محمد السيد عيد
محمد السيد عيد


يوميات الاخبار

السويس العظيمة فى عيدها

محمد السيد عيد

الأحد، 23 أكتوبر 2022 - 06:54 م

فى أكتوبر من كل عام تحتفل مصر بعيد السويس، وهذا العيد ليس أى عيد. إنه عيد البطولة، والكرامة، وعظمة تلاحم الشعب والجيش ورجال الشرطة، لذا سنروى قصة السويس فى هذا اليوم.

• الثغرة هى البداية
بعد عبور قواتنا المسلحة إلى سيناء، ونجاحها فى تحقيق المفاجأة، حاول العدو الإسرائيلى أن يحفظ ماء وجهه، فقام بهجوم مضاد، ونجح فى إحداث ثغرة بين الجيشين الثانى والثالث فى منطقة الدفرسوار. وكانت خطته أن تقوم قواته باحتلال الإسماعيلية والسويس ليساوم المصريين. كان على رأس القوات المكلفة باحتلال الإسماعيلية القائد الإسرائيلى الشهير أريل شارون، وها هو شارون يرأس اجتماعًا لقادته ويقف شارحًا لهم على خريطة المنطقة:
- حضرات القادة، إن أهدافنا محددة، وهي:
• أولاً: تطويق الجيش الثانى الميداني
• ثانيًا: احتلال مدينة الإسماعيلية
• ثالثًا: قطع طريق مصر الإسماعيلية الصحراوى، ووقف الإمدادات القادمة للجيش الثاني.
حضرات القادة، أنتم تعرفون مهامكم جيدًا، ستنطلق المجموعة القتالية الأولى نحو السويس، وستأخذ طريق ترعة السويس. أهم نقطة فى هذا الطريق هى قرية أبو عطوة؛ لأنها تتحكم فى الطريق كله. يجب أن تسقط أبو عطوة.
قال قائد المجموعة القتالية بحزم: ستسقط أبو عطوة جنرال شارون. ثق فى ذلك.
أكمل شارون: المجموعة الثانية ستسلك طريق المعاهدة. النقطة الحاكمة فى هذا الطريق هى قرية نفيشة. قال قائد المجموعة الثانية: ستسقط نفيشة؟
ووجه شارون حديثه لقائد المجموعة الثالثة: المجموعة المكلفة بقطع طريق القاهرة الإسماعيلية، مهمتك الأساسية قطع الإمدادات عن الجيش الثاني، وإلا فلن ننجح.
قال قائد المجموعة الثالثة: اطمئن جنرال شارون. سنقطع الطريق، ونمنع وصول الإمدادات للجيش الثاني.
وانصرف القادة لتنفيذ المهام.
• للمصريين رأى آخر
على الجانب المصرى كان للواء عبد المنعم خليل قائد الجيش الثانى رأى آخر. ها هو يخاطب قادته: حضرات القادة، أنا اللواء عبد المنعم خليل أقول لشارون نيابة عنكم وعن كل المصريين: لن تمروا.
والتفت نحو العقيد أسامة إبراهيم قائد المجموعة 139 قتال قائلاً: سيادة العقيد، أعرف أن المجموعة التى تقودها ليس معها غير الأربيجيهات، فهل ستستطيعون مواجهة دبابات العدو بهذا السلاح، وتجبرونه على عدم الاستيلاء على «أبو عطوة»؟ هذا الموقع كما تعلم خطير؛ لأنه يتحكم فى طريق السويس الإسماعيلية، والعدو يريد الوصول للسويس مهما كان الثمن. وفيه منطقة مرتفعة يمكن أن يستخدمها العدو لضرب الإسماعيلية.
قال العقيد أسامة: أعرف هذا يا أفندم، وأعرف أيضًا أن معهم لواءً من المظليين، لكننا بعون الله سنمنعهم من التقدم.
التفت اللواء عبد المنعم خليل نحو ضابط آخر. قال: مقدم عاطف منصف، أنت ستتولى الدفاع عن جبل مريم، وهذه نقطة حاكمة على طريق القناة، هل أنت جاهز للدفاع عنها؟
قال المقدم عاطف وفى عينيه عناد الدنيا: لن يمروا.
ثم خاطب اللواء عبد المنعم خليل قائد قوات الدفاع الشعبى قائلاً: مهمتك منع العدو من قطع طريق القاهرة الإسما....
وقبل أن يكمل اللواء خليل جملته قال قائد قوات الدفاع الشعبي: اطمئن يا أفندم، لن يمروا.
التفت اللواء خليل نحو ضابط برتبة عميد يقف صامتًا من بداية الاجتماع. قال: العميد أبو غزالة، أنت قائد مدفعية الجيش الثاني، أريد منك أن تشعلها نارًا فوق رأس شارون وفرقته، فماذا تقول؟
قال العميد أبو غزالة: سنصب نار جهنم فوق رءوسهم إن شاء الله. لن يمروا.
• المواجهة
تقدم العدو نحو قرية «أبو عطوة»، لكن الرجال كانوا فى انتظاره. أعطبوا خمسين دبابة، ولم تسقط أبو عطوة. وفى نفيشة كانت هزيمة العدو مُرة، واستطاعت قوات الدفاع الشعبى وقف أى محاولة لقطع طريق القاهرة الإسماعيلية. وبعد فشل العدو فى الإسماعيلية قرر أن يركز على احتلال السويس، وبدأت الملحمة.
• جبهة السويس
إذا كان العدو قد خصص فرقة واحدة لاحتلال الإسماعيلية فقد خصص فرقتين كاملتين لاحتلال السويس. واحدة بقيادة الجنرال أدان، والأخرى بقيادة الجنرال ماجن. كان معظم سكان السويس قد هاجروا من المدينة. لم يبق فيها سوى قلة قليلة، لا يزيد عددهم هم والشرطة المدنية على خمسة آلاف. بالإضافة لبعض الجنود الذين تركتهم القوات المصرية التى عبرت، كمؤخرات للوحدات التى عبرت لسيناء. وأرسل اللواء يوسف عفيفى قائد الفرقة 19 لهم سرية أربيجيه وطاقم اقتناص دبابات.
حاصر العدو كل الطرق المؤدية للسويس. قطع ترعة المياه العذبة التى تشرب منها المدينة. قطع شبكة الضغط العالى التى تزود المدينة بالكهرباء. قطع التليفونات. ظل يضرب المدينة بالمدافع والطيران طوال يوم 23 أكتوبر، تمهيدًا للهجوم عليها.
ليلة 24 أكتوبر كانت ليلة مجيدة. صاد عبد العاطى وحده ثلاثًا وعشرين دبابة، وعزف مع رفاقه سيمفونية البطولة ليمنعوا الدبابات الإسرائيلية من اقتحام المدينة. فى الوقت ذاته بدأ رجال المقاومة الشعبية يفكرون فيما سيفعلونه. ها نحن مع اثنين من رجال منظمة سيناء، أولهما يسمى إبراهيم سليمان، والثانى اسمه محمود عواد. لاحظ محمود أن إبراهيم شارد البال. سأله: مالك؟ بتفكر فى إيه؟
- العدو حيهجم بكره بالدبابات، واحنا ما معاناش غير البنادق. البنادق دى ما تنفعش. لازم نجيب أربيجيه أو أكتر.
- منين؟ رجالة منظمة سينا كلهم ما معاهمش غير أربيجيه واحد، والموديل بتاعه قديم. كمان.
- والحل؟
- مش عارف.
- فكر معايا. فين نلاقى أربيجيهات حديثة؟
فجأة قفز إبراهيم صارخًا: لقيتها. عارف فين يا محمود؟ فى المستشفى العسكرى. العساكر المصابين مش بيروحوا المستشفى بسلاحهم، ويسلموه فى المخزن؟ نروح نجيب واحد من المخزن.
- صح. فكرة ممتازة. بينا على المستشفي.
فى المستشفى قابلا أمين المخزن. لكن الرجل صاحب العهدة صاح فيهم: نعم يا أخويا منك له؟ أشوف لكم أربيجيهات فى المخزن؟ هو المخزن ده سويقه؟ دى عهدة يا حبيبي، ولو نقصت فيها سين وجيم وشغلانه.
- يا سيدى افهم. الجيش الإسرائيلى واقف على مدخل البلد. الصبح حيهجم. لو أخدوا السويس حتبقى مصيبة. حتنفعنا بإيه العهدة ساعتها؟
قال محمود مؤيدًا كلام صاحبه: ما رأيك يا أستاذ لو تدى لنا الأربيجيه بوصل، وبكده تبقى عهدتك تمام؟
واصل إبراهيم: اعمل معروف، ما فيش وقت.
وافق أمين المخزن أخيرًا. قال: خلاص. موافق. لكن امضوا لى على وصل.
ومد يده فى جيبه ليخرج مفتاح المخزن وهنا كانت المفاجأة. لقد نسى المفتاح فى بيته. صاح محمود وإبراهيم معًا: وبعدين؟
قال أمين المخزن: أروح أجيبه من البيت بسرعة.
- مفيش وقت. إحنا لازم نكسر باب المخزن. العدو مش حيستنانا.
- وكسروا باب المخزن، وأخذ إبراهيم الأربيجيه.
فى الوقت نفسه كان رجال الجيش والمنظمة يتفقون مع الأهالى على أن يدخلوا بيوتهم نهارًا. لا يظهرون حركة، إلا بناءً على إشارة محددة، وهى صوت الأذان.
كان المتوقع أن يهجم العدو من ثلاثة اتجاهات:
- اتجاه طريق مصر السويس
- اتجاه محور الجناين
- اتجاه محور الزيتية
ووضع الرجال خطة المواجهة.
• الكسرة الأولي
نصب عدد من رجال القوات المسلحة والشرطة والمقاومة كمينًا قويًا عند مدخل الجناين. فى تمام الساعة التاسعة وخمسة وأربعين دقيقة تقدم العدو بكتيبة مدرعة. كان الرجال فى انتظارها. ها نحن نقترب من رجلين منهم.
- اسم الكريم إيه؟
- أحمد. وأنت؟
- جرجس
- جبت الأربيجيه ده منين يا جرجس؟
- وأنا جاى من الإسماعيلية لقيته مع شهيد. أخدته هو والذخيرة بتاعته.
- تعرف تستخدمه؟
- أمال. أنا اتدربت عليه لما كنت فى قوات حماية الشعب.
- أنا حاساعدك
- يا ريت. بص أنا حاضرب أول دبابة بحيث أمنع القول كله من التقدم، وبمجرد ما تعطل الدبابة تطلع أنت وبقية الرجالة على الدبابات بالمولوتوف، والعسكرى اللى يخرج من أى دبابة تصطادوه.
- طيب شد حيلك لأن الدبابات جايه أهي.
ودارت المعركة الطاحنة. واضطرت بقية الدبابات التى نجت من طلقات الأربيجيه للانسحاب مذعورة.
• الملحمة الكبرى
ترك رجال المقاومة مدخل القاهرة السويس ومدخل الزيتية بلا مقاومة. دخل العدو إلى السويس. توغل فى شارع الجمهورية، وهناك كان إبراهيم سليمان ومحمود عواد مختبئين ومعهما الأربيجيه. قال محمود عواد لإبراهيم وهو يناوله الأربيجيه: خد يا عم أدينى عمرت لك الأربيجيه. ووجه إبراهيم الأربيجيه على أول دبابة فأصابها. وصرخ إبراهيم: يا سلام عليك يا بو خليل يا جن.
ومنذ هذه اللحظة سموه إبراهيم الجن.
كانت قوات المظليين تركب أتوبيسات، والأتوبيسات تسير مطمئنة فى شارع الجمهورية الذى بدا خاليًا. فجأة سمعوا صوت قذيفة الأربيجيه مدويًا، فنزلوا من أتوبيساتهم ليروا ما الخبر. حينئذ علا صوت الأذان: الله أكبر. وفجأة تحولت المدينة الهادئة إلى جحيم ينصب فوق رءوس القوات الغازية. تمامًا كما حدث فى رشيد سنة 1807. قاتل الأهالى بكل شيء وصلت أيديهم إليه. حاول الإسرائيليون الهرب. لكن أين المفر. وصعد الأهالى ورجال المقاومة فوق الدبابات لحرقها واصطياد من فيها. وانتصرت السويس. ولم يتمكن العدو من احتلالها. ثم حدثت محادثات الكيلو 101 وتم فض الاشتباك، وخرج الإسرائيليون من مصر، وبقيت السويس رمزًا للنضال والصمود.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة