عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

خطر الانهيار الاقتصادى واللعب بمصائر الشعوب

الأخبار

السبت، 22 أكتوبر 2022 - 07:32 م

 

وجدت كثير من حكومات الدول الغربية فى هذه الظروف الصعبة والدقيقة التى يجتازها العالم بأسره بسبب تداعيات انتشار وباء كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، التى اندلعت فى أطراف القارة العجوز، نفسها مضطرة للامتثال لوصفات علاجية مستعجلة، فى محاولة للحد من تأثيرات وتداعيات التطورات المتلاحقة، التى تدفع باقتصادياتها نحو منطقة الغموض والالتباس، بما يكتنف ذلك من أخطار كبيرة مؤثرة.

الإشكال الرئيسى يتمثل فى أن الحكومات الغربية التى وجدت نفسها مضطرة إلى اعتمادها، هى نفسها مقتنعة ومدركة أنها لا تمثل العلاج الحقيقى لأصل الداء، وأنها مجرد مسكنات ومهدئات للأوجاع بصفة مؤقتة، وأنه فى غياب العلاج الحقيقى من خلال حلول جذرية لأسباب ما حدث، بل إنها تدرك قبل غيرها، أن هذه الوصفات المؤقتة قد تخفض من حدة الأوجاع لكنها ستتسبب فى أعراض أخرى لا تقل خطورتها عما تحاول علاجه.

فقد سارعت الغالبية الساحقة من حكومات الدول الغربية إلى الإقدام على مبادرات خجولة للحد من تداعيات الحرب فى أوكرانيا، خصوصا بهدف الحد من ارتفاع معدلات التضخم، حيث تخوض معركة عنيفة فى مسعى كبح جماح مؤشر التضخم الذى بدا منفلتا عن سياق التحكم فى المؤشرات المالية الاقتصادية، والأخطر فى هذا الصدد أنه تضخم مستورد من الخارج، بمعنى أنه ليس نتيجة عوامل داخلية يمكن التحكم فيها باتخاذ تدابير وإجراءات وطنية، بل إن معالجة أسبابه بهدف التحكم فيه تبقى مرتبطة بعوامل خارجية غير متحكم فيها، لذلك فإن الحد من تغول التضخم لم يعد قرارا سياديا لكل دولة، بل أصبح رهين ما تفرزه التطورات فى الساحة العالمية، التى تعيش أحد أخطر حروبها المعاصرة بين القوى العظمى.

هكذا لم تجد حكومات هذه الدول من خلاص عن رفع معدلات الفائدة، وأجبر البنك المركزى الأوروبى على هذا الإجراء بدوره، هذا يعنى باللغة الاقتصادية الزيادة فى مدفوعات الديون وحجم العبء على الميزانيات العامة، وتقليص فى كميات الديون الاستهلاكية والخاصة بالسكن، وفى حجم الاستثمارات العمومية والخاصة، والأهم من كل ذلك، أنه فى غياب السيولة المالية التى تحققها القروض فإن الاقتصاديات الغربية ستواجه شحا فى السيولة المالية الطبيعية، مما قد يضطرها إلى صك أموال غير كافية لتغطية العجز، وهذا ما سيعيدها إلى نقطة الانطلاقة، لأن ذلك سيطلق من جديد العنان لمعدلات التضخم للارتفاع.

هذه الوضعية قادت إلى تردى وتراجع قيمة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) ولم يسلم الجنيه الاسترلينى من نفس المصير رغم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ورغم الجرعات المالية التى اتخذتها الحكومة البريطانية الجديدة من خلال دعم الطاقة وخفض الضرائب، وهى التدابير التى وصفتها أوساط اقتصادية بالشعبوية، لأنها فرضت على الحكومة البريطانية الزيادة فى إنفاق الميزانية بنحو 150 مليار جنيه استرليني، مما أجبرها على صك مزيد من النقود، وهذا بدوره مكن معدلات التضخم من الزيادة والارتفاع، كما تسببت هذه التدابير الأوربية فى الشعور بقلق عميق فى أوساط المستثمرين الذين اختار عدد منهم توقيف أنشطتهم، أوحتى الهروب، تحسبا لما ستفرزه التطورات السريعة من تداعيات، و ترقبا لما ستئول إليه الأوضاع.

ليس هذا فقط، بل إن المخاوف تنامت لدى الأوساط المصرفية فى العديد من الدول الغربية إلى درجة وصل الحديث فيها عن قرب إفلاس بعض البنوك فى أوروبا، حيث تعجز البنوك عن مواصلة أنشطتها المالية فى ظروف يكون فيها سعر الفائدة أقل من معدل التضخم، ولن يكون مفاجئا أن تجد كثير من البنوك نفسها أمام « أزمة نموذجية « ليست مسبوقة أمام عدم قدرة مصادرها المالية عن تغطية العجز فى توفير السيولة المالية اللازمة، وحتى وإن فكرت حكومات الدول الغربية فى سد الخصاص بصك النقود غير المغطاة، فإن ذلك لا يمثل العلاج الحقيقى لأصل الداء، لأن معدلات التضخم ستتجه نحو الارتفاع، وهذه المرة بوتيرة سريعة جدا.

من جهة أخرى، فإن صناديق التقاعد الأوربية ستجد نفسها أمام الوضعية الغامضة، حيث انعدام الرؤية للمستقبل القريب أمام خطر الانهيار، لأنها مطالبة بالتزامات الدفع المنتظم بغض النظر عما تفرضه التطورات من تداعيات، فعامل ارتفاع التضخم وتراجع حجم المخزونات، سيؤدى لا محالة إلى تراجع قيمة المدخرات وتدفقات رأس المال. وبذلك فإن هذه الصناديق قد تجد نفسها مضطرة إلى عدم الدفع والسداد لمستحقات الأشخاص، وهى التى تواجه علات كثيرة ومتعددة بسبب المتغيرات الديموغرافية، التى تفرض على الأقلية من الناشطين العاملين المنخرطين تمويل خدمات التقاعد للأكثرية من المسنين.

موازاة مع كل ذلك، تواصل مؤشرات أسعار الطاقة والمواد الاستهلاكية ارتفاعها بوتيرة غير مسبوقة، لأن الشروط الموضوعية تتيح لها ذلك، وسيزيد فصل الشتاء من متاعب هذا الألم المبرح بالنظر إلى ارتفاع الطلب المرتقب على المواد الطاقية، ما يعنى أن القدرة الشرائية للأشخاص ذوى الدخل المحدود والمتوسط ستتعرض إلى ضربات موجعة جديدة، ستنمى الشعور بالقلق والغضب، مما ستكون له تداعيات على مواقف الأشخاص والجماعات تجاه حكوماتهم.

الخلاصة الرئيسية مما سبق تفرض الاعتراف بتفاقم مظاهر وأشكال الأزمة، وأن الأوضاع الاقتصادية فى الدول الغربية تتجه نحو مصير مجهول غير متحكم فى أسبابه، وهناك من يتحدث عن (انهيار اقتصادى) مرتقب إذا لم تسارع الدول الغربية بتوفير الحلول الجذرية التى ستتطلب بدورها وقتا كافيا لإعادة التعافى الاقتصادى. و بما أن الأسباب الحقيقية مرتبطة بتطورات عالمية، فإنه لا محيد عن الانكباب على معالجتها، والحديث هنا بالتحديد عن الحرب الروسية، الأوكرانية التى تسببت فى تداعيات خطيرة، ليس فقط على المتورطين فيها بشكل مباشر، بل على العالم بأسره.

إذن العالم بصدد مرحلة دقيقة وصعبة تتميز بتقلبات فى العلاقات الدولية، خصوصا بين القوى العظمى، وبذلك فإن الموضوعية تفرض القول بأن الحلول لا يمكن أن تقتصر على مسكنات الألم، بل الحلول توجد فى غير هذا المكان، وهم ونحن نعرف أين توجد بالتحديد، لكنهم يتشبثون ويصرون على اللعب بمصائر شعوب العالم.

نقيب الصحفيين المغاربة
 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة