صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


كيف يؤثر التغير المناخي على حقوق الإنسان؟

مروة العدوي

الأربعاء، 19 أكتوبر 2022 - 11:00 م

أكدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، أن حقوق الإنسان الأكثر تضررا من التغير المناخي وطرق تأثيره السلبي عليها، ويمكن تقسيم التأثيرات إلى مجموعة من الآثار المباشرة وغير المباشرة والتي تتمثل في الآثار المباشرة للتغير المناخي على حقوق الإنسان، وهي الآثار التي تمنع الأفراد من التمتع بحقوقهم نتيجة التأثير المباشر للآثار الكارثية لتغير المناخ على حقوق الإنسان المنصوص عليها دوليا، والتي من أبرزها:

الحق في الحياة

يعد الحق في الحياة هو أساس كل حقوق الإنسان فهو حق الحقوق فلا وجود لبقية الحقوق من دونه، فهو ليس مجرد بقاء الفرد على قيد الحياة ولكن له مفهوما أوسع وأشمل من ذلك فهو يتمثل في تمتع الفرد بحياة تتسم بالرفاه والكرامة في مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد أكد على ذلك العديد من النصوص والمؤتمرات الدولية وعلى رأسها (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة عام 1972، مؤتمر ريو أو قمة الأرض، واتفاق باريس، وغيرهم العديد من المؤتمرات الأخرى) وأكدوا أيضا على أن البيئة السليمة هي التي تسمح للفرد بالتمتع بحياة كريمة وبالرفاه.


ومن هنا  يتبين لنا مدى تأثر حق الفرد في الحياة بالتغير المناخي، فوفقا لتقرير الأمم المتحدة الصادر عام 2007/2008  فخلال الفترة من 2000 إلى 2004 تأثر نحو 262 مليون شخص بكوارث المناخ سنويا ونسبة 97% منهم يعيشون في البلدان النامية، فنحو 250000 شخص فقدوا حياتهم بسبب الأعاصير المدارية خلال الفترة من 1980 إلى 2000، كما يموت نحو 7 ملايين شخص كل عام بسبب تلوث الهواء وذلك حسب إحصائيات برنامج الأمم المتحدة، بالإضافة إلى المشاكل الصحية وخاصة التنفسية بسبب تلوث الهواء والضباب الدخاني. 

فكما هو واضح وجود علاقة قوية بين تغير المناخ والحق في الحياة، حيث إن التغير المناخي يهدد سلامة مليارات الأشخاص على هذا الكوكب. فغالبا ما تؤدي الأحداث المناخية الشديدة والمفاجئة والتي تفاقمت بسبب تغير المناخ والطقس المتطرف إلى فقدان الأشخاص حياتهم. ومن أمثلة ذلك العواصف والأمطار الشديدة الناجمة عنها ودرجات الحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات، كل تلك الظواهر تؤدي إلى ارتفاع عدد الوفيات والقتلى، فقد أسفرت موجة الحرارة المرتفعة والجفاف في أوروبا عام 2003 عن مصرع 35000 شخص، كما أودى إعصار يولاندا في الفلبين بحياة  10000 شخص عام 2013. وفي عامي 2019 و 2020 شب أكثر من 100 حريق في عدد من المناطق في أستراليا أدت إلى مصرع أكثر من 400 شخص سواء بسبب الحرق أو استنشاق الدخان.

الحق في الغذاء الكافي

الحق في الغذاء الكافي يعنى توافر هذا الغذاء ويتضمن إطعام الفرد ذاته من الموارد الطبيعية في البيئة المحيطة به، ويتضمن التزاما من قبل الدولة والجهات المسؤولة فيها باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتخفيف من حدة حالة انعدام الغذاء والجوع وخاصة في أوقات الكوارث الطبيعية، والتغيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر على حق الإنسان في الحصول على غذاء كاف وخاصة في البلدان النامية والفقيرة بسبب اعتماد الأفراد بها في غذائهم على الزراعة والموارد التي تتأثر بالمناخ بشكل كبير. كما أكدت الدراسات على أن أربعة من كل خمسة فقراء يعيشون في بلدان معرضة للكوارث الطبيعية وذات مستويات مرتفعة من التدهور البيئي.

فالتغيرات المناخية وخاصة ارتفاع درجات الحرارة الشديدة وموجات الجفاف تؤثر على المحاصيل الزراعية بشكل كبير مما يؤدي إلى انخفاض إجمالي المحاصيل وخاصة الحبوب الغذائية كما هو الحال في العام الجاري، فتعاني العديد من دول العالم حاليا من أزمة غذائية كبيرة بسبب موجات الجفاف المنتشرة في شرق آسيا وأمريكا الجنوبية وعدد من دول آسيا وعدد كبير من دول أفريقيا مما أثر على المحاصيل وارتفعت أسعار الحبوب الغذائية عالميا وعلى رأسهم القمح والأرز واللذان يعدان أساس الغذاء لمعظم دول العالم وخاصة الدول النامية والفقيرة. بالإضافة إلى أن الفيضانات وهطول الأمطار بكثرة أو حتى تذبذبها أثر أيضا بشكل مباشر على المحاصيل الغذائية مما خلق أزمة في عدة دول.

كما أن ظاهرتي التعري والتصحر زادت من أزمة انخفاض مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وجعلها عقيمة. ولم يكن التأثير في الثروة الزراعية فقط ولكن الثروة الحيوانية قد تأثرت بشكل كبير بسبب التغيرات المناخية مما أدى إلى انخفاض كبير بها بسبب موت الحيوانات سواء بشكل مباشر نتيجة الطقس السيئ وارتفاع درجات الحرارة والجفاف أو بسبب السيول والفيضانات، أو بشكل غير مباشر بسبب نقص الغذاء المقدم للحيوانات ونقص مساحة المراعي والغابات نتيجة التغيرات المناخية مما أدى إلى حدوث تدهور واضح في الثروة الحيوانية. كما لا يمكننا أن نغفل عن الثروة السمكية والتي تأثرت بارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات والتي أدت إلى هجرة أنواع عديدة من الأسماك. كل ذلك يؤكد على أن العالم يعاني من انهيار وشيك للأمن الغذائي وخاصة في البلدان النامية مما يؤدي إلى زيادة موت الأفراد بسبب المجاعات مما يضر بحق أساسي من حقوق الإنسان وهو الحق في الغذاء الكافي. 

وتفيد التقارير بعجز الدول عن تحقيق هدف القضاء على الجوع، ففي منطقة آسيا والمحيط الهادي يوجد تعثرات في مسيراتهم نحو القضاء على الجوع ولم يحرزوا سوى تقدم ضئيل للغاية لتحقيق هذا الهدف كما أن أفريقيا جنوب الصحراء يعيش بها أكثر من ثلث سكانها في فقر مدقع مما يؤثر بالتأكيد على حصولهم على الغذاء بالقدر الكافي. ووفقا لليونسيف فإن ملايين الزيمبابويين قد عانوا من جفاف مطول الأمر الذي أدى لانعدام الأمن الغذائي بشكل كبير وأثر ذلك على نحو 4.3 ملايين شخص وفقا لمنظمة الفاو. ومن المحتمل أن تفاقم الأزمات الغذائية وحالة انعدام الأمن الغذائي المنتشرة حول العالم سوف تؤدي إلى خلق حالة من عدم الاستقرار وخلق بيئة تنتشر بها النزاعات المسلحة للحصول على الغذاء لضمان الحياة. 

الحق في الصحة

الحق في الصحة لا يعني فقط حق الفرد في أن يكون سليما، ولكن بمفهومه الواسع يشمل أيضا حقه في التمتع بخدمات وظروف تفضي إلى حياة كريمة تتميز بالمساواة والعدالة في مجال الصحة، وقد تم تعريفه من قبل منظمة الصحة العالمية على أنه "حالة من الرفاه الجسدي والنفسي والاجتماعي الكامل، ولا يتحقق بمجرد غياب مرض أو عاهة".

والتغيرات المناخية التي اجتاحت العالم مؤخرا ستؤدي إلى عرقلة تمتع الفرد بهذا الحق، حيث إن التغيرات المناخية تبرز عددا من المشكلات الخاصة بالصحة وعلى رأسها زيادة سوء التغذية نتيجة المياه والغذاء الملوثين والإصابة بالأمراض التنفسية والمعدية وتفاقم الأمراض والإصابات التي تحدث جراء الأحداث الجوية القاسية، وبشكل خاص في الدول الفقيرة مثل دول أفريقيا جنوب الصحراء ودول جنوب آسيا.

ولتوضيح مدى تأثر الحق في الصحة بالتغير في المناخ فقد تبين أن حالات تفشي الكوليرا تتفاقم في الظروف المناخية المتغيرة، كما أن الحشرات وناقلات الأمراض تنتشر في ظروف زيادة الرطوبة وتتأثر بالحرارة وهطول الأمطار وأيضا تغير المناخ يساعد على انتشار حمى الضنك والملاريا. وعلى سبيل المثال الفلبين قد عانت من تغير المناخ المدمر بعدة طرق ملموسة فمثلا نتج عن الفيضانات التي حدثت بسبب العاصفة الاستوائية كيتسانا وإعصار بارما في عام 2009 ارتفاع عدد حالات داء البريميات بشكل حاد كما زاد عدد المصابين بحمى الضنك.


الحق في الحصول على المياه والصرف الصحي الجيد

الحق في المياه هو حق كل فرد في الحصول على مصدر للمياه بشرط أن تكون كافية ومأمونة ويمكن الحصول عليها بسعر مناسب لاستخدمها في الأغراض الشخصية والمنزلية ولكن مع شرط آخر وهو الحفاظ على النظم الإيكولوجية التي تساعد على إعادة إنتاج المياه كما أنه من حق الجميع الحصول على صرف صحي جيد يضمن البقاء على قيد الحياة بشكل صحي. 

وتعرض العديد من الأفراد من تهديد من الحصول على حقهم في المياه بسبب التغيرات المناخية وعلى رأسها ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الأرض وموجات الجفاف مما أدى إلى فقدان الكتلة الجليدية وتقلص الغطاء الثلجي وذوبانه الأمر الذى أدى للتعرض إلى ارتفاع مستويات سطح المياه في البحار والمحيطات مما نتج عنه التعرض للفيضانات فالتغير المناخي يؤثر بشكل مباشر على كمية ونوعية الموارد المائية وتأثر أكثر من سدس سكان العالم نتيجة لذلك وهناك أكثر من مليار شخص لا يحصلون على المياه النظيفة بسبب تعرض المواد المائية إلي الملوثات، بالإضافة إلى أن الظواهر المتطرفة للطقس مثل الفيضانات والأعاصير تؤثر على البنى التحتية للصرف الصحي والمياه مما يؤدي لتلوث المياه وانتشار الأمراض المنتقلة بسبب المياه الملوثة.

إن تهديد الإنسان في حقه في الحصول على مياه يؤدي إلى خلق اضطرابات في حياته فيقوم بهجر موطنه والقيام برحلات للبحث عن مصادر المياه، حيث تعد عنصرا حيويا للحفاظ على حياة الإنسان.

الحق في المسكن اللائق

اقرأ أيضا: رئيس جهاز شؤون البيئة: تنظيم قمة المناخ نجاح كبير

من حق كل شخص الحصول على مستوى معيشة جيد له ولأسرته بما يتضمن ذلك الحصول على السكن اللائق. ولكن التغير المناخي يهدد ذلك الحق بشكل مباشر بعدة طرق أبرزها أن حدوث ظواهر متطرفة للطقس كالفيضانات والحرائق الناتجة عن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة تؤدي إلى تدمير مساكن الأفراد وخاصة في المدن الساحلية والتي تتعرض للفيضانات أو المناطق القريبة من الغابات، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تشردهم. كما أن ارتفاع مستويات مياه البحار والمحيطات وذوبان الجليد تهدد المناطق المنخفضة في جميع أنحاء العالم بالغرق والدمار. 
 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة