بهاء طاهر مع الزميل محمد الشماع
بهاء طاهر مع الزميل محمد الشماع


في وداع البهاء.. بهاء طاهر

محمد الشماع

الخميس، 27 أكتوبر 2022 - 11:30 م

لا أتذكر جيداً المناسبة التي جمعتني أول مرة بالعم بهاء طاهر. أتذكر بعض الناس وبعض الشخصيات الحاضرة، ولكنهم لا شيء أمام بهائه وتواضعه وهدوئه الجم. أتذكر أنه اتكأ على يدي كعصا، وما أحلاها اتكاءة، كم تمنيت أن تطول إلى آخر العمر.
يتحدث بأدب وبهدوء وبحكمة، يمتاز البهاء بأن الحكمة تخرج من فمه بانسيابية، تماماً ككتاباته.
لا أتذكر كيف ومتى صارت رواية «الحب في المنفى» أيقونة لي، ربما بعدما صدرت بقليل أو بعد فترة. لكن قلقاً ساورني كثيراً بعد أن أهديتها صديقة صينية كانت تتعلم اللغة العربية في جامعة القاهرة، وكان القلق مبعثه أن الرواية التي أحب لم تعد بين يدي. أحصيت الليالي والأيام التي اتفقنا عليها، ولما أعادتها زال القلق، وأتت السكينة.
ما أقسى أن تفقد كتاباً، خصوصاً أن الكتاب لبهاء طاهر. نعم، حدث ذلك، في «واحة الغروب»، فالرواية التي أحببتها وقت قراءتها اختفت من أمام عيني، كما اختفى البهاء لفترة، ثم عاد مثل طبيعته بهدوء يحسد عليه. عاد بكتاب غريب عن الناس والحياة والسياسة بعد ثورة يناير. حينها كان اللقاء المهم.
في مكتبة «ديوان» بالزمالك، حضرت حفل التوقيع، ربما أتيت متأخرا بعض الشيء، ولكني حافظت على قاعدة الوقوف في طابور الراغبين في توقيعه على كتابه الجديد، وقفت حتى جاء الدور علي، كان إلى جواري صديقي الروائي والكاتب حسن عبدالموجود، والذي أعلم ما هو عند البهاء، وعندما وصلنا إلى حيث يجلس أديبنا ابتسم لنا، تفحص وجوهنا وكأنه يتفحص سنوات النسيان، كأنه يتفحص الزمن الذي نال من وجوهنا وملامحنا وذاكرته، وفجأة خبط بيده على جبهته قائلاً: «حسن... محمد»، وضحك.
كانت ضحكة طفولية، ضحكة عاتب فيها البهاء نفسه على عدم تذكرنا، ربما تغيرت ملامحنا، ربما تبدلت الوجوه في نظره وذاكرته، ربما أتعبته الكثرة حوله. ضحك البهاء لفترة، لم يحدثنا، ولم يوقع على الكتاب، فقط يضحك، بهدوء المعاتب والمحب في آن واحد.
قام الرجل دمث الخلق بمصافحتنا واحتضاننا كأبنائه، أصر على الاحتفاء، ومشاركتنا ضحكاته. جلسنا على مقهى يحبه، مقهى عمر الخيام بالزمالك أسفل منزله، تسامرنا وتحدثنا عن الحياة وظروفها وعن الأصدقاء المشتركين. كان البهاء محبا للجميع، لا يسب أحداً ولا يكره أحداً، حتى في انتقاده كان مهذبا أمينا راقياً. كان اللقاء عظيماً، عكر صفوه طلبه بأن يصعد إلى المنزل. وبالفعل صعد وتركنا نتحدث عنه، وعن الحياة القاسية، التي يتغير فيها كل شيء.
اليوم، رحل البهاء بعد رحلة مديدة. رحل البهاء وهو في اللغة الإشراق، والنضارة، واللمعان، والزهو، والأَلق. رحل البهاء في هدوء معتاد، وفي صمت معتاد. رحل وتركنا نتحدث عن لقاءاتنا به، وعن حبنا له، والذي ربما اكتشفنا أنه كبير للغاية، كبير كبر الواحة التي تحدث عنها في «واحة الغروب»، وقدر ألم المنفى الذي أبعده عنا وعن محبيه.

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة