عمرو الخياط
عمرو الخياط


عمرو الخياط يكتب: فقه الإصلاح عند الرئيس السيسي

عمرو الخياط

الجمعة، 28 أكتوبر 2022 - 05:58 م

منذ اللحظة الأولى لتولى رئاسة الدولة قطع الرئيس عبدالفتاح السيسى على نفسه عهدًا أن يسير فى طريق الإصلاح المؤلم، لم يهدف الرجل أبدا أن يبنى شعبية رصيدها الشعارات التى تغازل آمال الجمهور دون حساب لعمق آلامهم التى تراكمت على مدار السنوات من الترك أو الإهمال عمدًا أو سهوًا، فكانت النتيجة أن خرجت الجماهير فى شتاء ٢٠١١ بحثًا عن مستقبل أفضل، لكن تجار الدين والوطن قطعوا الطريق سطوًا على أحلام المصريين واستخدموهم ذخيرة مستهلكة وجهت نيرانها إلى جسد الدولة، من أجل الوصول إلى الحكم دون وجود أى نية أو رؤية صادقة لتحسين معيشة المصريين الذين تعالت هتافاتهم نداءً على مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

لمن نسى ولمن تناسى ولمن يبيع الوهم الاستراتيجى للمصريين، نقول الآن إن التصدى لإدارة دولة بحجم مصر هو عمل شاق يتطلب جهدًا خارقًًا وإخلاصًا متواصلًا وإيثارًا أسطوريًا، ليس حكم مصر أبدًا بالأمر الهين، وليس مغنمًا لتنظيم دينى أو لمجموعة من هواة السياسة أو منظرى المنتديات والصالونات الثقافية.

لقد تصدى الرئيس عبدالفتاح السيسى لمهمة الرئاسة استجابة لمطلب قومى تعالت هتافاته طلبًا للإنقاذ، ولم يكن بمقدور الرجل القادم من مؤسسة الوطنية المصرية أن يتجاهل ذلك التكليف، لم يكن ليستطيع أن يتولى يوم الزحف، بعدما صدحت بنداءات الاستغاثة حناجر وقلوب المصريين من كل الفئات والأطياف فى مدنها وقراها.

منذ اللحظة الأولى لظهوره مرشحًا رئاسيًا تم استدعاؤه استدعاءً شعبيًا حرص الرجل على أن يواجه الحقيقة وهو يعلم خطورة السير على الأشواك التى تملأ دروب الإصلاح، فكان كلامه شديد الوضوح والصراحة ولم يعد إلا بالعمل الدؤوب، وهو مُدرك لخطورة الإقدام على هذا الإصلاح الذى يكبل خطواته استقرار هش لدولة تعانى موجة من الإرهاب المدعوم بأنظمة دول ومخابراتها، فضلًا عن آلة شر إعلامية لا ترحم وعى المصريين.
عقدة الاستقرار المستمرة لم تثن الرئيس السيسى عن إرادة الإصلاح برغم خطورة التحدى.

بدأ الرئيس السيسى يومه الرئاسى الأول محاطًا بتحديات وضغوط خارجية مهولة من دول وأنظمة كانت لم تزل غير مستوعبة لمعنى ما حدث فى ٣٠ يونيو التى سطرت تفاصيلها إرادة المصريين ثم روتها دماء الشهداء، لكن قدرته الرئاسية على مواجهة التحديات لم تكن لتستمر إلا مدعومة برصيد شعبى متجدد برغم قسوة الظروف المعيشية التى قد تتعارض مع حجم التضحيات المطلوبة.


منطقيًا ليس هناك رئيس يستهدف مشقة شعبه، لكن رفع هذا العناء لا يمكن أن يتم بالخداع أو بالحلول المسكنة، إنما يستلزم مواجهة حاسمة كانت تكلفتها باهظة من أجل تحقيق استقرار مستدام مرتكز على قاعدة من البناء الحقيقى وليس بالطلاء الشكلى لأطلال مؤسسات متهالكة أصبحت عاجزة عن حمل هيكل الدولة ومرشحة للانهيار فى أى وقت.. ولنا فى ٢٠١١ أسوة مرعبة.

لدى الرئيس السيسى قواعد محددة للإصلاح ألزم بها نفسه قبل الجميع، وهو يعلم أن عملية الإصلاح لا تخلو من الآلام كلما حاول معالجة الجراح الاقتصادية التى أفرزت تقيحات اجتماعية وتشوهات فى الوعى الجمعى. 

القواعد التى وضعها الرئيس السيسى فى طريق الإصلاح أنتجت مبادئ واضحة المعالم شكلت فقهًا جديدًا لتعامل الدولة مع تشوهات الهياكل الاقتصادية والمالية، لكن الرئيس السيسى كان يدرك أن تجديد الفكر الإصلاحى لابد أن يرتكز على العمل الجاد والتضحية وأن الدنيا لا تؤخذ إلا غلابا.

إذا ما تحدثنا بوضوح أكثر، ربما قد يغضب البعض، فإن الوعى العام المصرى ظل محاصرًا بأفكار ومعانى المعاناة التى تحملها المواطن، وهو المعنى الذى يدفعنا للتساؤل حول حجم تلك المعاناة مقارنةََ بالشعب اليابانى الذى ضُرب بالقنابل النووية، أو عن حجم المعاناة التى واجهت الشعب الألمانى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية التى دمرت وطنه بالكامل.


كيف استطاعت تلك الشعوب أن تنهض مرة أخرى؟، ما هى الأثمان التى دفعت؟، ما هو حجم الألم الذى تحملته؟!.

طريق الإصلاح الذى اختاره الرئيس السيسى لم يكن ممهدًا بل كان محاطًا بصعوبات بالغة فى ظل وجود تنظيم يستبيح استخدام الدين ويبرر كذبه من أجل نشر حملة ممنهجة للتشكيك العام فى كل ما هو وطنى ودستورى، ومن أجل إيجاد غضب شعبى مصنع، ثم استخدام ذلك الغضب المتراكم للدفع نحو الانقلاب على الأنظمة الأمينة على مفهوم الدولة الوطنية، تنفيذًا لمشروع تنظيمى تسيطر عليه أوهام الأممية.

وفى مواجهة تلك التنظيمات التى حولت الدين إلى أداة سياسية، لم تكن المواجهة الثقافية والنخبوية على مستوى التحدى، بل إن مجموعات من تلك النخبة استدرجت لتروج للتنظيم الإخوانى باعتباره جزءًا من النسيج الوطنى، بينما ترتكز أدبيات التنظيم على إهدار فكرة الدولة الوطنية باعتبارها عقبة فى مشروع الخلافة الأممى.

تخيل أن بعض المحسوبين على النخبة الثقافية يرون فى الإخوان بديلًا سياسيًا يمكنه التصدى لحكم الدولة المصرية، بل إن بعضهم يتعامل الآن مع من ارتكب أعمالًا إرهابية باعتباره ناشطًا سياسيًا يستدعى التعاطف من أجل نيل حريته، كما لو كنا بصدد تدشين قيمة سياسية جديدة تحت مسمى «حرية الإرهاب».

لم تكتف تلك النخبة التى تدّعى الثقافة بتكوين محيط إدراكى مزيف يعتبر التنظيم الإخوانى جزءًا من نسيج الوطن، بل راحت تلك النخب من مثقفى المقاهى تروج لنظريات الإصلاح من أعلى طاولات تلك المقاهى، فأنتجت المصطلحات الرخيمة شكلًا والتى غازلت بها وعى الجمهور، بينما لم يقدم أحد من أفراد تلك النخبة دليلًا عمليًا على إنجاز حقيقى يمكن تحويله لمنهج عملى له خطوات محددة.

كان الرئيس السيسى مصرًا على عملية الإصلاح وهو يعلم علم اليقين أن الجهاز الإدارى للدولة ليس على مستوى الكفاءة المطلوبة للاستجابة لحركة الإصلاح، بل إنه اكتشف أن هذا الجهاز نفسه يجب أن يكون مشمولًا بعملية الإصلاح.

قرر الرئيس السيسى ألا تكون الحالة المترهلة للجهاز الإدارى عائقًا أمام عملية الإصلاح، فبدأ حركته الإصلاحية من خلال خطة للتنسيق الشامل بين أجهزة الدولة وإمكانيات القوات المسلحة وحركتها المنضبطة، فأحدث اندماجًا مدهشًا بين الجهاز المدنى والمؤسسة العسكرية، أسفر عن حجم إنجاز غير مسبوق فى وقت قياسى وباشتراطات جودة مضمونة إنشائيًا وماليًا.

لم يغفل الرئيس وهو عازم على الإصلاح عن إدراك ردود الفعل الشعبية التى قد تنجم عن آثار هذا الإصلاح، والتى ظلت تشكل هاجسًا مخيفًا للحكومات المتعاقبة وللأجهزة الأمنية، وظلت على مدار السنوات عائقًا أمام اتخاذ أى إجراءات حاسمة على طريق الإصلاح الجاد وليس الشكلى.

برغم الإدراك الرئاسى لردة الفعل المرتقبة إلا أن الرئيس كان على ثقة تامة بوعى المصريين، وأن آلام الإصلاح من الممكن تحويلها من معاناة انهزامية إلى تحد دافع للعمل والإنجاز، فظل طوال الوقت وفى كل أحاديثه منشغلًا بقضية الوعى التى راح يشير إليها كلما أتاحت له الفرصة أن يتحدث لأبناء شعبه.

بدأت مهمة الرئيس السيسى كرئيس للبلاد محمولا على قاعدة ثورية شعبية، إلا أنه رفض استخدام ذلك من أجل ابتزاز عاطفى للجماهير التى نادت عليه، وقرر أن يتجه مباشرة نحو شرعية الإنجاز، لكن الظروف المحيطة فرضت عليه أن يبدأ عملية إنقاذ وجودى لتثبيت أركان ومؤسسات الدولة التى تعرضت للتجريح والتجريف على مدار عقود متتالية وبلغت ذروتها فى أوائل عام ٢٠١١، ثم تعرضت لخطر مؤسسى عندما استولى تنظيم عصابى إخوانى على حكم البلاد.

برغم الثقة الشعبية فى القائد العام آنذاك المشير عبدالفتاح السيسى والتى امتدت لمنصبه الرئاسى، إلا أنه كان مصرًا على تأسيس مفهموم جديد للثقة الشاملة فى الحكومة وفى «النظام» ليس بمفهومه السياسى بل بالمفهوم الإدارى، والذى يعبر عنه اصطلاحًا بالـ system الذى يمكن الاعتماد عليه لإطلاق خارطة طريق محددة للإصلاح تتوزع فيها آلامه ومشاقه فتحدث نوعًا من التخفيف على جميع الأطراف من خلال منظومة لعدالة الإصلاح تضمن توزيعًا عادلًا للتضحيات مقابل نصيب عادل لكل فرد من ثمرة هذا الإصلاح، دون إغفال الطبقات الأكثر فقرًا والأولى بالرعاية من المسنين والأطفال وذوى الهمم.

من المدهش أن يظل البعض معتقدًا أن عملية حكم البلاد هى عملية محلية داخلية، دون الوضع فى الحسبان حجم الاعتبارات والضغوط والتوازنات الإقليمية والدولية التى تفرض نفسها على أجندة الرئيس وعلى ملفات الدبلوماسية المصرية.

بل إن البعض من المحسوبين على النخبة راح يُروج للقدرة على استجلاب الأموال من محيطنا العربى باعتبارها إنجازًا رئاسيًا يعبر عن حجم وقيمة الدولة المصرية فى محيطها العربى وعن حجم تأثيرها الذى يستوجب تدفق المساعدات لها بلا نهاية.

لكن الرئيس كان مدركًا لعدم دقة ذلك منذ البداية ولخطورة أن تترسخ الفكرة داخليًا وخارجيًا بأن مصر أصبحت رهينة الإعانات، وهو الأمر الذى لا يتناسب مع قيمتها ولا مكانتها، كما أنه مهما بلغ حجم ما تم تقديمه فإنه لن يكافئ ما قدمته مصر من دماء زكية دفاعًا عن الأمة العربية، ودفاعًا عن أمن الخليج تارة عندما زحف الجيش الإيرانى نحو قلب العراق مهددًا الخليج بأكمله، وتارة أخرى عندما بغى صدام على أمن الكويت، فكانت مصر فى مقدمة الصفوف بسلاحها ودبلوماسيتها.

على مدار السنوات الرئاسية الثمانية لم ينشغل الرئيس السيسى بشعبيته على حساب شعبه، بل إنه غامر بكامل رصيده الشعبى من أجل تحقيق إنجاز البناء والتنمية.
لقد عهد الرئيس السيسى على نفسه أن يسلك طريق التغيير الشاق وأن يتحمل مردود نيرانه وأن يحتوى مخرجات الغضب الذى قد ينجم عن آلام الإصلاح.

هو نفسه المشير عبدالفتاح السيسى الذى وقف عشية ٣ يوليو من العام ٢٠١٣ لإنقاذ هذا الوطن، هو نفس الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى تبرع بنصف ما يملك لصندوق تحيا مصر، هو نفسه الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى خفض جناح الذل من الرحمة لفتاة مصرية تعرضت لمضايقات فى ميدان التحرير وذهب إليها معتذرًا حاملًا باقة من الورود، هو نفسه الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى أطلق إشارة انطلاق الضربة الجوية لقواعد الإرهاب التى سفكت دماء المصريين فى الأراضى الليبية، فلا تنسوا الفضل بينكم.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة