أسامة عجاج
أسامة عجاج


أسامة عجاج يكتب: أكتوبر … تعددت الروايات والنصر واحد

أسامة عجاج

الخميس، 03 نوفمبر 2022 - 05:19 م

 

أتمنى أن نعتبر ٢٠٢٣ كله عاما للنصر، بمناسبة العيد الذهبى لحرب أكتوبر العظيمة، فهى أحد أهم النقط المضيئة، وملحمة نضالية، شارك فيها كل قطاعات الشعب المصرى، وفى القلب قواتنا المسلحة.

أعادتنى دراسة كتبها دبلوماسى جزائرى نابه، هو الدكتور مالك الموصلي، والذى ينتظره مستقبل مشرق، سواء فى خارجية بلده، أو فى الجامعة العربية، إلى مراجعة ثانية ودقيقة، وقراءة متأنية لمذكرات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، والتى صدرت فى كتابى (شاهد على الحرب والسلام) (وشهادتي)، وهما أكبر من مذاكرات شخصية، وتحولت الى سردية كاملة للدبلوماسية المصرية، بكل التحديات التى واجهتها، والنجاحات التى حققتها، باعتبارها احد مؤسسات مصر العريقة، بعيون ابو الغيط والذى تجاوزت سنوات عمله الدبلوماسى اكثر من ٥٥ عاما، عمل خلالها فى مناصب عديدة، ومواقع مختلفة داخل الوزراة وخارجها، ومن اهمها فترة عمله فى مكتب مستشار الأمن القومى حافظ إسماعيل، والأخير أحد الشخصيات العظيمة، التى تستحق إلقاء الضوء عليها وأدوارها التاريخية وكلها كانت فى الظل لطبيعة مهامه، فأبو الغيط كان الشاهد المشارك فى أربع مراحل زمنية متتالية، ما بين هزيمة يونيو ١٩٦٧، وقرار الدخول فى عمل عسكرى واسع النطاق، والصدام المسلح، والتداخل بين نهايات الحرب وبدايات السلام، عندما صمتت المدافع، ثم عملية السلام، و المذاكرات تكشف عن كواليس عملية وصنع القرار وآلياته فى تلك الفترة الحاسمة، وبالوثائق التى اطلع عليها بحكم عمله، وتكليفه فى فبراير ١٩٧٤ بإعداد عملية ارشفة لكافة الوثائق والمستندات بالغة الأهمية، وذات السرية العالية، الموجودة فى ملحق بمكتب حافظ إسماعيل فى أحد القصور الرئيسية فى نهاية فترة عمله.

مقارنات كاشفة
ونعود إلى دراسة الدكتور مالك الموصلي، والذى يعمل حاليا رئيس إدارة مجلس التعاون الخليجى واليمن بالجامعة العربية، وكان مسئولا عن الملف السياسى فى بعثة الجامعة العربية فى موسكو خلال ثمانى سنوات، انتهت فقط منذ أشهر، حيث أتاحت له فرصة تواجده هناك، إصدار دراسة عنوانها (روسيا فى كتب أحمد أبو الغيط)، مع مقارنة بين الرؤية الواردة فى كتابى (شاهد على الحرب والسلام)، (وشهادتي) لأحمد ابو الغيط، مع ما جاء فى مذاكرات بعض من الدبلوماسيين الروس الفاعلين فى تلك الفترة، وهم مذاكرات السفير السوفيتى الأسبق فى مصر، فينو جرادوف خلال حرب ٧٣، بعنوان (مصر: من عبدالناصر إلى حرب أكتوبر من أرشيف السفير)، وسفيرهم فى فى واشنطن أناتولى دوبرينين، (بكل ثقة: سفير موسكو لدى ست رؤساء أمريكيين)، والثالث السفير فيكتور إسرائيليان سفير موسكو فى الامم المتحدة، بعنوان ( فى جبهات القتال الحرب الباردة–مذكرات سفير سوفيتي)، وأخيرا رؤية المؤرخة والأكاديمية الروسية الحديثة تاتينا نوسينكو الواردة فى مقال طويل، بعنوان (موقف الاتحاد السوفيتى خلال حرب أكتوبر: صفحات غير معروفة وتفسيرات تاريخية)، أهمية الدراسة أنها تتضمن رؤية أحمد أبو الغيط حول الاتحاد السوفيتي، حيث يتوقف فى مذاكراته عن النهج التوسعى الهجومى للسوفيات فى السبعينات، وحالة الترهل والركود التى عاشها الاتحاد السوفيتي، وعدم منح حرية الحركة أو اتخاذ القرار للصف الثاني، والاعتقاد السائد والمبالغ فيه لدى القادة السابقين والحاليين، على القدرة على تحطيم الغرب، أو منافسته مع تضخيم القدرات الاقتصادية لهم، ونجاح واشنطن فى جر موسكو إلى سباق مسلح، تسبب فى انهيار الاتحاد السوفيتي، كما وقعوا فريسة التوسع الزائد، كما حدث فى غزوهم لأفغانستان، وكانت النتيجة كما جاءت فى مذاكرات احمد ابو الغيط، ووفقا للدراسة خيبة امل كبيرة فى التجربة الاشتراكية التى رفع لواءها الاتحاد السوفيتي

تحدى الكبار
وتكشف لنا دراسة الدبلوماسى الجزائرى دكتور مالك الموصلى عن حقيقة مهمة، تحسب للقيادة المصرية فى ذلك الوقت، أن حرب أكتوبر جاءت على عكس رغبة كل من الاتحاد السوفيتى وأمريكا، خاصة بعد الوفاق الذى تم فى لقاء موسكو بين الرئيس نيكسون وليونيد برجنيف السكرتير العام للحزب الشيوعي، فى مايو عام ١٩٧٢ وزيارة برجنيف إلى واشنطن فى يوليو ١٩٧٣، وذلك للتوقيع على اتفاقيات تخص الحد من التسلح، واستقرار الرأى بينهما على أهمية توفير الاسترخاء العسكرى فى علاقاتهما، وفى كافة المشاكل الدولية التى تحظى باهتمامها، وفى مقدمتها بطبيعة الحال الوضع المتوتر فى الشرق الأوسط، وسعدا معا بحالة (اللاحرب واللاسلم)، وكان للرئيس الراحل السادات رأى آخر حيث سابق الزمن على صعيدين، الأول، العسكرى حيث تزايدت معدلات الاستعداد للخيار العسكري، وهو اختيار صعب وهدفه تحرير الأرض المصرية المحتلة فى عام ١٩٦٧ وكان مطروحا منذ ذلك التوقيت، والخيار الثانى البديل هو البحث عن تسوية سلمية، تضمن له انسحاب إسرائيل من كل الأراضى العربية، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، واستعان بذلك بكل قادة الدول التى لها صداقات مشتركة بين القاهرة وتل ابيب، ومنها رومانيا ويوغسلافيا وحتى قبرص، وجوبهت كل تلك المحاولات، بتعنت إسرائيلى واضح.

القرار المصيرى
وجاء يوم الثلاثين من سبتمبر عام ١٩٧٣، حيث دعا الرئيس السادات لاجتماع مجلس الأمن القومي، وكان الأخطر فى تاريخ مصر، حيث كان هناك بند واحد على جدول الأعمال، وهو الاختيار بين بديلى الحرب أو التسوية حيث جرت نقاشات مطولة، بمشاركة محمود فوزي، وعزيز صدقي، والفريق أحمد إسماعيل، وعبدالقادر حاتم، وحافظ بدوي، وأحمد ثابت وزير التموين، وممدوح سالم وزير الداخلية، ومحمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى وأشرف غربال، وينقل أبو الغيط عن السادات قوله: إن أياً من حكام مصر على مدى عشرة آلاف سنة لم يواجه الوضع الذى يواجهه، وأن الواجب الآن اتخاذ القرار المصيري، وأن تعتمد مصر على نفسها، لأن المطروح أفكار أمريكية تنتهى بحل جزئي، يحوّل الاحتلال إلى حقائق باقية، وشرح الوضع الاقتصادى الصعب، وتحدث عن موسكو التى تدعم مصر لكنها تتمسك بالأساليب القديمة، لابقاء مفتاح الموقف فى يدها، وأن القوات المصرية من أكتوبر ١٩٧٢ وخلال عام كامل جرى إعدادها ولها قدرات كبيرة، وأنه يطلب رأى الجميع فى هذا القرار. وتحدث المشاركون كل برأيه، البعض يتخوف، والآخر يتحدث عن صعوبات الوضع الداخلي، وفريق آخر يطلب المزيد من الحشد العربي، ومجموعة ترى أن الصبر لستة شهور، لتأمين مشاركة عربية.وقد انتهى الاجتماع فى الساعة الثانية من فجر اليوم التالي، باتخذ قرار الحرب، ويذكر أبو الغيط أنه شك فى أن يكون وزير الخارجية المصرى الدكتور محمد حسن الزيات موجوداً فى نيويورك قبل الحرب، زيادة فى التمويه، لدرجة أن الأمر انطلى على أمريكا بكل مؤسساتها الاستخبارية والأمنية. فيخبرنا أن الزيات تلقى اتصالاً فجر السادس من أكتوبر بتوقيت أمريكا، أى قبل بدء عملية العبور بحوالى ساعتين من كيسنجر، طالباً طمأنة القيادة المصرية، بعدم وجود نيات إسرائيلية ضد قواتنا المسلحة، وذلك فى ضوء ما وصل إليهم من معلومات، بأن مصر تحشد قواتها على خط الجبهة، وهى الرسالة التى نقلها حسن الزيات إلى حافظ إسماعيل فى توقيت بدء عبور القناة. وتغيرت الأمور بعد أن بدأت الحرب، وإنجاز العبور، حيث أعاد كيسنجر الاتصال طالباً من مصر إعادة قواتها والعودة إلى مواقعها، وإلا سيصيبها الدمار والخراب، كما طالب الاتحاد السوفياتي، مصر بضرورة إيقاف الحرب لتجتمع واشنطن وموسكو لسرقة الانتصار العظيم.

اختلافات وتباينات
ونعود من جديد الى دراسة الدكتور مالك الموصلي، حول المقارنة بين الطرفين المصرى والروسى فى تقييم ماحدث، حيث ركز السوفيت على سوريا فى مسألة الدعم العسكري، بينما استمرت ضغوطهم السياسية على مصر، فى قضية وقف اطلاق النار، خاصة فى ظل قناعة بأن أى جهد روسى أمريكى فى مجلس الأمن، سيفشل فى حالة إعاقة مصر لها، ودعم الصين لها وهو نفس الموقف الذى فرضت أحداث الحرب على السادات القبول بوقف إطلاق النار متأخرا.

فقد اعتبرها الروس أنها أحد أخطاء الرئيس السادات، خاصة بعد رفضه ضغوط كوسيجين اثناء زيارته للقاهرة، بينما التزم أبو الغيط بالرؤية المصرية، فى مقولة الرئيس السادات (قد استطيع محاربة اسرائيل ولكن لايمكننى الدخول فى مواجهة مع أمريكا)، على ضوء الجسر الجوى من الإمدادات العسكرية الأمريكية غير مسبوقة، لإنقاذ إسرائيل من هزيمة ساحقة، ويتقاطع أحمد ابو الغيط مع مجموعة السفراء الروس فى تقييم أداء الاتحاد السوفيتي، حيث يصفها أبو الغيط أنها فاشلة، أدت الى خروجه من المنطقة العربية، بعد توتر مكتوم وعدم ثقة انتهت إلى تلك النتيجة)، حيث لم يتفهموا طبيعة الجرح الذى أصاب المصريين من هزيمة ٦٧، وضرورة خوض الحرب والانتقام لشرف العسكرية المصرية، يضاف إلى ذلك نجاح السادات فى استخدام السوفيت كورقة ضغط، فى الالتزام الذى تحدثوا عنه قبل عمليات الحرب، فى الاتصالات السرية التى قام بها مستشار الأمن القومى محمد حافظ إسماعيل وكيسنجر فى أحد ضواحى نيويورك فى فبراير والثانية فى إحدى ضواحى باريس مايو ١٩٧٣، دون أى دراية للسوفيات بما يجري، لدرجة أنه جرى حوار بعد سنوات بين أبو الغيط -كما ذكر فى مذاكراته- عندما كان مندوبا لمصر فى الأمم المتحدة مع كيسنجر، حيث قال (إن ما جرى فى تلك الحوارات كان سببا لذهاب مصر للحرب)، وهو ما نفاه الأخير، حتى لا يتهم بأنه من دفع القاهرة للهجوم على تل أبيب.

وخلص الدكتور مالك الموصلى أن، الدبلوماسية المصرية النشطة فى تلك الفترة، حققت انجازات، بالمقارنة بباقى الدول العربية، الدراسة مهمة انتظر خروجها فى كتاب، أما مذاكرات أبو الغيط، فتحتاج إلى قراءة أكثر من مرة، ففى كل سطر هناك جديد، ومع كل صفحة تجد أسرارا، الكثير منها تعرفه لأول مرة، بعد أن اعتمد أبو الغيط على تسجيل يومياته طوال فترة عمله فى الخارجية المصرية.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة