صالح مرسى
صالح مرسى


شهر صالح مرسى.. عميد دراما الجاسوسية

أخبار النجوم

الأحد، 23 أكتوبر 2022 - 01:21 م

كتب: محمد كمال 

في إطار الاحتفالات المستمرة بانتصارت أكتوبر المجيدة التي يمر اليوم 49 عاما، وعلى الرغم من الاتفاق أن الدراما المصرية مقصرة بشكل كبير تجاه هذا الانتصار العظيم من خلال قلة الأعمال المنتجة التي تدور حوله، وأيضا تلك الأعمال التي تؤخذ عن عمليات المخابرات التي يطلق عليها أعمال الجاسوسية، وهي تعتبر من أكثر الأعمال التي تحقق نجاحا على مستوى العالم، إلا في مصر وخصوصا في الثلاثين عاما الأخيرة، رغم أننا نمتلك تاريخ طويل يمكن صناعة العديد والعديد من تلك الأعمال.

يمكننا طرح تساؤل مهم عن “ما أفضل عمل تليفزيوني وسينمائي قدم عن دراما الجاسوسية؟”.. على مستوى السينما تتجه الاختيارات في الأغلب إلى فيلم “الصعود إلى الهاوية” للمخرج كمال الشيخ، أما في التليفزيون فالإجابة تكون شبه قاطعة عن رائعة يحيى العلمي “رأفت الهجان”، وهنا يطرح السؤال الأهم “ما القاسم المشترك الذي يجمع العملين؟”.. الإجابة ستكون صالح مرسي، الروائي المصري الملقب بعميد الدراما الجاسوسية الذي قدم أفلام ومسلسلات ومجموعات قصصية وروايات ترجمت الكثير منهم لعدة لغات أجنبية عن تلك النوعية من الدراما، وفي ظل احتفالاتنا بانتصارات أكتوبر لا يمكن أن نغفل دوره الفني على مدار أعوام طويلة، كان وسيظل هو المتفرد في هذا اللون الدرامي رغم وجود محاولات أخرى من كتاب غيره، لكنها لم تحمل نفس جودة الأعمال التي حملت التوقيع المباشر لصالح مرسي.

صالح من مواليد 17 فبراير عام 1929 بمدينة كفر الزيات التابعة لمحافظة الغربية، وتوفى في 24 أغسطس عام 1996، عن عمر ناهز 67 عاما، درس الفلسفة في الجامعة، ثم عمل في سلاح البحرية بمقتبل حياته، حيث دخلها متطوعا، وذلك قبل أن تبدأ موهبته في الكتابة تظهر أو تلوح في الأفق، والطريف في الأمر ورغم شهرته في مجال دراما الجاسوسية، إلا أن بدايات أعماله لم تكن تتعلق به من قريب أو بعيد، فقد كان العمل الأول سياسي بعض الشيء، لكنه كان جزء من مشروع الدولة وقتها المتعلق بحلم الرئيس جمال عبد الناصر بالوحدة والقومية العربية، من خلال فيلم “ثورة اليمن” عام 1966 للمخرج عاطف سالم، ومن بعده توالت أعمال صالح على مدار 10 أعوام، بالطبع أهمهم تجاربه مع توفيق صالح في “السيد البلطي”، ومع صلاح أبو سيف في “الكداب”، ومع حلمي رفلة في “جفت الدموع”.

 الصعود إلى الهاوية 

بداية صالح مع دراما الجاسوسية جاءت عام 1978، ولم تكن بدايته فقط، بل كانت بداية للدراما المصرية نفسها لتقديم أعمال عن الجاسوسية المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، فمن قبلها كانت تلك النوعية من الأعمال تقدم وجه العدو البريطاني أو فساد البوليس السياسي أو البلاط الملكي، لكن بداية الأعمال المرتبطة بالصراع المخابراتي المصري الإسرائيلي كانت من خلال صالح مرسي ورائعته الشهيرة “الصعود إلى الهاوية”، التي في البداية تم تقديمها لمسلسل إذاعي، قبل أن تتحرك الفكرة من قبل المخرج كمال الشيخ لتحويلها إلى فيلم سينمائي حتى يكرر تجربته مع الجاسوسية بعد فيلم “غروب وشروق” الذي كان فيه خيط بسيط من تلك النوعية، لكن مع “الصعود إلى الهاوية” فهو فيلم يحمل دراما جاسوسية خالصة.

حقق “الصعود إلى الهاوية” نقلة كبيرة ومهمة في مسيرة بطلته مديحة كامل التي قدمت دور الجاسوسة “عبلة كامل” الصحافية المصرية التي تهاجر إلى فرنسا وينجح جهاز الموساد الإسرائيلي في تجنيدها ويتم تكليف ضابط مخابرات مصري خالد سليمان (اسمه الحقيقي رفعت جبريل) لإعادتها للوطن مرة أخرى، والفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية بطلتها تدعى “هبة سليم” التي قدمت للمحاكمة وصدر عليها حكم بالإعدام شنقا وتقدمت بإلتماس لرئيس الجمهورية السادات لتخفيف الحكم، لكن تم رفضه رغم تدخل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر الذي طلب من الرئيس محمد أنور السادات تخفيف الحكم بناءً على طلب شخصي من رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير، فأمر السادات بتنفيذ الحكم في نفس اليوم، وتم إعدامها في السابعة مساءً، لتكون هبة سليم أول مذنب ينفذ فيه حكم الإعدام ليلا.

دموع فى عيون وقحة

ومثلما يحمل صالح مرسي الريادة في تقديم العمل المخابراتي المتعلق بالصراع المصري الإسرائيلي في السينما، كان له نفس السبق مع التليفزيون، فبعد الفيلم بعامين - أي عام 1980 – قدم المسلسل الشهير “دموع في عيون وقحة” مع المخرج يحيى العلمي الذي قام ببطولته عادل إمام من خلال تقديم شخصية “جمعة الشوان” واسمه الحقيقي (أحمد الهوان)، وهو شاب من أسرة بسيطة حيث يعيل والدته وزوجته الكفيفة ويعمل في ميناء السويس ويسعى جهاز الموساد لتجنيده قبل أن يسارع البطل المصري بوضع جهاز المخابرات المصرية في الصورة الذي يبدأ التعاون مع الجهاز الوطني من خلال الريس زكريا (في الحقيقة اللواء عبد السلام المحجوب) لخداع العدو الذي استمرت عملية خداعه لمدة ستة أعوام، والمسلسل شارك في بطولته بجانب عادل إمام كلا من صلاح قابيل ومعالي زايد ومحمود الجندي ومصطفى فهمي ومشيرة إسماعيل، وتكون من 14 حلقة، وعرض في 13 يوليو عام 1980، ويعتبر المسلسل من أنجح ما قدم “الزعيم” عادل إمام في الدراما التليفزيونية.

خلال فترة الثمانينيات، وقبل نهايتها بعامين، قدم صالح عددا من الأعمال التي لم تحقق نفس نجاح العملين السابقين، وكانت تلك الأعمال بعيدة تماما عن الجاسوسية، على غرار مسلسل “الرجل الذي فقد ظله” المأخوذ عن رواية للكاتب الكبير فتحي غانم، وأيضا مسلسل “المنعطف” للمخرج إبراهيم الشقنقيري، وسهرتين تليفزيونيتين تحت عناوين “صعود بلا نهاية” و”صيام صيام”، لكن مع نهاية حقبة الثمانينيات يعود من جديد إلى النوع المفضل له، دراما الجاسوسية، الذي يبدو أنه أيقن بأنه الأنسب، وأيقن المشاهدين أن موهبته تتحرك في هذا الاتجاه.

رأفت الهجان

يبدو أن مسلسل “دموع في عيون وقحة” وفيلم “الصعود إلى الهاوية” لم يكونا مرضيين بالنسبة لطموح صالح، فهما في النهاية عمليين محدوديين في المدة لم يستطع أن يتحرك داخلهما دراميا كثيرا، لهذا ظل يبحث ويحاول أن يجد ضالته في العميل (313) المعروف باسم “رفعت علي سليمان الجمال”، أو “رفعت الجمال”، أو كما لقب في إسرائيل باسم “جاك بيتون”، هذا الجاسوس المصري الأعظم في هذا المجال، حيث أنه شاب مصري جندته المخابرات المصرية نهاية الخمسينيات، وهاجر إلى إسرائيل بصفته يهودي من أصل مصري، ومكث هناك ما يقرب من 20 عاما، وكان العين الأولى والأكثر أهمية لرجال المخابرات المصرية، نجح الجمال في بناء إمبراطوريته الاقتصادية كرجل سياحة إسرائيلي متعدد العلاقت داخل المجتمع هناك، وأصبح بعد عدة أعوام عضو بارز في الهستدروت (الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية)، الذي كان له قيمة في ذلك التوقيت، وكانت هناك محاولات مستمرة حتى يترشح للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ووصلت قوة علاقاته داخل إسرائيل بأن الجمال كان صديق شخصي لديفيد بن جوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، والذي يعتبر أهم قائد من جيل المؤسسين.

أطلق على المسلسل اسم “رأفت الهجان”، وتكون من 3 أجزاء للمخرج يحيى العلمي، وبطولة محمود عبد العزيز ويوسف شعبان ومحمد وفيق ونبيل الحلفاوي وأحمد ماهر وتهاني راشد، ولم يكن هذا العمل مجرد مسلسل عادي، بل عبقريا في كل شيء، حتى موسيقاه التصويرية للراحل عمار الشريعي، ولم يكن السيناريو أيضا عاديا، فهو العمل الوحيد الذي تعامل مع دراما الجاسوسية من ناحية إنسانية، ويمكن أن نعتبره توثيق أرشيفي لجهاز المخابرات في تلك الفترة، فهو الجهاز الوليد الذي تم إنشائه بعد أحداث تفجير مكاتب الاستعلامات الأمريكية بالقاهرة والإسكندرية عن طريق تنظيم سري يقوده “الموساد” ويتكون من مجموعة من اليهود المصريين الذين يدينون بالولاء إلى إسرائيل وللوكالة اليهودية، من هنا بدأت رحلة تشكيل جهاز المخابرات المصرية، الذي كان رأفت الهجان من أنجح عملياته على مدار التاريخ.

كشف المجتمع المصرى

أما براعة صالح مرسي الفريدة في هذا العمل فهو الوحيد الذي قدم صورة حقيقية إلى حد بعيد عن المجتمع الإسرائيلي في تلك الفترة، حيث قام صالح ببروزة هذا المجتمع بكل تفاصيله وشخصياته ودوافعهم، بداية من التباين الموجود لدى اليهود في مصر بين الانتماء للدولة الأصلية مصر والولاء إلى الدولة الجديدة إسرائيل، حيث نجد أن كل شخصية مختلفة عن الأخرى، فهناك “الخواجة صروف” المتعصب لإسرائيل ويقدم كل ما يستطيع لدعم تلك الدولة الجديدة، و”الخواجة شارل سمحون” اليهودي الثري الذي يدعم اليهود لكن ليس لديه قناعة كاملة بإسرائيل كدولة، وهناك “عزرا” اليهودي المتحمس، و”إفرايم” اليهودي المستهتر، ونفس الحال في إسرائيل فقد ظهرت شخصيات بعيدة عن تلك النمطية التي تظهر في أعمالنا عند تقديم الإسرائيلين.

كان مسلسل “رأفت الهجان” الوحيد الذي قدم تشريح اجتماعي لإسرائيل والتحولات التي شهدتها خلال مرحلتي الستينيات والسبعينيات، ليس فقط التحول من النظام الإشتراكي إلى الرأسمالي بعد سقوط حزب “العمل” وصعود “الليكود”، لكن أيضا التحولات الاقتصادية وكيفية الانتقال من حياة المستوطنات الزراعية إلى الحياة الصناعية، وأيضا العلاقة المتوترة بين الحكومة والمواطنين، وعدم قناعة بعضهم بفكرة دولة إسرائيل من الأساس، ونجح صالح في إظهار المجتمع الإسرائيلي الخائف دائما، وهذا الشعور الذي كان القادة هناك يصدروه دائما للشعب حتى يظنوا أنهم دائما في حالة حرب.

قدمت الأجزاء الثلاثة من المسلسل خلال 3 أعوام، الأول عام 1988، الثاني عام1990  والثالث عام 1992، وكان هذا المسلسل بجانب “ليالي الحلمية”، السبب في وجود ما يسمى بـ”موسم رمضان”، حيث كان يعرض المسلسلين في رمضان، وكانت الشوارع يكسوها الهدوء أثناء عروضهما على القنوات المصرية، وكانت الشوارع تهدأ  بمجرد سماع تتر المقدمة لموسيقى عمار الشريعي، فلم يكن المسلسل نقلة للدراما التليفزيونية فقط، وأيضا أحدث نقلة كبيرة في مشوار بطله محمود عبد العزيز الذي يرى الكثيرون أنه قدم أفضل دور في مسيرته على الإطلاق.

الحفار

بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل “رأفت الهجان” في أجزائه الثلاث جعل صالح متحمسا للإستمرار في تقديم هذه النوعية من الدراما، لكن أصبح الرهان “هل سيجد شخصية تحمل نفس ثراء رفعت الجمال جاسوس عاش في إسرائيل لمدة 20 عاما؟”، خاصة بعد شعور الأجهزة الأمنية في أن ملفاتهم البطولية عندما تكون مع صالح مرسي فهي في يد أمينة موهوبة، لهذا لم يبخلوا أثناء تقديم وتزويد بالمعلومات الكافية لتقديم دراما جيدة، لكن يبدو أن ظروف المرض جعلت صالح مرسي يبتعد عن الساحة حتى وفاته عام 1996، ولم تجعله يكمل مشروعه الأخير الذي كان قد كتب قصته، وكان من المفترض أن يكتب له السيناريو والحوار، مما جعل شركة الإنتاج تستعين بالمؤلف بشير الديك ليتولى مهمة كتابة السيناريو والحوار للمسلسل الذي حمل اسم “الحفار”، وشارك في بطولته حسين فهمي يوسف شعبان ومصطفى فهمي وسماح أنور وهالة صدقي، وإخراج وفي قوجدي، وهو أيضا مأخوذ عن أحداث حقيقية، حيث أنه بعد هزيمة يونيو 1967 واحتلال سيناء من قبل القوات الإسرائيلية، أعلنت إسرائيل عن قيامها بعمليات موسعة للتنقيب عن البترول في سيناء وتأجير حفار للقيام بهذه المهمة، وهذا الأمر ليس له سوى غرض واحد وهو إظهار السلطات المصرية بمظهر العاجز قليل الحيلة أمام ما تقوم به إسرائيل، وهو ما دفع المخابرات المصرية للتخطيط من أجل التعامل مع الحفار قبل وصوله إلى مضيق باب المندب، حيث نجح المصريون فى تفجير حفار بترول “كنتينج” الذي اشترته إسرائيل لكي تنقب به عن البترول في خليج السويس.

ويبدو أيضا أن تجربة صالح مرسي مع دراما الجاسوسية كانت ملهمة مع الكاتب بشير الديك ليحاول السير على درب أستاذه، رغم أن بشير الديك كان من أهم كتاب السيناريو الذين قدمتهم سينما الثمانينيات الذين لقبوا بـ”مبدعي الواقعية الجديدة”، إلا أنه تأثر بتجربة صالح مع دراما الجاسوسية، وبدأت مسيرة الديك مع تلك النوعية عام 1992 بفيلم “مهمة في تل أبيب” مع نادية الجندي، وكررا التعاون أيضا في “حكمت فهمي”.

حرب الجواسيس

أراد الديك أن يكرر فكرة إقتران اسمه بعمل من تأليف صالح مرسي، لهذا قرر عام 2009 تحويل الرواية التي كتبها صالح بعنوان “سامية فهمي” إلى مسلسل تليفزيوني حمل اسم “حرب الجواسيس” الذي شارك في بطولته منة شلبي وهشام سليم وشريف سلامة والسوري باسم ياخور وإخراج نادر جلال، وتدور أحداث المسلسل حول محاولات جهاز “الموساد” تجنيد فتاة مصرية تدعى “سامية فهمي” للعمل لصالحهم، لكن “سامية” تقوم بإبلاغ المخابرات المصرية ويعملا معا لخداع الجانب الإسرائيلي في عملية تمت في مجموعة من الدول الأوروبية، وفي عام 2011 كرر الديك نفس تجربة الدراما الجاسوسية لكن هذه المرة على رواية الكاتب ماهر عبد الحميد من خلال مسلسل “عابد كرمان” مع المخرج نادر جلال أيضا، والذي كان البطولة الأولى للسوري تيم حسن في الدراما المصرية، والمأخوذ عن قصة تحمل اسم “كنت صديقا لديان”، لكن لم يحقق المسلسل نجاح مثل سابقيه.

بعد رحيل صالح مرسي، قدمت عدد من القصص الذي قام بتأليفها، على غرار مسلسل “خيانة” عام 1999 للكاتب محمد الطوخي وإخراج مصطفى الشال، ثم مسلسل “البحار مندي” عام 2002 للكاتب محمد الباسوسي وإخراج هاني لاشين، وأخيرا مسلسل “قلبي دليلي” عام 2009 المأخوذ عن السيرة الذاتية للمطربة والممثلة المصرية ليلى مراد، وكتب له السيناريو والحوار مجدي صابر وأخرجه محمد زهير.

وبرحيل صالح فقدت الدراما المصرية أحد أهم كتابها، خاصة في نوعية دراما الجاسوسية، فبعد “رأفت الهجان” لم تقدم الدراما المصرية أي مسلسل حقق نفس نجاحه، أو كان على نفس مقدار جودته ونفس الحال في السينما رغم التجارب التي لم تكن كثيرة في هذه النوعية، على غرار تجربة بشير الديك أو د. نبيل فاروق أو عمرو سمير عاطف، لكن تظل البصمة الأكبر والأهم والأفضل في تقديم دراما الجاسوسية لعميدها وكبيرها.. صالح مرسي.

أقرأ أيضأ : معالي زايد.. قضت أسبوعا بمعهد للكفيفات لأجل «دموع في عيون وقحة‬»


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة