صوره أرشيفيه
صوره أرشيفيه


رجب سعد السيد يكتب : سؤال كل أكتوبر: لماذا لم نبدع أدبا بحجم وقيمة الانتصار؟

أخبار الأدب

الأحد، 16 أكتوبر 2022 - 02:39 م

كان أحد مشروعات كاتب هذه السطور الإبداعية، فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى - كتابة رواية بطلها اللواء مهندس باقى زكى يوسف، مبدع فكرة تجريف الساتر الترابى فى خط بارليف باستخدام مضخات المياه

لا تكاد تمر ذكرى لأكتوبر، دون أن يتردد سؤال: لماذا لم ينتج أدباؤنا أعمالاً كبيرة عن أكتوبر؟ حتى أنني، فى كل ذكرى، أروح أفتش فى الدوريات عن هذا السؤال، مهما اختلفت صيغته، فلا يخيب سعيي، فلا يزال لدى البعض منَّا أمل، بعد مرور قرابة نصف قرن على رابع معاركنا مع العدو الصهيونى، فى أن تشهد العربية عملاً إبداعياً ضخماً – ويوصف أحياناً، خطأ، بالملحمى – يسجل لمعركة قهر فيها جيشنا إرادة العدو؛ وهى حقبة طويلة، تكفى للمراحل المختلفة الضرورية لإنتاج أعمال إبداعية عظيمة، من استيعاب، وتأمل، وتخطيط، إنتهاءً بالفعل الإبداعى.
فإلى متى يطول انتظارنا لهذا العمل الإبداعى المأمول؟

وأنا أُغلِّـبُ الظنَّ بأننا ننتـظرُ شيئا لن يأتي؛ ولديَّ سببان لسوء الظن، متداخلان، يصعب ترتيبهما؛ الأول، أن ثمة إدراكاً كامناً فى وعى الإنسان العربى، عامة، بدوام الصراع العربى الإسرائيلي. فكل ما وصل إلينا من أعمال عظيمة عن حروب، فى آداب أجنبية، كان عن صراعات منتهية. أما الصراع فى منطقتنا فهو متواصل، وله أبعاده المتعددة.

ويتطلب العمل الإبداعى الأدبى، والروائى على وجه الخصوص، مساحة تأمل متسعة، تنتهى – فى حالتنا هذه – إلى صعوبة الاقتناع بأن الصراع قد انتهى بحلقة فى سلسلة معارك من حرب لا يعلم مداها إلا الله، فيكون العجز عن إنتاج عمل ضخم، اكتفاء بأعمال محدودة الحجم والقيمة الفنية، كتبت – غالبا – على عجل، وتجنح للتسجيلية، لا تشبع الطموح الوطنى.


وأما السبب الثانى، فيتصلُ بما تلا أكتوبر 73 من تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية حادة، لا تزال ترجيعاتها تتردد فى المجتمع حتى الآن، بدت معها المعركة الأكتوبرية كحركة شطرنج محدودة القيمة؛ وأُهـدِرَ الحدثُ نفسُه كفعل وطنى مجيد – على مذبح السياسة، أيَّـاً كان الرأى حول الضرورات السياسية، واتجاهات القيادة السياسية ورؤاها فى ذلك الوقت. وهنا، علينا أن نرصد أحداثا ومتغيرات مهمة، منها :
تم تجميد الجيش الزاحف منتصراً، عند مرحلة محددة فى ذلك الوقت، اكتفاء بمساحة مسـتردَّة من أرض الوطن، فكان قبول وقف إطلاق النار مفاجأة للمقاتلين، وهم نخبة الوطن فى ذلك الوقت، وكان بينهم، لا بد، كتّاب وأدباء.
أن أحداث الثغرة نالت من (زهوة) الانتصار.


إفساح الساحة للعمل السياسى وحده، وتنحية الأعمال العسكرية تماماً، وتوالى اختفاء قادة المعركة، وبقيت معظم البطولات معتماً عليها، حتى أننا لم نبدأ نسمع عن كثير من الأعمال البطولية إلا فى أكتوبر 1995، أى بعد 22 عاما من المعركة، ومازالت هناك أعمال وبطولات أخرى خافية، وبدا كأن إخفاءها كان أمرا مقصودا.


 كان أحد مشروعات كاتب هذه السطور الإبداعية، فى منتصف ثمانينيات القرن الماضى - كتابة رواية بطلها اللواء مهندس باقى زكى يوسف، مبدع فكرة تجريف الساتر الترابى فى خط بارليف باستخدام مضخات المياه، وهى فكرة استلهمها من عمله فى بناء السد العالى، وكانت الرواية تربط – من خلال حياة البطل – بين الحراك الوطنى فى معركة بناء السد.

وفى معركة أكتوبر؛ وأرسلت إلى الإدارات المعنية أعرض مشروعى وأطلب إمدادى بالوثائق، فلم يرد عليَّ أحد، حتى هذه اللحظة. ولم أكتب الرواية، مكتفيا بكتيب للأطفال، أصدرته منذ عام سلسلة (كتاب قطر الندى) – هيئة قصور الثقافة، عن هذا البطل العظيم، الذى يستحق تمثالا فى أعظم ميادين مدننا، لأن فكرته العبقرية غيرت وجه المعركة، بل وجه الحياة فى مصر.


كامب ديفيد، التى اعتبرها البعض بأنها كانت بمثابة مياه باردة ألقيت على الشعور الوطنى الذى كان لا يزال معايشاً للأداء العسكرى الباهر.الانطلاق المحموم إلى أبواب الانفتاح، واتجاه الناس إلى قيم أخرى، مغايرة، أطفأت جانبا كبيرا من بريق الحدث التاريخى الضخم.


وإن كان لنا ألاَّ نلوم، إذن، شباب الأدباء، فكيف يطال العجز عن الأداء الأدبى، المناسب حجما وقيمة لانتصار جيشنا فى أكتوبر 73، أدباءنا الكبار، محترفى الكتابة، فيكتفون بمقالات حماسية غريبة؛ بل إن أديبا عملاقا كتوفيق الحكيم لم يكتب سوى مقالة واحدة، عنوانها (عبرنا الهزيمة).

ويقصد الهزيمة النفسية؛ فهو لم يكن متأكداً، حتى، من قدرة الجيش المصرى على الاستمرار، ولعله كان يعايش ظروف 67. يقول فى مقالته: «عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء.. ومهما تكن نتيجة المعارك، فإن الأهم الوثبة!». فانظر إلى قوله: مهما تكن نتيجة المعارك. رجل متشكك فى حقيقة الأداء العسكري. ثم إنه يعلن، صراحة، عجز الأديب عن مواكبة ما جرى، فيصف الأدب بأنه (كلام على ورق)، وفى فورة حماسه، يطلب من الدولة أن توفر له فرصة عمل يدوى فى مصنع إمدادات أو معلبات .


إن ذلك يؤكد على أن الأديب الكبير لم يكن مهيأ لإبداع عمل كبير، لأسباب متعددة، جاءت بعد انطفاء الحماس. وربما لم يبدع توفيق الحكيم كثيرا بعد 73، ولكن كاتبا آخر، بحجم نجيب محفوظ، أنتج العديد من الأعمال الروائية والقصصية بعد 73، لم يتعرض، وهو الاحترافى، لوقائع أكتوبر تعرضا مباشرا، فى أى من أعماله.

وإنما اقتصر إسهامه على مجموعة مقالات قصيرة نشرها بالأهرام، عنوانها العام (دروس أكتوبر)، ومنها «عودة الروح»، التى يقول فيها: «إن الحرب ردت إلينا الروح وفتحت أبواب المستقبل، مهما تكن العواقب»! فهو، أيضا، متشكك فى ما يعقب هذا الانتصار.


على أى حال، سيكون كاتب هذه السطور أسعد الناس إن خاب ظنه، وفوجئنا بعمل أدبى عملاق يسجل لمعركة أكتوبر، يَظهَرُ – على نحو فريد – بعد مرور ما يقرب من نصف قرن على واحد من أعظم أحداث تاريخ العرب المعاصر.
 

اقرأ ايضا| «إنشاء السد العالي وتأميم قناة السويس».. أبرز إنجازات ثورة 23 يوليو| فيديو

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة