عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

وصفة قد تشفى من نزلة البرد لكنها ستزيد من استفحال الداء

الأخبار

الأحد، 02 أكتوبر 2022 - 08:54 م

 

عبدالله البقالى

تسارع حكومات العديد من الدول فى مختلف مناطق العالم إلى رفع سعر الفائدة بوتيرة وبشكل غير مسبوقين فى تاريخ الاقتصاد العالمى المعاصر، وهو إجراء، يبدو من حيث الشكل عاديا حينما يتعلق الأمر بحالة منعزلة لاقتصاد قطرى يواجه تحديات طارئة، لكن أن يتحول إلى ملجأ اضطرارى للعديد من الدول، فإن ذلك يكشف عن حقائق ومعطيات ترتبط بالأوضاع الاقتصادية العالمية فرضتها ظروف طارئة جدا خارجة عن السيطرة .
هكذا سارعت الإدارة الأمريكية التى تقود أحد أقوى الاقتصاديات فى العالم إلى رفع سعر الفائدة الذى حدده مجلس الاحتياطى الاتحادى (البنك المركزى الأمريكي) فى 75 نقطة ليصل إلى 3.25 بالمائة، وألمح إلى مزيد من الارتفاع، والذى قد يصل إلى 4.40 بالمائة فى المدى القريب، كما التجأت دول كثيرة ، بما فيها الدول الأوربية والنفطية إلى هذا الإجراء الذى يؤشر على أن الاقتصاد العالمى يعيش حالة ضيق مزعجة جدا.
الأكيد أن قرار رفع سعر الفائدة ليس معزولا عن سياق اقتصادى وسياسى عام يجتاز العالم تفاصيله الدقيقة والصعبة، فقد تسببت تداعيات انتشار وباء كورونا التى فرضت أجواء إغلاق اقتصادى عام ، تعطلت فيه حركات الإنتاج، وتوقفت سلاسل التسويق فى انكماش اقتصادى عالمى غير مسبوق فى التاريخ القريب والبعيد، وما إن خفت حدة الانعكاسات التى تسببت فيها الأزمة الصحية التى هزت أركان العالم ، وبدت معالم انتعاش اقتصادى جديد، حتى اشتعلت حرب فى القارة الأوربية التى مثلت فترة مواجهة مباشرة بين القوى الاقتصادية والعسكرية العالمية، ودخل العالم مرحلة أزمة جديدة من نوع آخر، لا تزال تداعياتها السلبية تلقى بظلالها على الأوضاع الاقتصادية العالمية، وبسبب هذا التراكم فى عوامل ومظاهر الأزمة، والتى ألقت بتداعيات جديدة تجسدت هذه المرة فى ارتفاعات مهولة فى أسعار مختلف مواد الطاقة الاستهلاكية الأساسية، مما أفضى بدوره إلى مرحلة ركود اقتصادى خطير بسبب تدهور القدرات الشرائية لمختلف الفئات من الأشخاص فى أرجاء المعمورة، وانتهى إلى كساد وإلى تضخم اقتصادى كبير فرض على العديد من الحكومات فى العالم الالتجاء إلى الكى كآخر دواء للوعكة الصحية التى أصابت الاقتصاد العالمى .
هكذا يكون العالم بصدد بذل ما يجب من جهود لكبح جماح التضخم للخلاص المؤقت من حالة ضيق التنفس، ولكنه بكل تأكيد لن يمثل الحل الأمثل للخروج من هذه الوضعية الصعبة، لأن انعكاسات رفع معدلات الفائدة قد لا تقل خطورة عن تداعيات التضخم نفسه، فمن الناحية النظرية، فإن قرار رفع سعر الفائدة يزيد من عبء القروض الجديدة والقائمة على أساس سعر فائدة متغير، وهذا سيؤثر لا محالة على قروض الاستهلاك والاستثمار، مما يعنى بصفة مباشرة تراجع مرتقب فى حجم هذه القروض، ومن الطبيعى أن ينعكس هذا التراجع على سوق الشغل التى ستفقد ملايين المناصب لهذا السبب، كما أن انخفاض حجم القروض سيقلص من السيولة النقدية وتراجع الاستهلاك، كما أن رفع سعر الفائدة سيغرى المودعين بإيداع أموالهم للاستفادة من ارتفاع سعر الفائدة ، مما يعنى تجميد أموال كانت ستساهم فى إنعاش الحركة التجارية والاستثمارية وفى رفع وتيرة الإنفاق الاقتصادي.
الإشكال فيما يحدث، أن قرار سعر الفائدة غير مرتبط هذه المرة بعوامل داخلية ذات صلة بالكتلة النقدية داخل القطر الواحد يمكن التحكم فى تداعياته، بل إنه مرتبط بعوامل خارجية، وبأسباب مستوردة من الخارج، قد لا تكون تقتصر على تداعيات تطور الأحداث العالمية من تداعيات الأزمة الصحية العالمية والحرب الروسية الأوكرانية، بل قد تكون ناتجة أيضا عن انتهاز كبريات الشركات الاقتصادية فى العالم الظروف الصعبة والحرجة التى يجتازها العالم باحتكارها لبعض المنتوجات وتحكمها فى بعض القطاعات التجارية، بهدف الرفع من العائدات المالية، مما يكشف عن سلوك انتهازى خطير يستثمر فى المآسى الإنسانية من أجل مراكمة الأموال.

و هكذا فإن دولا كثيرة وشعوبا متعددة ستكون مجبرة على دفع فاتورة غالية لأزمة ليست مسؤولة عنها، بل إنها ناتجة عن تطاحن القوى العظمى، وعن استغلال أوساط اقتصادية نافذة فى العالم للظرفية الصعبة، و لذلك فإنه يمكن القول بأن قرار رفع سعر الفائدة قد يكون الدواء غير الملائم للوعكة الصحية التى أصابت الاقتصاد العالمي، لأنه فى هذه الحالة يصبح آلية نقدية لمعالجة قضية وإشكالية ليست نقدية خالصة، لأنها شديدة الارتباط بعوامل وأسباب سياسية ولها علاقة مباشرة بالحسابات الجيو استراتيجية للقوى العظمى فيما بينها، و لذلك فإن رفع سعر الفائدة قد يحد من التضخم وكبح جماحه، لكنه فى المقابل لن يخلو من أخطار حقيقية سيفرز لا محالة تداعيات أخرى، إذ سيتسبب فى انخفاض معدل النمو الاقتصادى بما يعنى ذلك من تقلص مناصب الشغل وتعميق الهشاشة الاجتماعية وتنامى ظاهرة الهجرة من الهوامش إلى المدن و تقليص فى حجم الخدمات وإلحاق الأذى بالقدرة الشرائية للأشخاص.
ومن المؤكد أن قرار رفع سعر الفائدة لن يكون القرار القاسى والمؤلم الوحيد فى سياق ظرفية عالمية مكتظة بالأخطار، بل المحقق أنه سيكون قرارا مؤذيا فى سياق قرارات أخرى ستزيد من تعميق وضعية الأزمة فى الاقتصاد العالمي، والتى سيدفع الصغار تكلفتها غاليا جدا، وهذا ما شهدت به المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية وهى تخاطب المشاركين فى المنتدى العام السنوى للمنظمة، الذى انعقد قبل أيام فى جنيف السويسرية، حيث أكدت أن قرار الرفع من معدلات الفائدة ستكون له « مفاعيل خطيرة على الدول النامية التى ستواجه ارتفاعا فى أعباء خدمة ديونها، و نبهت إلى أهمية تحديد أسباب التضخم لمعرفة ما إذا كان ناتجا عن الطلب القوى أوعن أسباب بنيوية من جهة العرض، وأكدت على أنه « إذا كان الأمر يتعلق بعوامل لها ارتباط بالعرض، فإنه لا يمكن السيطرة عليها، عندها فإن الاستمرار فى زيادة معدلات الفائدة سيأتى بمفعول عكسى . «
 

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة