محمود عوض
محمود عوض


كنوز| مـن يونيو إلى أكتوبر

عاطف النمر

الأربعاء، 12 أكتوبر 2022 - 06:20 م

التاريخ يقول لنا إن حرب أكتوبر كانت الحرب الرابعة بين العرب وإسرائيل، ولكن إعادة قراءة التاريخ تقول لنا إنها الحرب الأولى التى ندخل فيها الحرب بعقلية المحاربين، وسياسة المحاربين، وجدية المحاربين، وكل ما حدث بعد ذلك كان نتيجة فرعية لتلك الصفة الرئيسية التى حكمت تصرفاتنا كلها قبيل حرب أكتوبر، صفة الجدية، لأنها الحرب التى هددت شهر العسل بين أمريكا والاتحاد السوفيتى بالتحول إلى مواجهة مباشرة عندما أعلنت أمريكا حالة الطوارئ فى كل قواعدها العسكرية حول العالم، وهى الحرب التى جعلت أوروبا تنشق عن أمريكا، وجعلت وزير الخارجية الأمريكى يقول إن سلوك الحلفاء الأوروبيين «يثير الاشمئزاز».

وهى الحرب التى جعلت أمريكا مهددة بشتاء طويل مظلم، وأوروبا ترتعش من البرد، واليابان تصاب بالتهاب رئوى، وهى الحرب التى جعلت أفريقيا تدير ظهرها فجأة لإسرائيل، فى تتابع منتظم كدقات الساعة، وهى الحرب التى غيرت نظريات عسكرية مستقرة، وألغت أهمية أسلحة عسكرية ثابتة، وهزت عقائد عسكرية راسخة.

وهى الحرب التى أرغمت إسرائيل على أن تريق ماء وجهها، وتستغيث بأمريكا طالبة إسعافات عسكرية تصل مباشرة إلى ميدان القتال، وهى الحرب التى جعلت وزير خارجية إسرائيل ينعى فى الأمم المتحدة إصابة إسرائيل بـ «خسائر مرعبة» ووزير الدفاع الإسرائيلى يتحدث فى الكنيست عن «أخطاء فادحة فى التقدير»، ورئيسة الوزراء الإسرائيلية تتحدث عن وجود «خطأ مميت»، ورئيس إسرائيل يعلن فى الراديو: «إسرائيل كانت تعيش فيما بين سنتى 1967 و1973 فى نشوة لم تكن الظروف تبررها، بل كانت تعيش فى عالم خيالى لا صلة له بالواقع».

وهى الحرب التى كلفت إسرائيل ثلاثة آلاف مليون دولار، وقتلى بلغوا فى اليوم الثالث للقتال ضعف ضحايا أمريكا فى حرب فيتنام، وبلغت فى الحرب كلها ثلاثة أضعاف ضحايا أمريكا فى الحرب العالمية الأولى، وهى الحرب التى أرغمت العالم على إعادة طرح الأسئلة التى كان قد حدد لها إجابات ثابتة منذ وقت طويل مضى، إجابات بدت كالأقوال المأثورة من فرط التسليم بها وانعدام الجدل حولها. من الأقوال المأثورة مثلا: «أن العرب أناس غير محاربين، وأقوالهم يجب ألا تأخذ بجدية، وعقولهم تحشوها أمجاد الماضى، وأحلامهم يحققونها فى أبيات الشعر، وقياداتهم مصابة بجنون العظمة، وكفاءتهم تحددها تجربة الأيام الستة».

ومن الأقوال المأثورة أيضا أسطورة السوبرالإسرائيلى: «ضابط المخابرات الذى يستطيع أن يشم بأنفه أية خطة عربية بعد وضعها بدقائق، والطيار الذى لم يخسر معركة أبداً مع العربى، وجندى المشاة الذى يستطيع أن يستولى على مدينة كاملة، بمجرد أن يتلقى أمرا بذلك»!.

ومن تلك الأقوال المأثورة: «أن الجيش الإسرائيلى لا يقهر»، إنها أسطورة استقرت وتدعمت إلى الدرجة التى جعلت محطات التليفزيون الأوربية تذيع قبل حرب أكتوبر بأسابيع قليلة تصريحات الجنرال «شارون» القائد السابق للجبهة الجنوبية فى سيناء التى يقول فيها «إسرائيل قوة عسكرية عظمى، وكل الجيوش الأوربية أضعف كثيرا لو قورنت بجيشنا، إننا نستطيع أن نستولى على المنطقة من الخرطوم إلى بغداد فى أسبوع واحد»، وبعدها بأسابيع قليلة، بعد حرب أكتوبر، كان رئيس أركان حرب الجيش الإسرائيلى يعلن: «إن المفاجأة الكبرى فى هذه الحرب كانت فى الجندى المصرى»، وفيما بين هاتين الأسطورتين، الأسطورة التى نشأت كذبا، والحقيقة التى أصبحت أسطورة، يكمن المفتاح الرئيسى لفهم حرب أكتوبر كلها.

من كتاب «سـرى جـداً» 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة