سعيد خولي
سعيد خولي


يوميات الاخبار

الآثار المصرية بين الاكتشاف والقرصنة

سعيد الخولي

الأحد، 09 أكتوبر 2022 - 07:25 م

 

 سعيد خولي

ويعد فندق «الأقصر» ثانى أكبر فندق فى لاس فيجاس، وثامن أكبر فنادق العالم، ويزوره سنويًا حوالى 35 مليون سائح، ويحتوى على نسخ مقلدة لآثار الكرنك والأقصر، ومقبرة توت عنخ آمون، وغيرها.

هذا العام 2022 حمل للعالم مناسبتين تهمان العالم كله، وبالأخص منه مصر والمصريون؛ الأولى مرور قرنين من الزمان على اكتشاف أو فك رموز حجر رشيد بواسطة الفرنسى جان فرانسوا شامبليون عقب نهاية الحملة الفرنسية على مصر 1801، والثانية كانت مرور قرن من الزمان على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون التى بهرت العالم ومازالت محط دراسات للملك الصغير بواسطة الإنجليزى هوارد كارتر فى نوفمبر 1922. مناسبتان كبيرتان بطلهما الأول هو التاريخ المصرى القديم وآثاره اللذان هما فى الحقيقة بطلا العالم القديم حضارة وعطاءً واستمرارا بين العالمين. لكن هاتين المناسبتين تثيران عديدًا من الأسئلة حول بطليهما الفرنسى أولا ثم الإنجليزى ثانيًا.


السبت: صراع حول الحجر
ولنبدأ منذ الحدث الأقدم وهو حجر رشيد ليتجسد أمامنا كيف تم فك رموزه بعد اكتشافه، وكيف صار به الأمر وهو الأثر المصرى أصلا إلى صراع بين من لا يملكونه، دون إنكار جهودهم فى اكتشافه وبحث ما فيه.. وفى مقاله القيم حول الصراع على حجر رشيد منذ اكتشافه حتى اليوم كتب د. حسين عبد البصير عن قصة الصراع على الحجر الشهير بين فرنسا وبريطانيا، حيث يذكر أن قصة اكتشاف حجر رشيد وفك أسرار النصوص المكتوبة عليه هى باختصار قصة تلاقى بل تلاقح الشرق والغرب، خصوصًا بين فرنسا وبريطانيا على الرغم من الصراعات العديدة التى كانت بينهما آنذاك.


  بعد انتصار الإنجليز المدوى على الفرنسيين على حواف الأرض المصرية بالقرب من البحر المتوسط، أصر القائد الإنجليزى «نيلسون» كل الإصرار على الحصول على ذلك الحجر النفيس، الذى لم يكن يعلم أحد عظمته كاملة بعد، من براثن الفرنسيين بعد اتفاقية الجلاء عن مصر بين الفرنسيين والبريطانيين أو ما يعرف بـ «اتفاقية العريش» فى عام 1801. لكن العقلية الفرنسية لم تفقد أمل استعادة أوراق اللعبة للانتقام، رغم وقوعها تحت طائلة ضغط الخسارة، حيث عملت قواتها على نسخ الحجر قبل تسليمه، وقد دخل الحجر إلى المتحف البريطانى فى نهايات عام 1802 بعد أن أهداه ملك المملكة المتحدة جورج الثالث للمتحف البريطاني. لتبدأ رحلة فك رموزه التى امتدت عشرين عامًا كاملة.


وبعد توزيع تلك النسخ، اجتهد عدد ليس بالقليل من المهتمين بحجر رشيد فى فك طلاسم ذلك الحجر وتمكن شامبليون فى النهاية من التوصل إلى الأبجدية المصرية القديمة. وقدم شامبليون اكتشافه الجديد فى خطاب أرسله إلى البارون الفرنسى بون-جوزيف داسييه، سكرتير الأكاديمية الفرنسية للكتابات والآداب، كى يتلوه على مسامع أعضاء الأكاديمية فى 27 سبتمبر عام 1822 معلنًا يومئذ مولد علم المصريات كعلم أكاديمى بشكل رسمي.
وبذلك نجح الفرنسيون فى الانتصار على البريطانيين ليس فى أرض المعارك العسكرية، ولكن تلك المرة فى أرض المعارك العلمية والبحوث المعرفية.
ومن الجدير بالذكر أنه بين عامى 2010 و2011، تم عرض حجر رشيد من قبل المتحف البريطانى وهيئة الإذاعة البريطانية ضمن معرض «تاريخ العالم فى مائة قطعة».


يحتل حجر رشيد مكانة أسطورية فى تاريخ علم المصريات وفى تاريخ الكتابة البشرية جمعاء، ويعد محطة مهمة نحو توصل البشرية لأصولها العريقة ومعرفة جذورها العتيدة. وصار قِبلة لكل المهتمين بمصر والعالم والحضارة وفجر الضمير الإنسانى من كل حدب وصوب فى عالمنا المعاصر.
لكن من الغريب فى الأمر أن بعض الغربيين سواء من البريطانيين أو الفرنسيين ينظرون إلى حجر رشيد باعتباره ميراثًا وملكًا لهم، وليس ملكًا لأرض مصر، صاحبة الحجر، وتلك الحضارة العظيمة التى أبدعت ذلك الحجر وغيره الكثير من آثارنا الفريدة التى تزين الكثير من المتاحف والمجموعات الخاصة فى كل مكان فى العالم، خصوصًا فى الغرب. فهل كان اكتشاف شامبليون للأمر مسوغًا كافيًا لبقاء الحجر خارج دياره غريبًا أسيرًا للبريطانيين؟
الأحد: توت.. توت
ونأتى للقصة الثانية حول الملك المصرى الأشهر عالميًا بتابوته ومقبرته المثيرة التى اكتشفها الإنجليزى هوارد كارتر، والذى يستعد العالم للاحتفال بمرور قرن على اكتشافه المذهل للعالم، وهل كان كارتر مجرد مكتشف أثرى متجرد للعلم والتاريخ أم كان الأمر غير ذلك؟
 عدة حقائق جديدة ترصدها الباحثة ميرنا محمد المرشدة السياحية، حول حقيقة هوارد كارتر أشهر مكتشف فى التاريخ حيث لم يعثر مطلقًا على كنز من تلك الحقبة من تاريخ البشرية يضاهى كنز توت عنخ آمون. وفى دراسة حديثة لها تشير الباحثة إلى أن كنز توت عنخ آمون ضم 27 كفًا و427 سهمًا و12 كرسيًا صغيًرا و69 صندوقًا و34 عصا معقوفة، هذا المشهد الذى شهدته طيبة فى شهر نوفمبر من عام 1922 وجمع هوارد كارتر نحو 5 آلاف قطعة من غرف الدفن الأربع بما فيها قطع أثاث وجرار عطور وهشّاشات ذباب وريش نعام.


 هوارد كارتر ابن رسام اشتهر بصوره التى رسمها للحيوانات ووصل إلى مصر فى عام 1891 وبرهن عن مهارة كبيرة فى العثور على غرف الدفن المخبأة، وقبل تحقيقه أعظم اكتشافاته عثر على 3 مقابر ملكية أخرى كانت كلها فارغة وكانت له علاقات بأصحاب النفوذ إذ عمل إلى جانب الثرى الأمريكى وعالم الآثار الهاوى «ثيودور ديفيس».
وفى عام 1907 بدأ كارتر سعيه وراء قبر الملك الشاب وهو الاكتشاف الذى ساهم فى إعلاء شأن مكتشفه إذ نال كارتر دكتوراه شرفية، ودعاه الرئيس الأمريكى «كالفن كوليدج» إلى شرب الشاى معه حتى إن هورست بينليخ عالم متخصص فى التاريخ المصرى فى جامعة Würzburg وصفه بالرجل النزيه الذى لا يُساوم على مثله العليا.
الإثنين: الأقصر فى لاس فيجاس!
ونوع آخر من الانبهار بالحضارة المصرية القديمة باستنساخ بعض نماذجها وترويجها سياحيًا للاستفادة منها. رغم أن الأصول الأثرية عندنا فى مصر لا نستغلها كما يستغلون التقليد. فمنذ ست سنوات أقامت الصين نموذجًا طبق الأصل من «أبو الهول» أو بالحجم الطبيعى، ووضعه فى أجواء مشابهة لمنطقة الأهرامات بالجيزة وذلك بمدينة «شيجياتشوانج» بمقاطعة خبى الصينية، مما اعتبرته مصر اعتداء على حقوق الملكية التراثية والثقافية وسرقة واضحة للتراث الحضارى الخاص بالبلد، خاصةً بأنه سيكون سببًا رئيسيًا فى تأثر الاقتصاد المصرى بالسلب. واستمرت المعركة الهادئة لعامين انتصرت بعدهما مصر، وبدأت الصين فى إزالة التمثال وتفكيكه، وذلك بعد شكوى مصر لـ»اليونسكو»، من تضررها سياحيًا بسبب وجود التمثال فى الصين، ما جعل الشركة الصينية المسئولة عن المتنزه تعتذر وتتعهد بإزالة النسخة، لكن بعد الانتهاء من تصوير عدد من الأفلام والبرامج التليفزيونية التى كانت مقررة مسبقًا. وفى الولايات المتحدة الأمريكية قامت مدينة لاس فيجاس الأمريكية بتصميم فندق ضخم على شكل المعابد المصرية القديمة ويوجد فى مدخله تماثيل لأبو الهول وهرم الجيزة الأكبر، وتم تسمية الفندق باسم مدينة الأقصر. ويعد فندق «الأقصر» ثانى أكبر فندق فى لاس فيجاس، وثامن أكبر فنادق العالم، ويزوره سنويًا حوالى 35 مليون سائح، ويحتوى على نسخ مقلدة لآثار الكرنك والأقصر، ومقبرة توت عنخ آمون، بالإضافة إلى الأهرامات وأبو الهول.
كما قام القائمون على متحف العلوم والتاريخ الطبيعى بأمريكا، بعمل نسخة طبق الأصل للمومياء الحقيقية للملك المصرى «توت عنخ آمون»، وذلك بعد الحصول على أشعة مقطعية أقامتها مؤسسة ناشيونال جيوجرافيك على المومياء الحقيقية منذ سنوات، ومن ثم عمل نسخة ثلاثية الأبعاد للمومياء لتظهر وكأنها حقيقية تمامًا.
  حتى إسبانيا الدولة الأكبر سياحيًا عالميًا قامت منذ أربعة أعوام بعمل معرض لنسخة مقلدة من معبد الملك تحتمس الثالث الشهير «أبوسمبل»، فى جاليرى «خيريز دى لا فرونتيرا»، استغرق بناؤه خمس سنوات.. المعبد نسخة طبق الأصل من الأصلى ولكنه مصغر عنه، ويتكون من أربعة أقسام، القسم الأول عبارة عن واجهة ومدخل مع أربعة تماثيل كبيرة تمثل رمسيس الثانى جالسًا على العرش مرتديًا التاج المزدوج لمصر العليا والسفلى، والأقسام الأخرى مثل الأصلية تمامًا والمناظر عليها أكثر وضوحًا.
هكذا يتعامل العالم مع الحضارة المصرية القديمة وآثارها الفريدة ويستفيدون منها بمئات الملايين من السياح سنويًا، يدرون عشرات المليارات من الدولارات فى صناعة هى البديل المضمون لاقتصاد قوى لا يتأثر بأى هزات. عندنا أغنى حضارات العالم وأبقاها، لكننا مازلنا فى حاجة إلى جهود كثيفة لاستغلالها واجتذاب من يذهبون للتقليد والمسروق فى الغرب ويتركون الأصل الثابت فى أرض الكنانة.
الثلاثاء: ناقد لا ناقم
قال لى صديقى القديم الساكن فى نفسى: لماذا أنت ناقم؟ أخشى عليك من ذلك. قلت له: بل أنا ناقد و»دال» الناقد للفرز والتنبيه، ولست بناقم أستعمل «ميم « النقمة للسخط والتهييج. عينى على وطن يعانى. وقلبى مع بسيط يئن. وعقلى مع مسئول يحن. ونظرى إلى غد يكون أفضل. ونقمتى على غباء يتكرر وعداء يستعر. وفرحتى لكل شعاع يبزغ. وأملى مستمر لا يتوقف. وفرط حزنى على من يداوى الجرح بجراح، ويعالج الخطأ بأخطاء، ويرتكب من الجهل ما يرفضه من غيره، ويتخذ الباطل سبيلا لاستعادة حق يراه لصيقًا به وحده. ووخزنى صديقى القديم فى صدرى بلطف وقال لى: اربط الأحزمة واضبط ساعتك البيولوجية وعقلك ومشاعرك، ودعك من يوتوبيا المدينة الفاضلة نحن فى طريقنا للأرض.. وهبطنا وأفقت من حديث فى الهواء.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة