الرئيس عبد الناصر يكرم توفيق الحكيم بقلادة الجمهورية
الرئيس عبد الناصر يكرم توفيق الحكيم بقلادة الجمهورية


«الأخبار» تضىء 124 شمعة فى ذكرى ميلاد «عصفور الشرق»

عاطف النمر

الأربعاء، 12 أكتوبر 2022 - 06:33 م

فى التاسع من أكتوبر عام 1898 شاءت الإرادة الإلهية أن يولد لمصر مفكر عظيم سوف يكون له شأن أعظم فى تاريخها الأدبى والثقافى والفلسفى، فى هذا اليوم ولد توفيق الحكيم بضاحية الرمل بالإسكندرية، ولن نخوض كثيرا فى مشوار حياته ومكانته التى طالت عنان السماء وجعلت نجيب محفوظ يقول عنه: «توفيق الحكيم كان أحق منى فى الحصول على جائزة نوبل فى الأدب».

وعندما نضيء له الشمعة 124 فى ذكرى ميلاده نستحضر أصعب أزمة تعرض لها فى حياته عندما تعرض لحملة فى جريدة «الجمهورية» التى كان يرأس تحريرها كامل الشناوى عام 1958، اتهمته باقتباس فكرة كتابه «حمار الحكيم» الذى كتبه عام 1940 من الكاتب الإسبانى «خوان رامون خيمينيث» وعنوانه «أنا وحمارى»، وتقديرا للمكانة الرفيعة للمفكر الكبير توفيق الحكيم أمر الرئيس جمال عبد الناصر بوقف حملة الانتقادات الموجهة ضده، وكرمه بقلادة الجمهورية عندما استقبله عام 1958 وهى أرفع وسام  فى الجمهورية.

ولكى نفهم سبب الحملة التى سببت صدمة لتوفيق الحكيم، نعود لرسالة العتاب التى بعث بها إلى صديقه أحمد حسن الزيات رئيس تحرير«الرسالة» بشأن الرد العنيف الذى كتبه د.زكى مبارك على مقال «الحكيم» فى العدد «459» الذى كان بعنوان «الصفاء بين الأدباء»، ويقول «الحكيم» عاتبا على صديقه «الزيات» فى رسالته: 

- «صديقى الزيات، حتى أنت قد خاب أملى فيك! وأنا الذى دعا إلى الصفاء بين الأدباء كما رأيت وبذلت فى ذلك ما بذلت، فإذا كان كل هذا يسفر عن كلمة سمحت أنت بنشرها فى العدد الأخير من «الرسالة» وكلها إيذاء لشخصى دون مبرر، كلمة لم تدعُ إليها مساجلة أدبية، ولم يبتغِ بها الأدب والفكر، ولكن دعت إليها شهوة الهجوم والتجريح لمجرد الزهو والخيلاء بالهجوم علىّ وتجريحى، ولقد صدمنى ما رأيت من أن الأدباء فى مصر - مع الأسف - لا يحسبون حساباً لغير الكاتب الذى يبرز مخالبه، ويُكشر عن أنيابه، ويتهيأ دائماً للوثوب، وأنا الذى أراد من الأدب أن يكون حديقة غناء سياجها الصفاء إذا بى أراه حرشاً من الأحراش المأهولة بالضوارى، ما هى فى واقع الأمر رسالة الأدب إلى البشر، أهى شىء اّخر غير ترويض كواسر الناس وأفهامهم أنهم أرقى من الحيوان، إن الأدب الرفيع هو الذى يثير المشاعر الرفيعة بما فيها من صدق وحب وخير وجمال، وإن الأدب الوضيع هو الذى يهيج فينا الغرائز الحيوانية بشهواتها للفتك والبطش والعدوان.

كنت أظن يا صديقى الزيات - أن تلك هى رسالتك، وأن عملك فى مجلتك هو توجيه الأدب إلى هذه الغاية الفضلى، خاب أملى فيك، إنما الذى خيب أملى هو أنى رأيتك قد حدت قليلاً عن رسالتك فى «الرسالة» وفى هذا خطر على شرف الغاية التى عاهدت نفسك والناس عليها، قد أغتفر لك إهدار حق الصداقة والزمالة، أما هذه فلا.. هنا نفترق وليكن اليوم اّخر عهدى بك وبـ «الرسالة» والأدباء، ولن أكتب شيئاً لك ولن أذكر بعد اليوم أديباً بخير ولا بشر، سأصمت عن أشخاصهم صمت القبر لأنصرف إلى الإنتاج وحده من حيث هو إنتاج. 

ويبين توفيق الحكيم فى السطور التالية كيف بدأت الحملة عليه قائلا: «قد يدهش القارئ حينما يرى الأستاذ العقاد يدافع عن توفيق الحكيم فى السنوات الأخيرة فينصفه فى الحملة التى شنها عليه الأدباء الشبان على صفحات جريدة «الجمهورية» عام 1958، فقد كتب الأستاذ رشدى صالح عن قضية الاقتباس، ولمح متهماً توفيق الحكيم بأنه سرق كتابه «حمار الحكيم» من كتاب «بلاتيرو وأنا» لجوان رامون خمينيز الإسبانى، وقد اشترك فى الحملة الصحفية كل من الأستاذ جلال الدين الحمامصى والأستاذ كامل الشناوى، فهب الأستاذ يوسف السباعى مدافعاً عن راهب الفكر فكتب فى 10 نوفمبر سنة 1958 مقالاً بعنوان «همسة» جاء فى ختامه: 

«ليس توفيق الحكيم أبداً هو الذى يُنعت بأنه حرامى وأنى على استعداد لأن أفعل أى شىء يمكن أن يرد اعتبار هذا الرجل»، وكانت همسة الأستاذ يوسف السباعى على صفحات «الجمهورية» أشبه بالبترول الذى يسكب على النار فيزيد لهيبها اشتعالاً، فكتب الأستاذ محمد التابعى كلمة رجاء بجريدة «الأخبار» إلى الأستاذ العقاد تحدث فيها عن حملة النقد التى أثارها كُتاب «الجمهورية» حول كتاب «حمار الحكيم» وهل يجوز أو لا يجوز لأديب أن ينقل أو يقتبس من أعمال وكتابات غيره دون ذكر اسمه أو إشارة إلى مصدر النقل والاقتباس، وأشار إلى مواقف متعددة فى القصتين قصة «بلاتيرو وأنا» لخمينيز، وقصة «حمار الحكيم»، فما كان من الأستاذ العقاد إلا أن أجاب رجاء الأستاذ التابعى فكتب مقالاً بعنوان «السرقة والاقتباس واحد»، قال فيه:

«قبل البحث فى التشابه بين قصة توفيق الحكيم وقصة المؤلف الإسبانى، نقول على الإجمال إننا لا نرى فرقاً بين سرقة الكلام بنصه وبين الاقتباس منه برفق أو بشدة دون الإشارة إلى مصدره، وكل كلام عليه طابع صاحبه، وفيه مجهود من ابتكاره وإبداعه، فليس من الجائز أن ينقل على صورة من الصور بغير إشارة إليه وإنما يعد سرقة كل كلام لا يدخل فى باب توارد الخواطر، أو المعارضة المقصودة، أو الأفكار التى تمليها ضرورات الموقف على كل كاتب يتناول الموضوع من بعض نواحيه».

ويستكمل «الحكيم» قائلا: «بعد هذه التوطئة عن الاقتباس يقول الأستاذ العقاد «نعود إلى المقابلة بين الكتابين، فإن فهم الموضوع ضرورى للنظر فى التشابه بالسرقة المقصودة أو الاقتباس الرفيق أو الشديد»، وبعد أن استعرض الكتابين وقارن مواقف المؤلفين قال «ليس يخلو الحديث من إشارات عارضة تجرى على كل لسان فى أمثال هذه المواقف، ولا يمكن أن يقال إنها عبارات ذات طابع خاص أو نظام مُبتكر لا يتكرر فى صفحات الكتب كيفما تواردت الخواطر أو تنوعت المَلكات، وعلى ذلك فالكتابان مختلفان، أقول هذا وأنا أتحدث عن خلاصات الكتاب الإسبانى، وتعليق الرواة على مناظره وأحاديثه، لأننى لم أقرأه مفصلاً باللغة الإنجليزية، ولم تزد معرفتى بتفاصيله عن إلمامه بالنسخة الفرنسية، ومراجعة عامة للنسخة الإسبانية التى أفهم عنواناتها وكلماتها لما فيها من المشابهة باللغة الإنجليزية، ولا يسعنى أن أتقصاها كما أتقصى الكتابة الإنجليزية، ولكن التعليقات الكثيرة التى قرأتها عن الكتاب والمقتبسات المتفرقة التى تخللت تلك التعليقات تحصر فكرة الكتاب وتدل على مجاله، ووجهة مؤلفه فى أدبه وفنه، وتشير إلى خواطره المهمة خلال الكتاب فلا يصعب الرجوع إليها وعلى قدر هذا الذى أعرفه أستطيع أن أقول إن المؤلف الإسبانى من «صنف فنى» غير الصنف الذى ينظر إليه الأستاذ توفيق الحكيم ليقتدى به أو يقتبس منه».

ويستطرد توفيق الحكيم قائلا: «المدقق فى كلام  الأستاذ العقاد يجد تبرئة صريحة ولا يجد تجريحاً صريحاً، بل فيه نفى للاقتباس من الكتاب الإسبانى وإثبات للاقتباس من مصدر اّخر مجهول ملفوف بلفائف النكتة فى البخل والشح على حد قول القصاص الأستاذ حبيب الزحلاوى إن لم تخنا الذاكرة»، ولم ينس توفيق الحكيم مجاملة العقاد له فحرص طوال حياة العقاد ألا يُعكِر الصفو بينه وبين العقاد، ورغم محاولة أصحاب المقالب بين الأدباء الكبار الذين أوتوا من مهارة فائقة فى هذا المضمار فإنهم لم يستطيعوا أن يستخرجوا كلمة من فم «الحكيم» فى حق صاحبه «العقاد»، فقد حاول أنيس منصور أن يوقع «الحكيم» فى معركة مع «العقاد» لكنه فشل فى ذلك. 

«كنوز»

إقرأ أيضاً|نجل الرئيس جمال عبدالناصر: ثورة 23 يوليو قامت بسواعد الشباب| فيديو

 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة