحات الممولة لاغراض خبيثة.
وللاسف يتابعها عشرات الالاف من المشاهدين بدعوى العلم بالشىء

غير مبالين بخطورتها على مجتمعنا فى عصر سيطر السوشيال ميديا على المشهد، وما نشهده اليوم من تراجع فى القيم الاجتماعية والأخلاقية، أصاب كل الأفكار الجميلة، والإبداعات الإنسانية فكرًا وفلسفة وقانونًا وأخلاقًا وفنًا فى مقتل، واكتظ المشهد العام بهبوطٍ واضح للقيم الإنسانية النبيلة.

كنا نجلس  أمام البرامج صامتين وكأننا فى محراب علم،  ونصغى إلى كل معلومة يتم نقلها من خلال المذيع وضيوفه، بل كانت حركة المرور فى الشوارع تتوقف حينما يُذاع برنامج مثل «العلم والإيمان»، من شدة تعلّق الناس بصاحبه الراحل الكبير الدكتور مصطفى محمود، الذى كان يناقش أصعب القضايا الفكرية والفلسفية بلغة سهلة وبسيطة، يفهمها الخاصة والعامة على حد سواء، فأين نحن الآن من ذلك؟!

وما يحدث فى أيامنا هذه، ليس قاصرًا على مجتمعنا المصرى فقط، ففى أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا، انتشرت قبل فترة لوحات تحذيرية مكتوب فيها «توقفوا عن جعل الناس الأغبياء مشهورين». وكان هذا التحذير الغريب موجهًا للمؤسسات الإعلامية، فى المقام الأول. وذلك من منطلق بسيط، أنه إذا كانت هذه المؤسسات لا تستطيع إيقاف تغوّل السطحيين من الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، فعلى الأقل ينبغى عدم استقطابهم للفعاليات والمهرجانات والمناسبات العامة، وعدم القبول باستقطابهم لتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية، أو إشراكهم فى مسلسلات وأفلام كرتونية موجهة للجيل الجديد.

وفى عام 2008، أقدمت فرنسا على خطوة جريئة قضت بإلغاء كل أنواع الإعلان والدعاية من وسائل الإعلام الرسمي، بقرار رئاسي، وهو ما اضطر الحكومة إلى ضخ مبالغ هائلة لتعويض المداخيل المفتقدة من الإعلانات. وكان القصد من هذا التوجه تحرير وسائل الإعلام الرسمية من هيمنة مصالح القطاع الخاص، وتمكين المواطن الفرنسى من حقه فى الحصول على إعلام مستقل وهادف..

ويؤكد الإعلاميون الجادون، وهم قلة على أى حال، أن غياب البرامج الثقافية والتعليمية والاجتماعية الهادفة، أثّر على عدم وجود برامج دينية أو اجتماعية هادفة أيضًا، وأن هذا يعود إلى عزوف المنتجين، وندرة الأفكار،

ولا جدال أن عصرنا الحاضر يُعد، دون مبالغة، هو «عصر الإعلام» بامتياز. فقد استولت الوسائل الإعلامية على أوقات الناس، واستقطبت اهتماماتهم، وغدت ظاهرة عالمية لا تقتصر على مجتمع دون آخر، ولا يصد آثارها الحواجز التقليدية التى تعارف عليها الناس، من حدود جغرافية، أو اختلافات لغوية، أو تباين ثقافى أو سياسى أو اقتصادي.

لذلك، يتوجب علينا جميعًا السعى إلى عودة الروح وواجبنا محاربة التفاهة فى كل صورها، وعدم إعطاء أصحابها أدنى أهمية، لأنهم خطر على الأجيال الجديدة، لكى نقضى على الإسفاف كسلوك أصبح رائجًا، من خلال البرامج ذات الأهمية الأخلاقية والعلمية والنفسية، التى تُعد «طوق النجاة» للأجيال الجديدة.

وحينما يتعوّد المستمع أو المشاهد على مستوى معين من البرامج التى تحترم عقله، وتنمّى فكره، وتغذى كيانه، سوف يغدو محبًا لذوقه السليم، قادرًا على الاختيار بنفسه بين الإعلام الحقيقي، والإعلام الذى يرفع شعار «الجمهور عايز كده»!

وفى هذا الصدد، وجب عليّ أن أوجه تحية احترام وتقدير للشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية» لأنها أعلنت أنها ستطلق حملة إعلامية جديدة بعنوان «أخلاقنا الجميلة» على عدة مراحل، تستهدف التأكيد على الأخلاق التى تربينا عليها، وتأمر بها جميع الأديان السماوية والإنسانية، من احترام الكبير وحسن الجيرة وحسن المعاملة، والأمانة والشرف، والأدب فى التعامل.

ومن المقرر أن تنطلق هذه الحملة على عدة مراحل، عبر وسائل «المتحدة للخدمات الإعلامية» المختلفة، والهدف منها تربية أجيال جديدة على القيم والعادات والتقاليد المصرية الأصيلة، وتذكير الأجيال الحالية بما تربينا عليه من قيم إنسانية عليا.

ولعل هذه الحملة أن تكون بداية لإنتاج برامج جديدة، الغاية منها هى عودة «الإعلام الهادف» إلى الصدارة، وتوجيه جهود كل مؤسسات الدولة المعنية إلى الهدف الأسمى، وهو تنشئة أجيال جديدة على قيم المجتمع المصرى الأصيلة، التى هى بمثابة «حائط الصد» فى مواجهة كل الشرور التى تحيق بنا من كل جانب.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة