الأستاذ بهاء طاهر
الأستاذ بهاء طاهر


درس الأستاذ بهاء طاهر

أخبار الأدب

السبت، 05 نوفمبر 2022 - 01:12 م

كل موت يشبه صاحبه. 
لم أتمكن من إبعاد هذه الجملة عن ذهني فيما يتزايد الاهتمام بخبر رحيل بهاء طاهر ليتجاوز دائرة المثقفين والمسؤولين وينتقل إلى الناس، ويخرج من إطار بلده مصر إلى العالم العربي. تصاحبني الجملة بينما أعمل على هذا العدد الخاص مع ما يتطلبه من معايشة مكثفة لحياته، تصبح إطارا لكل ما أعيد قراءته له من أعماله الأدبية، مقالاته، لصوره، لصوته محاورًا في الإذاعة.


لماذا أحب الناس بهاء طاهر؟ ومتى تكون هذا الحب واشتد عوده وترسخ في القلوب إلى الدرجة التي لا يقبلون فيها رأيًا ضده وسط سيل عام من المدح والإعجاب؟ 
في منتصف التسعينيات عاد بهاء طاهر من الخارج، معارك كثيرة كانت قد انتهت وأخرى على وشك أن تبدأ، ما يؤمن به على وشك السقوط التام، إن لم يكن قد انهار بالفعل، قضايا مثل القومية العربية، وعلاقة المثقف بالسلطة، الحق الفلسطيني، وغيرها من الإرث الستيني كانت أشبه بجدران قائمة وخلفها خواء.


«مازلت أرى أن للكتابة رسالة ودورًا. ولم أستطع أن أتحضر لدرجة تذوق الأدب بمعزل عن الرسالة» هكذا يكتب فى «إبداع» نوفمبر 1984 تعليقًا على عدد خصصته المجلة للقصة القصيرة، وعلى امتداد المقال يؤكد طاهر على فكرته تلك حول رسالة الأدب، بهدوء وبلا سعي للصدام لكن بإصرار ويقين. غير أن ذلك اليقين لم يكن يناسب على الإطلاق الفترة التى عاد فيها. 


هذا العدد الخاص يرصد أمورًا عدة على رأسها كم كان بهاء طاهر مختلفًا. هذه واحدة من السمات الرئيسية في شخصيته، وهو ما ميزه إلى النهاية، الإيمان بما يراه، والتمسك به، لكن وبجانب هذا، وهو الأمر المهم هنا، المرونة التي تسمح لصاحبها بالاستماع إلى الآراء الأخرى والحوار معها انطلاقًا من تصور لديه لدور المثقف، وتعريف للثقافة ووظائفها.


لا أظن أن ثقافتنا اشتبكت في جدل حقيقي مع أفكار بهاء حول دور المثقف، ربما هذه واحدة من كوارث الثقافة المصرية، والعربية بالطبع، أنشطة فردية تنتهي بانتهاء الحدث الذى احتواها، سواء كان ذلك مؤتمرًا، احتفالية، إصدارًا ثقافيًا.

ولا تتشكل رؤى ما بقدر ما ينشأ من تحزبات لمواقف واتجاهات يتم بناء عليها التصنيف المريح الذى لا يقبل المراجعة إلا باشتباك أجيال جديدة في الصراع بإعادة القراءة بأدواتها المعرفية المختلفة، وفهمها المغاير للواقع والفن والثقافة، وهو بالضبط ما حدث في حالة بهاء طاهر.


فى يوليو 1995 تفرد له «الهلال» مقالًا حول «الكاتب والسلطة» يناقش فيه القضية بعد عرض موقفين أساسيين فى الثقافة العربية، أحدهما لابن المقفع والآخر لابن خلدون، من غرور الأول الذى يتصور فى نفسه، كمثقف، القدرة على إصلاح الحاكم والرعية معا، إلى تواضع واستكانة الثاني الذى لا يعتقد أن المثقف يمكن أن يكون له دور مؤثر بمعزل عن السلطة والتبعية لها. 


لكن بهاء لا يرى الأمر بالنسبة لنا محصورًا في هذين الموقفين، يرصد من واقع خبرته في الخارج كيف هى تلك الديموقراطية المحاصرة والمهددة بسلطات مغايرة للمعهود والتى يصعب في كثير من الأحيان الاقتراب منها.

وعلى رأسها سلطة رأس المال. ثم يبحث في وضع المثقف المصري الذي تكالبت عليه الظروف الداخلية والخارجية لضرب الثقافة الوطنية والتقدمية، ومع اعترافه بأن المثقف، في هذا، يبدو كمن انهزم لكنه لا يفقد الأمل في عودة ذلك الدور الحيوى لقيادة المجتمع.


في كل ما تقرأ لبهاء يمكن بوضوح رؤية هذا الموقف الصادق والمغلف بروح وطنية وقومية جارفة، ومع هذا فإن الفن دومًا فى قلب ما يكتبه، لا ينسى لحظة أنه حكاء، والحكاء الماهر يخفى ذاته على الدوام فلا يبين له من أثر إلا عندما يصمت، ساعتها يفتقده من ألفوا حكاياته.


قبل أيام كنت أحادث ابنته يُسر ومحور كلامنا كان عن تظاهرة الحب التي أحاطت رحيله وحملته بحنان إلى أرض الضفة الأخرى وتمنت أنه يشعر حيثما هو بهذا القدر من العاطفة لأنه يستحق ذلك. وأنا أثق أن هذه المشاعر تصل إليه لا لشيء إلا لأن كل موت يشبه صاحبه!

اقرأ ايضا | جادت به أرض مصر ليثري الإبداع.. ماذا قال المثقفون في وداع بهاء طاهر؟

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة