الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية يكتب : المنظومة الثقافية فى مصر تحتاج إلى إعادة نظر
الدكتور أحمد زايد مدير مكتبة الإسكندرية يكتب : المنظومة الثقافية فى مصر تحتاج إلى إعادة نظر


مدير مكتبة الإسكندرية يكتب: المنظومة الثقافية فى مصر تحتاج إلى إعادة نظر

أخبار الأدب

الأحد، 25 سبتمبر 2022 - 02:26 م

 

الفن فى العصر الحديث بدأ يأخذ طابعًا متطرفًا.. نحتاج إلى آليات لبناء الإطار المعرفى للمجتمع

ظهور وسائل التواصل الاجتماعى خلق مشاكل كبيرة.. وتمدد الحقل الدينى وضع الثقافة على الهامش 

المعرفة رغبة داخلية ولا يمكن فرضها.. والحوار فى المجال العام هو نوع من التدبر العقلى
نعمل على تلخيص التراث الإنسانى من خلال مكتبة الإسكندرية وسننفتح على الجميع

طه حسين صاحب الفضل فى تكوينى الفكرى.. وأرتبط بقريتى ولكنى حداثى الفكر
الدولة لا تصنع الثقافة ولكنها تشجع عليها وتحدد الأطر الداعمة لها.. وأنا ضد فكرة التكاملية الثقافية ولكن مع التعددية وقبول الآخر

مر نصف النهار، بينما بدأت الشمس تتسلل نحو الميناء الشرقي، لتكون فى مواجهة نصف قرص شمس الذى يمثل مبنى مكتبة  الإسكندرية، فى تلك الأثناء كان الدكتور أحمد زايد، يراقب المشهد من أعلى نقطة  بالمكتبة، بعد يوم ملئ بالمقابلات.
حين دلفنا من باب مكتبه، التفت نحونا مُرحبًا، ليجلس بعدها وخلفه هذا المشهد الذى ربما يثير فى نفسه تساؤلات أو شجون نحو شيء ما.
قبل شهرين تولى زايد إدارة مكتبة الإسكندرية، هذا الصرح الثقافى الكبير، الذى جاء إليه وفى جعبته تاريخ طويل من العمل فى المجال الثقافى والأكاديمى باعتباره أحد علماء الاجتماع البارزين فى مصر.
أتى زايد محملاً بأحلام كبيرة وطموحات يعتزم بتحقيقها خلال فترة ولايته لهذا الصرح الثقافى العالمي، الضارب بجذوره فى التاريخ، حيث كانت مكتبة الإسكندرية منارة للعلم يحج إليها الباحثين عن العلم والمعرفة من شتى أنحاء العالم.
حول رؤيته للمشهد الثقافى المصرى والعربى وتطوير التعليم وأحلامه وخططه للنهوض واستكمال مسيرة العمل فى مكتبة الإسكندرية، والدور التثقيفى الذى يجب أن تلعبه فى الداخل بالتوازى مع أدوارها الخارجية، دار حوارنا معه.

ننظر جميعا إلى المشهد الخلاب بالتقاء المكتبة بالبحر ونسأله: حين كنت تقف تنظر من خلف الزجاج نحو الميناء الشرقى من أعلى نقطة فى هذا الصرح الثقافى الكبير، ماذا كان يدور فى خلدك؟
تمهل قبل أن يرد، ومبتسما يقول: حين أنظر إلى البحر المتوسط من هنا، أتساءل كيف كانت مصر والإسكندرية خلال العهد القديم وكيف كانت منارة للعلم يشد إليها الرحال.


وحتى فى الوقت الحديث كانت مدينة الإسكندرية مدينة كوزموبوليتانية تضم أجناسا وأعراقا متعددة ولكن دخلت الغلظة فى نهاية السبعينيات وصورها الروائى إبراهيم عبد المجيد فى ثلاثيته عن الإسكندرية.


يعتدل ليضيف: نحتاج إلى إعادة الإسكندرية ومصر إلى وضعها الطبيعى لتكون مصدر إشعاع ثقافى وليست مكتبة الإسكندرية فقط.
ولأن المكتبة ترس فى آلة كبيرة وجزء من منظومة ثقافية، نحتاج إلى أن تعود الإسكندرية بحق منارة للجميع ونقول «لا أحد ينام فى الإسكندرية»


وعندما جئت إلى هنا ورأيت قرص الشمس فى تصميم المكتبة له وجهين إحداهما عاكس ينير للخارج والثانى ينير داخل المكتبة يسمح بدخول الضوء للمكتبة ولكن دون أن تكون الشمس حارقة، فكما أنارت المكتبة قديمًا العقول فستنير الحاضر.


ولا أحب التحدث عن كلام بطولى دون تحقيقه ولكن يجب أن تكون هناك جهودًا أخرى إضافية تعمل بالتوازى مع المكتبة.
يصمت قليلا ويتابع: كل المجتمعات تتحدث الآن عن نوع جديد من الأخلاق، فحين تقرأ عن أخلاقيات ما بعد الحداثة تجد أنها لا تتأسس على الالتزام بقواعد عامة، ولكنها مبنية على قناعات داخلية نابعة من داخلك نتيجة شعورك بأحقيتك فى المعرفة وأن تكون مفيداً لمجتمعك.


فالقضية ليست فرضاً، فنحتاج إلى  صناعة عقول لديها هذه الرغبة فى الاجتهاد من أجل المعرفة؛ لأن المعرفة لا تُفرض من دولة أو مجتمع ولكنها تفرض من خلال رغبة داخلية خاصة.


وكيف تكونت رغبة المعرفة فى داخلك.. هل لك أن تخبرنا عن أبرز الكتب التى أثرت فى شخصيتك تكوينك الفكري؟
فى الأدب الجاهلى للدكتور الدكتور طه حسين، قرأته وأنا طالب فى الجامعة وجذبنى أسلوبه فى مخاطبة العقل المنهجى والتفكير  النقدى والتعددية وفكر الآخر، فطه حسين هو من شَكَّل منهجى الفكرى وأتصور أنه من أعظم المفكرين.


كما أحب  المسرح وخاصة مسرحيات زكى طليمات وهاملت لشكسبير وبالطبع هناك العديد من المفكرين والأدباء العالميين الآخرين كما أثرت فى وجدانى أيضًا الموسيقى الكلاسيكية القديمة.


كثيرًا ما تتحدث عن نشأتك فى القرية بصعيد مصر، وتقيم هناك مسابقة للمتفوقين علمياً، هل القرية لا زالت تشكل جزءاً من تكوينك؟
فى الحقيقة، أنتمى للقرية ومازالت أزورها وأود أهلها لأسباب عائلية، ولكن فكرى كله حديث وليس قرويا فأنا إنسان ذو فكر حديث، واعتبر نفسى ذو أخلاق عالمية فأنا لا أحب القبلية ولا الشللية و لا أى فكر منغلق فالثقافة تتطلب عقل منفتح عالمي. 


دعنا ننتقل من الخاص للعام،  كيف ترى المشهد الثقافى المصرى حالياً؟ 
فى الحقيقة، هناك أنشطة ثقافية يمكن رصدها، وقد نراها جيدة سواء فى الفعاليات الثقافية التى تقيمها وزارة الثقافة من خلال صندوق التنمية الثقافية أو المهرجانات الثقافية وكذلك الدوريات والصحف المختصة بالمجال الأدبى والثقافي.


فـ «أخبار الأدب» على سبيل المثال، تقوم بجهد ثقافى لأنها تلخص المشهد الثقافى فى مصر، فهى فى رأيى من أفضل الصحف الأدبية الصادرة فى مصر والوطن العربي، وكذلك مكتبة الإسكندرية تقوم بدور كبير.


ولكننا يجب دائما ألا نصل إلى أن نقول أننا لدينا ثقافة مزدهرة فى مصر، فلا زالنا نحتاج إلى جهود كبيرة كى نستطيع القول أن لدينا ثقافة مزدهرة، علينا أن نكون صادقين ونقول أننا فى حاجة إلى إعادة نظر فيما يسمى بالمنظومة الثقافية فى مصر والدور الذى تلعبه الثقافة فى حياة الناس.


وهذا الحديث ليس معناه أننى أقلل من شأن الأنشطة الثقافة التى تحدث فى مصر ولكنى أراها ليست كافية، فهمى تحتاج إلى تنويع أكثر ودعم أكبر.


خلال العقود الماضية حدث خفوت فى المشهد الثقافى المصرى على العكس من النصف الأول من القرن الماضي.. فى رأيك ما هو السبب؟
المشكلة الثقافية فى مصر سببها الانفتاح الاقتصادى الذى جرى منذ منتصف السبعينيات، كان من المفترض أن تكون حرب أكتوبر عام 1973 هى رافعة قوية للثقافة، ولكن الرئيس الراحل أنور السادات رغم أنه كان مثقفًا إلا أنه اتجه اتجاهًا اقتصاديًا وليس اتجاهًا ثقافيًا.


فمصر تحولت من المنظومة الاشتراكية إلى الرأسمالية، وبدأ المجتمع يتحول من التركيز على الجوانب الثقافية والفكرية إلى التركيز على الجوانب والمكاسب الاقتصادية وهنا بدأ الجرى وراء المادة.


كل ذلك أدى إلى حقن الفكرة فى جسد المجتمع المصرى وانفرط عقده الثقافى وأصبحت الطبقة الوسطى المنتجة للثقافة فى الأساس لا تهتم بها بقدر اهتمامها بالمال وأصبحت فكرة الحصول على منزل وتكوين أسرة أهم من قراءة كتاب وتخريج أجيال مثقفة.


فى رأيك من يتحمل نتيجة هذا الوضع، بمعنى هل تتحمل الدولة المسئولية أم المجتمع نفسه؟
الدولة هى الكيان الذى له الحق  فى استخدام القسر لتنظيم المجتمع أو بمعنى أدق استخدام القانون فى خدمة المجتمع، ولو نظرنا إلى القوانين التى وضعتها الدولة لخدمة الثقافة سنراها جيدة لا شيء فيها، ولكن المشكلة تكمن فى التطبيق.


بالتأكيد الدولة عليها أن تشجع الثقافة من خلال فتح آفاق جديدة وإعطاء مساحة للحرية الثقافية والأكاديمية، وبالتالى التصرفات على أرض الواقع هى المشكلة، فأصبحت الثقافة شيء ثقيل الظل فى حين أصبح الدين هو الشيء خفيف الظل.


الثقافة تنحسر والحقل الدينى يمتد على عقول الناس، والدين هنا ليس التدين البسيط السمح ولكن تدين خشن وشكلى وخرافى ولا علاقة لها بجوهر الدين، فنرى شخص متدين شكليًا فى حين أن علاقته برأس المال مشوهة.


وتظهر المشكلة عنده حينما يحدثه شخص عن العقل وأحكامه فى تسيير شئون الحياة وقتها تجده ينفر من الحياة العقلانية وينبهر جدًا حينما تحدثه عن النصوص والكلام المتداول فى شئون الدين حتى وإن كان كلامًا خاطئًا.


هناك مكونات ثلاثة يجب أن تكون حاضرة فى العقل المصرى ويجب أن يكون هناك توزانًا بينهم وهم المادة والروح والجمال – الذى تؤسسه الثقافة.-
ولكن تمدد الحقل الدينى وسيطرته على العقل وضع الثقافة على الهامش وأصبحت المادة والدين هما المسيطران، فالعقل المصرى يسيطر عليه المكون الدينى الخرافى الشكلى وكذلك مكون المادة الجشعة فى حين تجد أن المكون الثقافى يأخذ حيزًا ضيئلًا جدا.


هناك تحولًا كبيرًا فى الذائقة المصري، فنرى أن الشخص يتذوق سماع الخطابات الدينية عن سماع طه حسين أو القراءة.


هناك أراء كثيرة تقول أن هذا التحول الثقافى المصرى جاء نتيجة غزو لأفكار متشددة من بعض الدول الخليجية خلال فترة السبعينيات والثمانينيات؟
ليس حقيقيًا، فالدول الخليجية تهتم بالثقافة، فالسفر إلى الخليج كان جزءا من التوجه الغليظ الذى صدرته مصر.


الوهابيون لم يدعون للقتل، هم لديهم أفكار محافظة فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة، وليس تشريع القتل، فتشريع القتل وفكرة الجاهلية جاءت من سيد قطب هنا، فالدين الخشن نتهم فيه الخليج ولكنى لا أرى سببًا فى ذلك.


بمناسبة الحديث عن سيد قطب، كيف ترى هذا التناقض بين النماذج المختلفة التى ظهرت فى المجتمع خلال هذه الحقبة ما بين فن وثقافة رائدة وبين سيد قطب بأفكاره؟
بالفعل كان المتناقضان متواجدين، ولكن ليسا بنفس القوة، فأشكال الفنون التى كانت مسيطرة فى هذه الحقبة من أم كلثوم وعبد الحليم حافظ والسينما والمسرح كان ورائها مجال ثقافى عظيم.
بالمناسبة، الفن فى العصر الحديث بدأ يأخذ طابعًا متطرفًا أيضًا، فالتطرف هنا وهناك وظهرت مبالغات فى الفنون لا تمت للجمال بصلة، فالدراما والفنون التى تسيطر على العالم الآن هدفها دغدغة الغريزة كما يدغدغ الدين الغريزة أيضا، كلاهما ينمى الجوانب الانفعالية.


هذا التناقض يأتى نتيجة الهزات المجتمعية الكبيرة التى تتعرض لها الدول وحدث ذلك فى أكثر من مجتمع، فى رأيك ما العلاج لهذه المشكلة؟
فى الحقيقة إننا نحتاج إلى التركيز على آليات تكوين الإطار المعرفى للناس وتكوين فكرة الالتزام والمواطنة والمعروف بالشكل البسيط «بناء البشر» رغم أنى لا أحب هذا اللفظ.


كيف نبنى البشر؟!، يأتى هذا باستبدال الأطر التى تحتوى على غلظة دينية وغريزة مادية، فنحتاج إلى تكوين آليات بناء للعقول والتى فى رأيى يجب أن تكون فى مقدمتها التعليم.
أيضًا ظهور وسائل التواصل الاجتماعى خلق مشاكل كبيرة، فى النهاية لا ثقافة بدون تعليم. يجب أن يكون التعليم أولوية لدى الدولة وهو بالفعل أولوية لدى الأسرة ولكن لابد من تغيير ثقافة الأسرة تجاه التعليم المتمثل فى الحصول على شهادة ليسارع الأبن فى الحصول على وظيفة أو الالتحاق بما يسمى بكليات القمة مثل الطب وخلافه. أصبح الدخول للكليات كنوع من الوجاهة التعليمية، فالتعليم يجب ألا يكون لمجرد الوجاهة الاجتماعية ولكن يجب أن يكون لتكوين إطار معرفى ليصبح مواطنا صالحا.


يجب أن تتغير نظرة الأسرة تجاه التعليم، فى الخارج يتم تحفيز الطفل على القراءة منذ صغره، فنحن أهملنا هذا الجانب. والكتب أصبحت متوفرة ومتاحة على الانترنت، فالثقافة متوفرة علينا أن نخلق من يبحث عن الثقافة.


هذه هى المعضلة كيف يكون هناك شخص باحث عن المعرفة والتعلم ولا يكون مغرورا كونه حصل على درجة علمية، كل ذلك يأتى من خلال الأسرة والأصدقاء والمجتمع.
الدولة لا تصنع الثقافة ولكنها تشجع عليها وتحدد الأطر الداعمة لها  من خلال إتاحة الأماكن لممارسة الثقافة مثل بناء المسارح والمكتبات ولكنها لن تقوم بحمل الكتاب وإجبار الشخص على القراءة أو الذهاب للمسرح.


 تحدثت عن أهمية التعليم فى إعداد أجيال مؤهلة، فى رأيك كيف يمكننا النهوض بالتعليم وهل أوضاع المدرسين حالياً تسمح لهم بتخريج أجيال مثقفة؟
حين كنت فى قريتنا صغيراً، كان المدرسون يأتون إلينا من المدينة ونراهم فى زى محترم ومهندم وكانوا يعلموننا جيداً، تعليم يفتح المدارك وليس ما يحدث الآن من قهر للتلاميذ وتلقين.
المدرس قديماً كان نموذجاً يحتذى به، تؤهلك لكى تكون شخصاً جيداً، فلم تكن المدرسة لتعليم المنهج فقط ولكن كانت تزرع فينا قيما ويخلق منك شخصاً قادراً على تنظيم حياته.


ولكن الآن الوضع أصبح مختلفًا،ولذا يجب أن نحترم المدرس ويكون درجة أولى فى ترتيب الوظائف، فى اليابان مثلا يحتل الفلاح سلم الدرجات الوظيفية، لأنه الأهم لديهم حسب احتياجاتهم، وفى مصر يجب أن يكون المدرس هو على رأس الهرم الوظيفى لأنه هو من يقوم بتخريج الطبيب والضابط والمستشار وكل فئات المجتمع.
وفى الحقيقة أنا طرحت فكرة لتطوير والنهوض بالتعليم حين حصلت على جائزة الدولة التقديرية، وكتبتها فى مقالات.


ما هى ملامح فكرتك لتطوير التعليم؟ 
فكرة المشروع ببساطة تتمثل فى أن الطبقة المتوسطة تكونت من خلال التعليم، فالتعليم هو الذى خلقنى وهو من جعلنا هنا، فلو انهار التعليم فنحن نكون قد انهرنا لأن أبنائنا لن يكونوا على نفس المستوى الفكرى والتعليمى الذى نحت عليه وبالتالى يحدث تخلف مهنى والطبقة المتوسطة سوف تتدهور مهنيًا مثلما تدهورت تعليماً.


فى رأيى الطبقى الوسطى مسئولة مسئولية أخلاقية تجاه التعليم ويجب أن تتحول هذه الطبقة مع الدولة عملية بناء التعليم، بمعنى أن تقوم بمساعدتها، وتأتى هذه المساعدة كمساعدة اقتصادية بمعنى أن الأشخاص الذين كونوا مكانة عالية داخل الطبقة الوسطى ولديهم عمل خاص مربح أو يعمل لديهم ٥ أشخاص على الأقل أو أصبحوا فى مهنة مستقرة..  أو أصبح شخص مثلى وحصل على جوائز  يقوم بالتبرع بمبلغ 100 ألف جنيه لصالح التعليم يتم وضعها فى صندوق يتم إنشاؤه من أجل هذا الغرض.


لو نفذنا هذه المبادرة سنجد نحو 2 مليون شخص بهذه المواصفات، وبالتالى سيصبح معنا فى الصندوق 200 مليار جنيه.
وسيكون متاحًا تطوير البنية التحتية فى المدارس وتجهيزها بمسرح وقاعات للموسيقى و نراعى ذلك فى المدارس الجديدة، فضلًا عن رفع راتب المدرس ليصبح من المهن العليا ويكون هذا نوع من رد الجميل للدولة التى علمتنا فى مدارس حكومية مجانية.


فتتحول بذلك المدرسة إلى مدرسة تشد إليها الرحال وليست مدارس مهجورة ويكون هناك نظام تقنى يمنع سفر التلاميذ خلال فترة الدراسة وهو ما يحدث فى أوروبا الآن فطالما الطفل مقيد فى التعليم لا يمكنه السفر خلال تلك الفترة ويصبح التعليم قيمة فى المجتمع ويتحول لمشروع قومي.


نعود مرة أخرى لمكتبة الإسكندرية، تحدثت عن عزمكم لإقامة منتدى للحوار العالمى هل هناك شخصيات محددة سوف تستضيفونها؟
نحن بدأنا فى ذلك بالفعل، وخلال فترة وجيزة سنستضيف عظة شخصيات منها مثلًا عميدة كلية لندن للاقتصاد وهى شخصية مصرية بالمناسبة.


نحن نفكر أن نكون فى هذا المستوى من الاستضافة من أكاديميين كبار ومفكرين وعلماء اجتماع واقتصاد وشعراء وأدباء، والهدف من ذلك هو خلق حالة التقاء واحتكاك بين الآخر.
فى الحقيقة المكتبة تقوم بأنشطة كثيرة على مستوى الشباب الصغير، فخلال الأيام الماضية استضفنا عدد كبير من الشباب لعرض ابتكاراتهم فى مجال التكنولوجيا الخاصة بتصميم تطبيق عن المناخ.


ننتقل إلى الحوار الوطني، الذى دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتوليت أنت رئاسة لجنة الثقافة فيه، هل لديك تصور حول الحوار ومخرجاته؟
فى الحقيقة، لا أريد الحديث عن شيء لم يكتمل بعد، ولكن الحوار يجب أن يكون قائماً على شيئين أولهما أنه أداة للتواصل بين الأفكار المختلفة لكى يحدث نوع من التوافق على رؤية موحدة للمصلحة العامة.


والحوار فى المجال العام هو نوع من التدبر العقلى فهو يفتح الآفاق فى العقول المغلقة، يفكك الأفكار ويوسع الأفق، فهو نوع من الحركة الديناميكية فى المجتمع وتجعله مجتمع حى ومتقد.
أنا فى رأيى أن كل لجنة يجب أن تخرج بوثيقة ما يشبه بشكل من أشكال السياسات سواء سياسية أو ثقافية أو اقتصادية.


ننتقل من الحوار المصرى إلى الحوار العربي، تحدث عدد من المفكرين خلال العقود الماضية عن فكرة التكامل الثقافى العربي، وطرحوا أفكار لهذا التكامل، فهل سوف تتجه المكتبة للعمق العربى وفتح حوار مع المثقفين والمؤسسات العربية؟
انا ضد فكرة التكاملية الثقافية ولكن مع التعددية، بمعنى أن يكون هناك تفاعلاً بين الثقافات، فالتكامل هى فكرة بسيطة والتكامل فى رأيى نهاية التفكير.


يصمت قليلاً، ثم يطرح سؤالاً : حين تتكامل الدنيا فى ماذا سنفكر؟
يستطرد بعدها: الاختلاف يولد حركة والعرب كتلة متكاملة بينها عناصر مشتركة كالتاريخ والدين واللغة ولكنها مختلفة فى أصولها وثقافتها ومناهجها الفكرية، فالإختلاف هنا إختلاف فكرى وليس طائفى وهذا شيء صحي.
المكتبة بالطبع ستستضيف مفكرين وكتاب عرب، وسيكون هناك تحرك من قِبل المكتبة نحو عمقها العربي.


وماذا عن البعد الافريقي؟
نحن نهتم بالأشقاء الأفارقة وخلال الأسبوع الماضى نظمنا مؤتمرا للطلاب الأفارقة الدارسين فى مصر وهذا يحدث كل على مدار العام من خلال ورش تدريبية ومؤتمرات حوارية نتناقش معهم ونحاورهم وسوف نستمر فى ذلك.


تحدثت فى السابق عن فكرة قيام مكتبة الإسكندرية بتلخيص التراث الإنسانى العالمى فى كتيبات وإتاحتها للجمهور بأسعار مخفضة، هل بدأتم خطوات فى هذا الاتجاه؟
بدأنا نعد لذلك، سنبدأ بطرح كتيبات عن المكتبة القديمة والمفكرين والمثقفين فيها ثم سنتحدث عن كيفية نشأة المكتبة وإعادة إحيائها حديثا، ثم بعد ذلك سنلخص الحضارة الفرعونية والحضارة اليونانية والعصور الوسطى والعصر الإسلامي.


هل تم تشكيل لجنة لمتابعة هذا المشروع؟
فى الحقيقة لم يتم تشكيل لجنة، فأنا حين أبدأ بفكرة لا أجمجم حولها كثيرا، هذه العبارة كان طه حسين يرددها كثيرا، بمعنى أنى لا أتحدث فيها كثيرا ولكن أبدأ فى تنفيذها وأضع خيط لبداية المشروع ثم نكمله. 

 

ننظر جميعا إلى المشهد الخلاب بالتقاء المكتبة بالبحر ونسأله: حين كنت تقف تنظر من خلف الزجاج نحو الميناء الشرقى من أعلى نقطة فى هذا الصرح الثقافى الكبير، ماذا كان يدور فى خلدك؟
تمهل قبل أن يرد، ومبتسما يقول: حين أنظر إلى البحر المتوسط من هنا، أتساءل كيف كانت مصر والإسكندرية خلال العهد القديم وكيف كانت منارة للعلم يشد إليها الرحال.


وحتى فى الوقت الحديث كانت مدينة الإسكندرية مدينة كوزموبوليتانية تضم أجناسا وأعراقا متعددة ولكن دخلت الغلظة فى نهاية السبعينيات وصورها الروائى إبراهيم عبد المجيد فى ثلاثيته عن الإسكندرية.
يعتدل ليضيف: نحتاج إلى إعادة الإسكندرية ومصر إلى وضعها الطبيعى لتكون مصدر إشعاع ثقافى وليست مكتبة الإسكندرية فقط.
ولأن المكتبة ترس فى آلة كبيرة وجزء من منظومة ثقافية، نحتاج إلى أن تعود الإسكندرية بحق منارة للجميع ونقول «لا أحد ينام فى الإسكندرية»
وعندما جئت إلى هنا ورأيت قرص الشمس فى تصميم المكتبة له وجهين إحداهما عاكس ينير للخارج والثانى ينير داخل المكتبة يسمح بدخول الضوء للمكتبة ولكن دون أن تكون الشمس حارقة، فكما أنارت المكتبة قديمًا العقول فستنير الحاضر.


ولا أحب التحدث عن كلام بطولى دون تحقيقه ولكن يجب أن تكون هناك جهودًا أخرى إضافية تعمل بالتوازى مع المكتبة.


يصمت قليلا ويتابع: كل المجتمعات تتحدث الآن عن نوع جديد من الأخلاق، فحين تقرأ عن أخلاقيات ما بعد الحداثة تجد أنها لا تتأسس على الالتزام بقواعد عامة، ولكنها مبنية على قناعات داخلية نابعة من داخلك نتيجة شعورك بأحقيتك فى المعرفة وأن تكون مفيداً لمجتمعك.


فالقضية ليست فرضاً، فنحتاج إلى  صناعة عقول لديها هذه الرغبة فى الاجتهاد من أجل المعرفة؛ لأن المعرفة لا تُفرض من دولة أو مجتمع ولكنها تفرض من خلال رغبة داخلية خاصة.


وكيف تكونت رغبة المعرفة فى داخلك.. هل لك أن تخبرنا عن أبرز الكتب التى أثرت فى شخصيتك تكوينك الفكري؟
فى الأدب الجاهلى للدكتور طه حسين، قرأته وأنا طالب فى الجامعة وجذبنى أسلوبه فى مخاطبة العقل المنهجى والتفكير  النقدى والتعددية وفكر الآخر، فطه حسين هو من شَكَّل منهجى الفكرى وأتصور أنه من أعظم المفكرين.


كما أحب  المسرح وخاصة مسرحيات زكى طليمات وهاملت لشكسبير وبالطبع هناك العديد من المفكرين والأدباء العالميين الآخرين كما أثرت فى وجدانى أيضًا الموسيقى الكلاسيكية القديمة.


كثيرًا ما تتحدث عن نشأتك فى القرية بصعيد مصر، وتقيم هناك مسابقة للمتفوقين علمياً، هل القرية لا زالت تشكل جزءاً من تكوينك؟
فى الحقيقة، أنتمى للقرية ومازالت أزورها وأود أهلها لأسباب عائلية، ولكن فكرى كله حديث وليس قرويا فأنا إنسان ذو فكر حديث، واعتبر نفسى ذو أخلاق عالمية فأنا لا أحب القبلية ولا الشللية و لا أى فكر منغلق فالثقافة تتطلب عقل منفتح عالمي. 


دعنا ننتقل من الخاص للعام،  كيف ترى المشهد الثقافى المصرى حالياً؟ 
فى الحقيقة، هناك أنشطة ثقافية يمكن رصدها، وقد نراها جيدة سواء فى الفعاليات الثقافية التى تقيمها وزارة الثقافة من خلال صندوق التنمية الثقافية أو المهرجانات الثقافية وكذلك الدوريات والصحف المختصة بالمجال الأدبى والثقافي.


فـ «أخبار الأدب» على سبيل المثال، تقوم بجهد ثقافى لأنها تلخص المشهد الثقافى فى مصر، فهى فى رأيى من أفضل الصحف الأدبية الصادرة فى مصر والوطن العربي، وكذلك مكتبة الإسكندرية تقوم بدور كبير.


ولكننا يجب دائما ألا نصل إلى أن نقول أننا لدينا ثقافة مزدهرة فى مصر، فلا زالنا نحتاج إلى جهود كبيرة كى نستطيع القول أن لدينا ثقافة مزدهرة، علينا أن نكون صادقين ونقول أننا فى حاجة إلى إعادة نظر فيما يسمى بالمنظومة الثقافية فى مصر والدور الذى تلعبه الثقافة فى حياة الناس.


وهذا الحديث ليس معناه أننى أقلل من شأن الأنشطة الثقافة التى تحدث فى مصر ولكنى أراها ليست كافية، فهمى تحتاج إلى تنويع أكثر ودعم أكبر.


خلال العقود الماضية حدث خفوت فى المشهد الثقافى المصرى على العكس من النصف الأول من القرن الماضي.. فى رأيك ما هو السبب؟
المشكلة الثقافية فى مصر سببها الانفتاح الاقتصادى الذى جرى منذ منتصف السبعينيات، كان من المفترض أن تكون حرب أكتوبر عام 1973 هى رافعة قوية للثقافة، ولكن الرئيس الراحل أنور السادات رغم أنه كان مثقفًا إلا أنه اتجه اتجاهًا اقتصاديًا وليس اتجاهًا ثقافيًا.


فمصر تحولت من المنظومة الاشتراكية إلى الرأسمالية، وبدأ المجتمع يتحول من التركيز على الجوانب الثقافية والفكرية إلى التركيز على الجوانب والمكاسب الاقتصادية وهنا بدأ الجرى وراء المادة.
كل ذلك أدى إلى حقن الفكرة فى جسد المجتمع المصرى وانفرط عقده الثقافى وأصبحت الطبقة الوسطى المنتجة للثقافة فى الأساس لا تهتم بها بقدر اهتمامها بالمال وأصبحت فكرة الحصول على منزل وتكوين أسرة أهم من قراءة كتاب وتخريج أجيال مثقفة.


فى رأيك من يتحمل نتيجة هذا الوضع، بمعنى هل تتحمل الدولة المسئولية أم المجتمع نفسه؟
الدولة هى الكيان الذى له الحق  فى استخدام القسر لتنظيم المجتمع أو بمعنى أدق استخدام القانون فى خدمة المجتمع، ولو نظرنا إلى القوانين التى وضعتها الدولة لخدمة الثقافة سنراها جيدة لا شيء فيها، ولكن المشكلة تكمن فى التطبيق.


بالتأكيد الدولة عليها أن تشجع الثقافة من خلال فتح آفاق جديدة وإعطاء مساحة للحرية الثقافية والأكاديمية، وبالتالى التصرفات على أرض الواقع هى المشكلة، فأصبحت الثقافة شيء ثقيل الظل فى حين أصبح الدين هو الشيء خفيف الظل.


الثقافة تنحسر والحقل الدينى يمتد على عقول الناس، والدين هنا ليس التدين البسيط السمح ولكن تدين خشن وشكلى وخرافى ولا علاقة لها بجوهر الدين، فنرى شخص متدين شكليًا فى حين أن علاقته برأس المال مشوهة.


وتظهر المشكلة عنده حينما يحدثه شخص عن العقل وأحكامه فى تسيير شئون الحياة وقتها تجده ينفر من الحياة العقلانية وينبهر جدًا حينما تحدثه عن النصوص والكلام المتداول فى شئون الدين حتى وإن كان كلامًا خاطئًا.


هناك مكونات ثلاثة يجب أن تكون حاضرة فى العقل المصرى ويجب أن يكون هناك توزانًا بينهم وهم المادة والروح والجمال – الذى تؤسسه الثقافة.-


ولكن تمدد الحقل الدينى وسيطرته على العقل وضع الثقافة على الهامش وأصبحت المادة والدين هما المسيطران، فالعقل المصرى يسيطر عليه المكون الدينى الخرافى الشكلى وكذلك مكون المادة الجشعة فى حين تجد أن المكون الثقافى يأخذ حيزًا ضيئلًا جدا.


هناك تحولًا كبيرًا فى الذائقة المصري، فنرى أن الشخص يتذوق سماع الخطابات الدينية عن سماع طه حسين أو القراءة.


هناك أراء كثيرة تقول أن هذا التحول الثقافى المصرى جاء نتيجة غزو لأفكار متشددة من بعض الدول الخليجية خلال فترة السبعينيات والثمانينيات؟
ليس حقيقيًا، فالدول الخليجية تهتم بالثقافة، فالسفر إلى الخليج كان جزءا من التوجه الغليظ الذى صدرته مصر.


الوهابيون لم يدعون للقتل، هم لديهم أفكار محافظة فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمرأة، وليس تشريع القتل، فتشريع القتل وفكرة الجاهلية جاءت من سيد قطب هنا، فالدين الخشن نتهم فيه الخليج ولكنى لا أرى سببًا فى ذلك.


بمناسبة الحديث عن سيد قطب، كيف ترى هذا التناقض بين النماذج المختلفة التى ظهرت فى المجتمع خلال هذه الحقبة ما بين فن وثقافة رائدة وبين سيد قطب بأفكاره؟
بالفعل كان المتناقضان متواجدين، ولكن ليسا بنفس القوة، فأشكال الفنون التى كانت مسيطرة فى هذه الحقبة من أم كلثوم وعبد الحليم حافظ والسينما والمسرح كان ورائها مجال ثقافى عظيم.
بالمناسبة، الفن فى العصر الحديث بدأ يأخذ طابعًا متطرفًا أيضًا، فالتطرف هنا وهناك وظهرت مبالغات فى الفنون لا تمت للجمال بصلة، فالدراما والفنون التى تسيطر على العالم الآن هدفها دغدغة الغريزة كما يدغدغ الدين الغريزة أيضا، كلاهما ينمى الجوانب الانفعالية.


هذا التناقض يأتى نتيجة الهزات المجتمعية الكبيرة التى تتعرض لها الدول وحدث ذلك فى أكثر من مجتمع، فى رأيك ما العلاج لهذه المشكلة؟
فى الحقيقة إننا نحتاج إلى التركيز على آليات تكوين الإطار المعرفى للناس وتكوين فكرة الالتزام والمواطنة والمعروف بالشكل البسيط «بناء البشر» رغم أنى لا أحب هذا اللفظ.
كيف نبنى البشر؟!، يأتى هذا باستبدال الأطر التى تحتوى على غلظة دينية وغريزة مادية، فنحتاج إلى تكوين آليات بناء للعقول والتى فى رأيى يجب أن تكون فى مقدمتها التعليم.


أيضًا ظهور وسائل التواصل الاجتماعى خلق مشاكل كبيرة، فى النهاية لا ثقافة بدون تعليم. يجب أن يكون التعليم أولوية لدى الدولة وهو بالفعل أولوية لدى الأسرة ولكن لابد من تغيير ثقافة الأسرة تجاه التعليم المتمثل فى الحصول على شهادة ليسارع الأبن فى الحصول على وظيفة أو الالتحاق بما يسمى بكليات القمة مثل الطب وخلافه. أصبح الدخول للكليات كنوع من الوجاهة التعليمية، فالتعليم يجب ألا يكون لمجرد الوجاهة الاجتماعية ولكن يجب أن يكون لتكوين إطار معرفى ليصبح مواطنا صالحا.


يجب أن تتغير نظرة الأسرة تجاه التعليم، فى الخارج يتم تحفيز الطفل على القراءة منذ صغره، فنحن أهملنا هذا الجانب. والكتب أصبحت متوفرة ومتاحة على الانترنت، فالثقافة متوفرة علينا أن نخلق من يبحث عن الثقافة.


هذه هى المعضلة كيف يكون هناك شخص باحث عن المعرفة والتعلم ولا يكون مغرورا كونه حصل على درجة علمية، كل ذلك يأتى من خلال الأسرة والأصدقاء والمجتمع.
الدولة لا تصنع الثقافة ولكنها تشجع عليها وتحدد الأطر الداعمة لها  من خلال إتاحة الأماكن لممارسة الثقافة مثل بناء المسارح والمكتبات ولكنها لن تقوم بحمل الكتاب وإجبار الشخص على القراءة أو الذهاب للمسرح.


تحدثت عن أهمية التعليم فى إعداد أجيال مؤهلة، فى رأيك كيف يمكننا النهوض بالتعليم وهل أوضاع المدرسين حالياً تسمح لهم بتخريج أجيال مثقفة؟
حين كنت فى قريتنا صغيراً، كان المدرسون يأتون إلينا من المدينة ونراهم فى زى محترم ومهندم وكانوا يعلموننا جيداً، تعليم يفتح المدارك وليس ما يحدث الآن من قهر للتلاميذ وتلقين.
المدرس قديماً كان نموذجاً يحتذى به، تؤهلك لكى تكون شخصاً جيداً، فلم تكن المدرسة لتعليم المنهج فقط ولكن كانت تزرع فينا قيما ويخلق منك شخصاً قادراً على تنظيم حياته.


ولكن الآن الوضع أصبح مختلفًا،ولذا يجب أن نحترم المدرس ويكون درجة أولى فى ترتيب الوظائف، فى اليابان مثلا يحتل الفلاح سلم الدرجات الوظيفية، لأنه الأهم لديهم حسب احتياجاتهم، وفى مصر يجب أن يكون المدرس هو على رأس الهرم الوظيفى لأنه هو من يقوم بتخريج الطبيب والضابط والمستشار وكل فئات المجتمع.


فى الحقيقة أنا طرحت فكرة لتطوير والنهوض بالتعليم حين حصلت على جائزة الدولة التقديرية، وكتبتها فى مقالات.


ما هى ملامح فكرتك لتطوير التعليم؟ 
فكرة المشروع ببساطة تتمثل فى أن الطبقة المتوسطة تكونت من خلال التعليم، فالتعليم هو الذى خلقنى وهو من جعلنا هنا، فلو انهار التعليم فنحن نكون قد انهرنا لأن أبنائنا لن يكونوا على نفس المستوى الفكرى والتعليمى الذى نحت عليه وبالتالى يحدث تخلف مهنى والطبقة المتوسطة سوف تتدهور مهنيًا مثلما تدهورت تعليماً.


فى رأيى الطبقى الوسطى مسئولة مسئولية أخلاقية تجاه التعليم ويجب أن تتحول هذه الطبقة مع الدولة عملية بناء التعليم، بمعنى أن تقوم بمساعدتها، وتأتى هذه المساعدة كمساعدة اقتصادية بمعنى أن الأشخاص الذين كونوا مكانة عالية داخل الطبقة الوسطى ولديهم عمل خاص مربح أو يعمل لديهم ٥ أشخاص على الأقل أو أصبحوا فى مهنة مستقرة..  أو أصبح شخص مثلى وحصل على جوائز  يقوم بالتبرع بمبلغ 100 ألف جنيه لصالح التعليم يتم وضعها فى صندوق يتم إنشاؤه من أجل هذا الغرض.


لو نفذنا هذه المبادرة سنجد نحو 2 مليون شخص بهذه المواصفات، وبالتالى سيصبح معنا فى الصندوق 200 مليار جنيه.


وسيكون متاحًا تطوير البنية التحتية فى المدارس وتجهيزها بمسرح وقاعات للموسيقى و نراعى ذلك فى المدارس الجديدة، فضلًا عن رفع راتب المدرس ليصبح من المهن العليا ويكون هذا نوع من رد الجميل للدولة التى علمتنا فى مدارس حكومية مجانية.


فتتحول بذلك المدرسة إلى مدرسة تشد إليها الرحال وليست مدارس مهجورة ويكون هناك نظام تقنى يمنع سفر التلاميذ خلال فترة الدراسة وهو ما يحدث فى أوروبا الآن فطالما الطفل مقيد فى التعليم لا يمكنه السفر خلال تلك الفترة ويصبح التعليم قيمة فى المجتمع ويتحول لمشروع قومي.


 نعود مرة أخرى لمكتبة الإسكندرية، تحدثت عن عزمكم لإقامة منتدى للحوار العالمى هل هناك شخصيات محددة سوف تستضيفونها؟
نحن بدأنا فى ذلك بالفعل، وخلال فترة وجيزة سنستضيف عظة شخصيات منها مثلًا عميدة كلية لندن للاقتصاد وهى شخصية مصرية بالمناسبة.
نحن نفكر أن نكون فى هذا المستوى من الاستضافة من أكاديميين كبار ومفكرين وعلماء اجتماع واقتصاد وشعراء وأدباء، والهدف من ذلك هو خلق حالة التقاء واحتكاك بين الآخر.


فى الحقيقة المكتبة تقوم بأنشطة كثيرة على مستوى الشباب الصغير، فخلال الأيام الماضية استضفنا عدد كبير من الشباب لعرض ابتكاراتهم فى مجال التكنولوجيا الخاصة بتصميم تطبيق عن المناخ.


ننتقل إلى الحوار الوطني، الذى دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتوليت أنت رئاسة لجنة الثقافة فيه، هل لديك تصور حول الحوار ومخرجاته؟
فى الحقيقة، لا أريد الحديث عن شيء لم يكتمل بعد، ولكن الحوار يجب أن يكون قائماً على شيئين أولهما أنه أداة للتواصل بين الأفكار المختلفة لكى يحدث نوع من التوافق على رؤية موحدة للمصلحة العامة.


والحوار فى المجال العام هو نوع من التدبر العقلى فهو يفتح الآفاق فى العقول المغلقة، يفكك الأفكار ويوسع الأفق، فهو نوع من الحركة الديناميكية فى المجتمع وتجعله مجتمع حى ومتقد.
أنا فى رأيى أن كل لجنة يجب أن تخرج بوثيقة ما يشبه بشكل من أشكال السياسات سواء سياسية أو ثقافية أو اقتصادية.


ننتقل من الحوار المصرى إلى الحوار العربي، تحدث عدد من المفكرين خلال العقود الماضية عن فكرة التكامل الثقافى العربي، وطرحوا أفكار لهذا التكامل، فهل سوف تتجه المكتبة للعمق العربى وفتح حوار مع المثقفين والمؤسسات العربية؟
انا ضد فكرة التكاملية الثقافية ولكن مع التعددية، بمعنى أن يكون هناك تفاعلاً بين الثقافات، فالتكامل هى فكرة بسيطة والتكامل فى رأيى نهاية التفكير.


يصمت قليلاً، ثم يطرح سؤالاً : حين تتكامل الدنيا فى ماذا سنفكر؟
يستطرد بعدها: الاختلاف يولد حركة والعرب كتلة متكاملة بينها عناصر مشتركة كالتاريخ والدين واللغة ولكنها مختلفة فى أصولها وثقافتها ومناهجها الفكرية، فالإختلاف هنا إختلاف فكرى وليس طائفى وهذا شيء صحي.


المكتبة بالطبع ستستضيف مفكرين وكتاب عرب، وسيكون هناك تحرك من قِبل المكتبة نحو عمقها العربي.


 وماذا عن البعد الافريقي؟
نحن نهتم بالأشقاء الأفارقة وخلال الأسبوع الماضى نظمنا مؤتمرا للطلاب الأفارقة الدارسين فى مصر وهذا يحدث كل على مدار العام من خلال ورش تدريبية ومؤتمرات حوارية نتناقش معهم ونحاورهم وسوف نستمر فى ذلك.


تحدثت فى السابق عن فكرة قيام مكتبة الإسكندرية بتلخيص التراث الإنسانى العالمى فى كتيبات وإتاحتها للجمهور بأسعار مخفضة، هل بدأتم خطوات فى هذا الاتجاه؟
بدأنا نعد لذلك، سنبدأ بطرح كتيبات عن المكتبة القديمة والمفكرين والمثقفين فيها ثم سنتحدث عن كيفية نشأة المكتبة وإعادة إحيائها حديثا، ثم بعد ذلك سنلخص الحضارة الفرعونية والحضارة اليونانية والعصور الوسطى والعصر الإسلامي.


هل تم تشكيل لجنة لمتابعة هذا المشروع؟
فى الحقيقة لم يتم تشكيل لجنة، فأنا حين أبدأ بفكرة لا أجمجم حولها كثيرا، هذه العبارة كان طه حسين يرددها كثيرا، بمعنى أنى لا أتحدث فيها كثيرا ولكن أبدأ فى تنفيذها وأضع خيط لبداية المشروع ثم نكمله. 

اقرأ ايضا | الإسكندرية ماريا.. «كوزموبوليتانية»

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة