صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


بين الفقر والموت.. محاكمات قاسية فى مهرجان لندن

محاسن الهواري

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2022 - 06:08 م

كانت الأحلام المعلقة على هذا العام كبيرة وكان عشاق السينما فى العالم كله بمن فيهم جمهور مهرجان لندن ينتظرون انفراجة سينمائية، ويمنون أنفسهم باحتفالات وبهجة بعد الخروج من وباء كورونا والعودة لقاعات السينما مجددا.


ولكن يبدو أن العالم كان على موعد مع صعوبات وتحديات جديدة جعلت الأمور أشبه بحلقة مفرغة من المعاناة التى تبقى موجودة ولكن فقط تتعدد الصور. ولأن السينما مرآة لا تكذب حتى وإن تجملت فقد انعكس هذا الواقع القاسى على شاشة مهرجان لندن هذا العام ولاسيما فيما قدمته الأفلام القصيرة، تلك الأفلام التى تتمتع بمساحة من الحرية لا تتوافر للأفلام الطويلة فبإمكان صانع الفيلم القصير أن يعبر عن أفكاره وأحلامه وآرائه دون أن يفكر كثيرا فى عائد شباك التذاكر أو إرضاء أذواق الجماهير المختلفة لهذا فهى أفلام مباشرة وممتعة، وتحتاج لجرعة إبداعية كبيرة وتبوح بما تحب.


 من الأفلام التى عرضت فى أول أيام المهرجان والتى تمثل انعكاسا لما يدور فى أمريكا حاليا فيلم Triggered ويعتبر هذا الفيلم هو أول تجارب الإخراج للممثلة تارا ويستوود التى لمعت فى أفلام مثل Hell Girl و Depraved والفيلم محاكمة قاسية وعنيفة لسيناتور أمريكية من الفريق المؤيد لحق حمل السلاح.

ويبدأ الفيلم بتسلل رجل وامرأة مسلحين لمنزلها فى منتصف الليل وترسم  المرأة  للسيناتور وزوجها دائرة على الأرض وتعدها إن تخطتها ستطلق عليها الرصاص يحاول زوجها إغراء الرجل والمرأة بكل شيء وأى شيء ولكن يتضح أنهما جاءا لشيء أكبر من الماديات التى يمكن تعويضها، يبدآن فى مناقشتها ونعرف أن لكل منهما مأساة وأنهما من أهالى ضحايا حوادث إطلاق النار العشوائى فالرجل فقد زوجته وابنته على يد شخص مضطرب نفسيا اشترى مسدسا وقام بإطلاق النار على عدد كبير من الناس أما المرأة فهى لا تختلف عنه كثيرا فقد فقدت ابنها فى حادث مروع  مماثل وأصبحت مدمنة وتتذرع السيناتور بالحجج القانونية والطريقة التى كتب بها الدستور الأمريكى وكذلك بالضغوط السياسية وتحاول إخافتهما بالسجن ولكن ترد عليها المرأة «حينما تفقدين ابنك ستعرفين جيدا أين يوجد السجن».


 وبينما يهددهما الرجل بالسلاح تنطلق الأم المكلومة الفاقدة لصوابها إلى غرفة أبناء السيناتور ونسمع صوت طلقات نارية مع نهاية الفيلم وبالرغم من عدم تعاطف المشاهد مع السيناتور الشريرة والتى تجسد دورها تارا ويستوود نفسها إلا أن إحساسا بالمرارة والهلع ينتاب المشاهد وسط حالة من عدم التصديق بأن هناك من يمتلك الوقاحة الكافية ليقول إن امتلاك الناس للأسلحة مبعث للأمان!!.


 من أمريكا أيضا والتى لها تمثيل قوى فى كل مسابقات المهرجان المختلفة عرض فيلم «طفل يوم الأربعاء» إخراج لورا أوشيا وهو فيلم  يكشف إلى أى مدى أصبح الواقع كئيبا فى الدول الغنية قبل الفقيرة، فتدور الأحداث حول ماريا التى تبدأ عملها فى مجال الرعاية الاجتماعية وبالرغم من تفاؤلها فى يومها الأول إلا أن اليوم ينتهى بها نهاية محبطة ومريرة فعند ذهابها لبحث حالة طفل تجد الأسرة فى حالة فقر مدقع الأم وابنتها وحفيدها وتبدأ الجدة فى صب جام غضبها على موظفات الرعاية الاجتماعية مهددة بسكب الماء المغلى عليهن، فهى بلا دخل مادى يسمح لها بدفع الفواتير المختلفة كما أنها مريضة وتعيش فى وضع صعب وتعانى من مشكلات نفسية.


 واستمرارا لمسلسل الفقر ولاسيما فى الأسر التى تعولها نساء تقدم المخرجة الهولندية إيما براندرهورست Spotless وتدور أحداثه حول أم وابنتها، تعيش الأم فى ظروف مادية صعبة وغارقة فى الديون وتحت ضغط الظروف تضطر الفتاة الصغيرة للسرقة ويتم القبض عليها مع نهاية شديدة السوداوية حيث تبكى الأم وابنتها أثناء خروجهما من قسم الشرطة.


 ومن قسم الشرطة إلى عالم السجون حيث  الفيلم الأمريكى «الحجرة الزرقاء» وهو فيلم يتضاءل فيه العالم ويختصر فى مساحات شديدة الصغر حينما يحلم السجناء بسماع صوت القطار أو ضحكات طفل أو رؤية منظر طبيعى جميل للنباتات والأشجار على شاشة كبيرة داخل محبسهم.


 أما الفيلم الدنماركى Becoming Plant من إخراج  جريس نديريتو فهو يحكى عن تجربة مجموعة من الراقصين يعيشون فى بقايا مصنع داخل الغابات ليتلقوا علاجا نفسيا وفى الفيلم تتهم الطبيبة النفسية رجال الأعمال بأنهم يستغلون العاملين ويسببون لهم المشاعر السلبية والاكتئاب من أجل أن تحقق الشركات العملاقة مكاسب ضخمة.


 وعن الواقع المشوه والتلوث وما سببه من خلل فى التوازن البيئى قدم المخرج  البنجلاديشى ناهيش هامنس فيلمه  Moshari والفيلم يبدأ بأختين تعثران أثناء محاولة صيد السمك فى الأحراش على جثة حيوان ميت ومتحلل وتبدأ الطفلة الصغيرة فى قراءة الفاتحة على روحه وتمضى الأحداث وسط واقع شديد الفقر والتلوث تلك الأمور التى تتسبب فى معاناة عقلية لهما.


 وربما يكون أعجب فيلم شاهدته فى هذا المهرجان بل وربما فى حياتى كلها على الإطلاق هو فيلم « Staging death» للمخرج الألمانى يان سولدا والذى قام بتجميع كل مشاهد الموت والقتل التى قدمها الممثل الألمانى اودو كير وقام بعرضها فى هذا الفيلم ولا شيء أمامك سوى القتل والذبح والدهس والتبخر والتقطيع وفى النهاية يعلن صوت إحدى الآلات «مع تمنياتنا بحياة سعيدة فى العالم الآخر».


 والحقيقة أنه من الممكن أن القول إن الكثير من أفلام هذا العام تقول نفس العبارة ولكن بطرق مختلفة، وكأنها دعوة لأن تفقد الأمل فى هذه الحياة وتبحث عنه فى الآخرة!.


 وتختتم فعاليات المهرجان الأحد القادم بعرض فيلم الجريمة والغموض Glass Onion: A Knives out mystry من إخراج ريان جونسون وبطولة دانيال كريج ومادلين كلاين.

إقرأ ايضا | «ماتيلدا» يفتتح مهرجان لندن السينمائي الـ66

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة