المتهم
المتهم


مفاجآة: العيادة غير مرخصة وصادر لها قرار غلق من 3 سنوات

ماتت ولحق بها مولودها.. «عزيزة» ضحية طبيب المنيا الشهير

محمود صالح

الأربعاء، 02 نوفمبر 2022 - 05:45 م

على مدار تسعة أشهر، واصلت "عزيزة" متابعة حملها عند الدكتور "محمد. ع"، وفي اليوم الذي حدده الدكتور سلفًا لإجراء عملية الولادة، ذهبت إليه بصحبة زوجها وأهلها، وهناك، داخل عيادته الكائنة بمركز العدوة بالمنيا، دخلت غرفة العمليات التي أنشأها بعيدًا عن أعين وزارة الصحة ونقابة الأطباء داخل العيادة، واستمرت بداخلها قرابة الـ ٦ ساعات كاملة، والأهل بالخارج لا يعرفون ماذا يحدث لابنتهم بالداخل، اللهم إلا بعد انقضاء هذه المدة أبلغهم الطبيب أن عملية الولادة لم تتم بنجاح، وقد توفى المولود،  والزوجة في حالة صعبة، وعليه بمجرد ما أن رأى الأهل الحالة التي عليها ابنتهم، نقلوها إلى مستشفى العدوة المركزي، لكن توفاها الله قبل وصولها.

كان الوضع صعب، والحالة التي ماتت عليها "عزيزة" غامضة، وغموضها هذا يوحي بأن ثمة شيء حدث لها داخل عيادة الطبيب "محمد. ع"، الأمر الذي معه أدى إلى وفاتها.
هذه الشكوك أكدها مفتش مكتب صحة العدوة في تقريره بعد فحص الحالة، والذي أورد فيه نصًا؛ أنه تبين له وجود إصابات بالمتوفاة نتيجة ولادة طبيعية متعسرة، أدت إلى انقباض عضلة الرحم، واتساعه على خلاف الاتساع الطبيعي، وحدوث نزيف حاد وجلطة رئوية، وظهور علامات الإصابة بأنيميا حادة، كشحوب الوجه واصفرار اليدين وجفاف الشفتين وتساقط الشعر، وأقر في تقريره وجود إهمال طبي؛ تمثل في عدم إجرائه للمريضة الفحوصات والتحاليل اللازمة قبل عملية الولادة، وكذا عدم وجود عينات دماء وعدم وجود طبيب تخدير، وأكد أن إصابة المريضة بأعراض الأنيميا يستلزم إجراءها العملية داخل مستشفى، وأنهى تقريره مفندًا سبب الوفاة هو عدم اتخاذ الإجراءات الطبية.

حقائق ومفاجآت


جثة هامدة داخل ثلاجة المستشفى، وحولها الأهل في حسرة وبكاء، وصراخهم يشق الأرض شقا، والزوج هو الأخر في حالة ذهول، يبكي وهو يقرأ تقرير مفتش الصحة عن الحالة، وأصبح بين شقي الرحى، أيحزن على وفاة مولوده؟، أم يحزن على وفاة زوجته وشريكته؟.. يأخذها ويدفنها ويتلقى العزاء فيها؟، أم يواصل البحث عن حقها ويسترده؟، في الحقيقة اختار الزوج الخيار الثاني، وهو أن لا يضيّع وفاتها هدرًا، وأن يأخذ حق زوجته مهما كلفه الأمر، وعليه حرر محضرًا بالواقعة، يحمل رقم ٤٩٢٥ لسنة ٢٠٢١ جنح العدوة، وبدأت الأجهزة الأمنية تتابع تفاصيل الحادث.

بداية التحقيقات كان الوضع غريبًا بعض الشيء، الدكتور ينفي ما أسند إليه من اتهامات، وعزز موقفه بأن قال: أنه اتخذ كل الإجراءات الطبية الممكنة لإسعاف المريضة، لكن كل هذه الإسعافات لم تجدي نفعًا مع حالتها المتأخرة، لكن مع بداية التحريات حول الواقعة.. وفحص العيادة الطبية وغرفة العمليات التي تمت فيها عملية الولادة، وسجل العمليات التي قام بها الطبيب اتضحت الكثير من الحقائق.

هذه الحقائق أوردها تقرير الطب الشرعي، وتقرير اللجنة الثلاثية، وتقرير العلاج الحر من الإدارة الصحية في مركز العدوة، أولها أن عيادة الطبيب الخاصة غير مرخصة، وأنها لا تتبع سياسة مكافحة العدوى، ولا يوجد بها تمريض، وغير مصرح بإجراء عمليات كبرى أو صغرى بداخلها، وقد صدر لها قرارًا من وكيل صحة المنيا تحت رقم ٥٥ لسنة ٢٠١٩ بالغلق الإداري، لكن  قرار الغلق لم ينفذ.

وبالرغم من كل هذه المخالفات الجسيمة أقر الشهود؛ أن الطبيب طلب منهم التوقيع على قرار يجنبه المسؤولية إن حدث للمريضة أي شي، وأن الطبيب أعطى للمريضة أقراص "ميزوتاك" وهو عقار لا يسمح بصرفه إلا في المستشفيات فقط، وكان عليه أن يقوم بتحويل المريضة إلى مستشفى العدوة المركزي لكنه طمعًا في ما سيجنيه من أموال فضل المخاطرة بحياة الأم عن أن يكتب جواب تحويل للمستشفى وهي لا تبعد عن عيادته بأكثر من ١٠ دقائق سيرًا على الأقدام.

تعارض ما قاله الطبيب مع ما جاء في تقارير الطب الشرعي والعلاج الحر عن عيادته الخاصة وحجم الإهمال الموجود فيها، وتفاصيل الواقعة ووفاة "عزيزة" والحالة التي كانت عليها قبل وفاتها وسبب الوفاة فتح أبوابًا جديدًا في إجراءات التقاضي، فبعد أن أنهت مباحث العدوة تحرياتها وإحالة المحضر إلى النيابة العامة؛ بات وشيكًا فداحة ما ارتكبه الطبيب، وأنه مدان وأن العقوبة قادمة لا محالة، وعليها نصحه البعض أن يذهب إلى أهل المتوفاة في قرية العقلية التابعة لمركز العدوة يعرض عليهم الصلح مقابل مبلغ مالي، ويتنازلون في المقابل عن دعواهم، لكن هذه النصيحة المغلفة برداء المكر لم تجدِ نفعًا، اللهم أنه تأكد من أسرة المجني عليه أنه لا تهاون في دم "عزيزة"، وأنه لا رجعة عن استرداد حقها.

وقد أسندت النيابة العامة للطبيب بعض الاتهامات منها؛ أنه تسبب خطأ في وفاة المجني عليها بسبب إهماله وعدم مراعاته القوانين واللوائح والقرارات المنظمة لأصول مهنته، وكذا مزاولة نشاطه في عيادته الخاصة غير المرخصة، وغير المؤهلة لإجراء أي عمليات جراحية داخلها، كما أن عيادته سبق أنه صدر ضدها قرار بالغلق، ولم يمتثل للقرار ولم يقم بتنفيذه، وبعد سماع أقواله وأقوال شهود العيان وذوي المجني عليها، أحالت النيابة العامة القضية إلى المحكمة المختصة.

الحكم


نظرت المحكمة القضية، وحققت مع المتهم في الاتهامات الأربعة الموجهة إليه، ولما ثبت لديها دليل إدانته، أصدرت حكمها الأول بتاريخ ١٠ فبراير ٢٠٢٢، والذي جاء فيه حبس المتهم سنة وغرامة مالية قدرها ٥٠٠ جنيه، عن التهمة الأولى، وهي تسببه خطأ في وفاة المجنى عليها، وحبسه ٦ أشهر وغرامة مالية قدرها ٢٠ ألف جنيه، عن التهمة الثالثة، وهي إدارة منشأة سبق صدور قرار إداري بغلقها، وغرامة قدرها ٢٠ ألف جنيه عن التهمتي الثانية والرابعة، وهما قيامه بإجراء عمليات جراحية دون ترخيص مسبق ودون جاهزية، وداخل عيادة غير مرخصة طبيًا، كما أمرت بكفالة قدرها ٢٠ ألف جنيه وإلزامه بالمصاريف الجنائية، وإلزامه أيضًا بأن يؤدي لذوي المجني عليها تعويضًا مدنيًا مؤقتًا قدره ١٥ ألف جنيه وواحد. بالإضافة إلى أتعاب المحاماة والمصاريف.

عن إجراءات التقاضي وطعن المتهم على الحكم أول درجة، يوضح محامي المجني عليها "إبراهيم هيبة" لـ "أخبار الحوادث" قائلا: "استمرت إجراءات التقاضي أقل من سنتين، دافع فيها المتهم عن نفسه وحاول التنصل من كافة التهم الموجهة إليه، عن طريق الحيل آخرها عرض مبلغ مالي للتنازل عن الدعوى، وعندما صدر أول حكم ضده طعن عليه، واستمرت إجراءات التقاضي بعد الطعن قرابة الـ ٦ أشهر، لم يثبت فيها المتهم براءته من كل التهم المنسوبة إليه، بل جاء في حكم المحكمة أن ادعاءاته ما هي إلى وسيلة لتعطيل سبل الفصل في القضية، وعليه صدر حكمها النهائي في ٢٥ سبتمبر، الشهر الماضي، بتأكيد حكم أول درجة".

وأضاف: "بعد أن حكمت المحكمة لصالح موكلي، يتبقى الأن تنفيذ العدالة، فالمتهم قد أغلق عيادته من حينها، ولم يأتِ إلى مركز العدوة إلا في الأيام التي كانت فيها الجلسات، وبعد تأكيد الحكم هرب، وهروبه ما زال مستمرًا حتى الآن، لذلك نطالب الجهات المختصة وفي القلب منها مباحث تنفيذ الأحكام القبض على المتهم لقضاء عقوبته وتنفيذ العدالة، ونصرة لتلك المسكينة التي راحت ضحية طبيب طائش يتلاعب بأرواح الناس، فنحن على يقين أنه مهما طال هروبه حتماً سيقع في قبضة رجال الأمن".

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة