د.أحمد الضرغامى، مدير برنامج الخدمات الأساسية والتغيرات المناخية
د.أحمد الضرغامى، مدير برنامج الخدمات الأساسية والتغيرات المناخية


د.أحمد الضرغامى مدير برنامج الخدمات الأساسية والتغيرات المناخية بالأمم المتحدة لـ «الأخبار»:

مشروع الدراجات بوسط البلد لن يزيد الازدحام والتخطيط استغرق ٦ سنوات

عمرو جلال

السبت، 05 نوفمبر 2022 - 04:00 م

المواطن لن يترك السيارة ويركب الدراجة إلا لو كانت الرحلة مريحة وآمنة وممتعة 
«المترو باص» سيربط المدن الجديدة بالقاهرة الكبرى قريبًا

المرحلة الثانية من «دراجة القاهرة» ستضم شبكة من 45 محطة بمناطق جاردن سيتي والزمالك

تساؤلات عديدة طرحها المواطنون حول مشروع «كايرو بايك» للدراجات وهو الحلم الذي طال انتظاره لتصبح مصر مثل الدول المتقدمة التي تضع في حسبانها طرقا مخصصة لمسارات الدراجات ضمن تخطيط الشوارع والمدن كما تعد تلك المنظومة الأولى من نوعها في مصر نظرًا لأن التجارب السابقة كانت تقتصر على المجتمعات العمرانية المغلقة أو في نطاقات ضيقة أخرى.

وعقب افتتاح المشروع ظهرت بعض السلبيات حيث قامت السيارات باستخدام مسارات الدراجات للوقوف والانتظار داخلها وكذلك الدراجات النارية استغلتها للسير فيها وكذلك شكوى البعض من أن تلك المسارات تسببت في مزيد من الازدحام في تلك الشوارع المزدحمة والضيقة في الأساس..

وللإجابة عن جميع تلك التساؤلات، التقينا بالدكتور أحمد الضرغامي مدير برنامج الخدمات الأساسية والتغيرات المناخية الذي يعمل ضمن برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية وهو البرنامج المسئول عن التخطيط لمشروع «كايرو بايك» بالتعاون مع محافظة القاهرة وشركاء التنمية بتمويل من مؤسسة دروسوس السويسرية ودعم فني وإشراف من قِبل معهد سياسة النقل والتنمية (ITDP) منذ بداية مراحل التخطيط للمشروع في عام 2016.

في البداية سألته.. لماذا اخترتم منطقة وسط البلد المزدحمة والمكدسة بالسيارات لتكون نقطة انطلاق مشروع دراجات القاهرة؟

مشروع الدراجات يستهدف في الأساس المناطق كثيفة السكان وشديدة الازدحام بهدف تقليل التلوث البيئي في تلك المناطق من خلال وضع بدائل لاستخدام السيارات والدراجات النارية التي تعمل بالوقود وأيضا ليكون تشغيلها اقتصاديا وهناك مخطط للمزيد من التطوير في منطقة وسط البلد والمناطق المجاورة من قِبل وزارة الإسكان والمحافظة ومكاتب استشارية مصرية رائدة في هذا المجال وبالتشاور والتنسيق المستمرمع إدارات المرور، للتخطيط للانتقال التدريجي نحو الفكر الجديد.

بحيث تتضمن التصميمات القائمة التي تم إعدادها شبكة متكاملة من المسارات المنفصلة للدراجات دون التأثير على عدد حارات المرور وقد استغرق دراسة الأمر ٦ سنوات. وتم توريد وتشغيل المنظومة من خلال تحالف من شركة مصرية رائدة -راسكوم الهندسية للبنية التحتية-وشركة دنماركية -دونكى ريبابلك- لها سابق خبرة في أكثر من 70 مدينة حول العالم وشبكة من أكثر من 16000 دراجة.

لكن شاهدنا سيارات تستخدم مسارات الدراجات للوقوف ودراجات نارية تسير فيها عقب افتتاح المشروع كيف سيتم التغلب على هذا الأمر؟

كل تلك عقبات متوقعة بسبب عدم اعتياد المواطنين وقائدي السيارات على الأمر ومعاقبة المخالفين ومع الوقت سيواكب هذا عدة تدخلات أخرى لتطوير المدينة وتحسين الأمان وتفعيل سياسات إدارة المساحات العامة وركن السيارات وتسهيل المشي ونمط الحياة الصحي وتغير الثقافة العامة للتجاوب مع طموح الشباب لمدينة آمنة وممتعة ونابضة بالحياة.

كما أن هناك تطورًا ملحوظًا في الوعي والثقافة كل يوم من قِبل جميع الجهات. فنشهد اليوم تطورًا سريعًا فى توفير وسائل نقل ومواصلات متنوعة، سواء في المدينة أو بين المدن والمحافظات، بما في ذلك البنية الأساسية الداعمة لتلك البدائل والبنية الرقمية التى تسمح بتوظيف تكنولوجيا المعلومات لتسهيل ورفع كفاءة الوسائل المختلفة وتضافر خدماتها.

الكثير من الناس لن يترك السيارة ويركب الدراجة إلا لو كانت الرحلة مريحة وآمنة وممتعة كما يحدث في الخارج.. كيف تتعاملون مع ذلك؟

هذا ما نسعى إليه في المرحلة القادمة؛ لأن هناك إجماعا أننا لا نريد مدينة تمثل «جراجا» كبيرا وملوثا، بل نريد مدينة جميلة نستطيع أن نمارس فيها نمط حياة صحي وعندما تتوافر لنا تلك العناصر اللازمة في المدينة ستكون الدراجة والمواصلات الآمنة بديلا للسيارة ومن ضمن الرؤية المستقبلية أيضًا، دمج منظومة الدراجات فى الخرائط الرقمية السائدة للطرق والمواصلات التي نــستخدمها جميعًا، وهذا نظرًا لأن كلمة «دمج» هي كلمة السر لمستقبل وسائل النقل ومختلف خدماتها وتطبيقاتها. وبذلك يتم إضافة وسيلة إضافية خضراء وصحية وممتعة ضمن مزيج واسع من الاختيارات الأخرى المتنوعة، وهذا التنوع هو ما تتميز به المدن المستدامة والنابضة بالحياة.

البعض يرى أن مسار الدراجات يؤدي للازدحام المرورى؟ كيف تواجهون تلك المعتقدات السلبية؟

أولاً: يجب التنويه أن ما يحدث حال توسيع الرصيف لصالح المشاة ومسارات الدراجات الآمنة هو أن بعد التوسيع نرى أن نسبة المشاة الذين يسيرون فى نهر الطريق وسط السيارات تقل، وهذا لأن الإقبال على استخدام الرصيف المطور والأوسع يزيد. فكثيرًا ما نرى رصيفًا ضيقًا أو به إشغالات فوق طاقته ينتج عنها الدفع بالمشاة للنزول للشارع رغم المخاطر والضوضاء والتلوث الأعلى نسبيًا، وهذا يتسبب فى الازدحام وكذلك التعدى على حقوق المشاة وراكبى الدراجات، فالجميع «خسران».

وثانيًا: وما تم إثباته وفقًا لرصد تراكم خبرات مدن العالم ونتائج بحثية-فعند تضييق بعض الطرق فى المناطق السكنية لصالح المشاة أو الدراجات (أى توسيع الرصيف)، فهذا ينتج عنه ظاهرة «التبخر المروري»(Traffic Evaporation). بالطبع قد نرى فى الأول أنه بعد مرور المركبات يظهر فى مناطق أخرى يهرب إليها كما يتوقع الكثير، ولكن من الغريب أن ما تم رصده فى التجارب العالمية مع مرور الوقت هو أن نسبة أخرى من المرور -وهى نسبة كبيرة - «تختفى»، وفقًا لنتائج رصد التغيرات فى الكثير من مدن العالم سواء فى دول متقدمة أو دول نامية.

يرجع هذا إلى «الاختفاء» أو «التبخر» الجزئي لعدة أسباب، فمنها: التأقلم مع الوضع الجديد وتغير جزئى فى اختيارات المواطنين وأنماط حياتهم وأنماط التنقل والتوجه لبدائل متنوعة أو تقليل الاحتياجات أو إعادة توزيع الأدوار بالمنزل أو تغير فى سياسات العمل الخاصة بأوقات العمل أو العمل عن بعد أو التسوق من المنزل أو الإقبال على المشى والدراجات والمواصلات العامة أو إلغاءات لبعض المشاوير غير الضرورية وغير ذلك من ظواهر التأقلم السلوكى والتغيرات فى المجتمع وفى إدارة الحياة اليومية والمزيج من كل تلك الأساليب الموجودة للتأقلم.

هل الاسترشاد بتجارب دول العالم كافٍ للتخطيط لمدن مصر وظروفها المختلفة؟

بالطبع نحن لم نعتمد على نتائج دول أخرى فقط، فهى فقط للاسترشاد والتعلم من أخطاء الآخرين، وقد تختلف بعض الظروف فى كل حالة وفى كل مدينة، ولذلك تم إعداد عدة دراسات لتقييم التأثير المرورى الناتج عن مختلف سيناريوهات مسارات الدراجات فى المناطق المنتفعة فى القاهرة بالتشاور مع الجهات المعنية ومن قبل مكاتب استشارية رائدة فى هذا المجال؛ لوضع الخطة المناسبة والتأكد من عدم الإضرار، بل والتعظيم من منافع تلك التدخلات فى تحسين الأمان على الطرق.

بهذا الفهم للتجارب العالمية والدراسات المحلية يمكن لنا أن نتفهم جزءًا من لغز الحفاظ على المساحات العامة فى حالات المدن العالية التكدس حول العالم، وكيفية حفاظهم على البيئة الملائمة للمشاة والدراجات والحفاظ على الأشجار وغير ذلك من عناصر مهددة، وهذا مثل طوكيو أو سنغافورة أو سيول أو برلين، أو مدن كثيرة أخرى انتقلت لتلك المرحلة من التطوير وانتهجت ما يسمى بـ»أنسنة المدينة».

وهذا ما نتطلع إليه فى المراحل القادمة من رحلة التعلم والتى مرت بها الكثير من دول العالم على مدار عدة عقود، ولكن الخبر السار هو أننا لن نحتاج لعدة عقود للتعلم بل نتوقع أن ما ارتقت إليه مدن العالم فى عدة عقود قد تصل إليه مدن مصر اليوم فيما لا يزيد على بضعة أعوام، وهذا لأن سرعة تطور الوعى بالقضايا البيئية والاجتماعية ومبادئ المدن المستدامة فى مصر نراها اليوم فى تقدم غير مسبوق، مما يسمح بتلك الـ «قفزة» من مرحلة إلى أخرى.

ماذا عن المرحلة الثانية من مشروع دراجات القاهرة؟

المرحلة الأولى بدأت في وسط البلد بأسطول من 250 دراجة يتم تتبعها وإدارتها بالـGPS وتتواجد موزعة على 25 محطة، وسيصل الأسطول إلى 500 دراجة فى المرحلة الثانية من التوسع خلال الأشهر القادمة لتصبح شبكة من 45 محطة، وجميعها فى أماكن استراتيجية بمناطق وسط البلد وجاردن سيتى والزمالك، وأيضًا بالقرب من محطات المترو والأوتوبيس ومقاصد الشباب المختلفة، وسوف يبدأ بتكلفة جنيه واحد فى الساعة بالإضافة إلى حزم اشتراكات أخرى وأساليب دفع مختلفة لتمكين جميع الفئات من المشاركة.

لماذا وقع اختيار برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية لتطوير منظومة النقل والمواصلات في مصر؟

تطوير منظومة النقل اليوم فى مصر محط أنظار العالم أجمع نظرًا للتقدم السريع وغير المسبوق بها.

فما نشهده الآن ليس فقط مواجهة تحدى احتياجات اليوم المُلحة فى جميع محافظات مصر ولكن أيضًا تحديات خاصة بمستقبل مهدد بالتغيرات المناخية ومخاطر بيئية مثل تلوث الهواء فى المدن وتواتر السيول وغيرها من المخاطر، وجميعها لها علاقة بالاعتماد المفرط على السيارات الخاصة والانبعاثات الناجمة عن استخدامها بدون ترشيد.

يتطلب هذا توفير بدائل وكذلك بيئة عمرانية آمنة وممتعة تحفزنا على التوجه نحو نمط حياة يتصف بالتنوع فى وسائل التنقل المناسبة للاحتياجات والمسافات المختلفة.

بعد الانتهاء من المشروعات العملاقة من وسائل النقل الجماعي مثل المترو والمونوريل والأوتوبيس السريع وتوسيع الطرق، هل تكتمل صورة المدينة المستدامة؟

فعلاً يبقى السؤال «ماذا بعد؟».. هنا نرى أنه وفقًا للتجارب العالمية عادة ما يلى تلك المرحلة عدة إجراءات وتوجه السياسات نحو تطوير ما يسمى بالـ»ميل الأخير» (Last-mile) وهو التحدى القادم، ويعنى ذلك تجربة المواطن فى أول وآخر جزء من الرحلة من المنزل لمحطة المواصلة أو من المواصلة للمدرسة أو العمل.

وأيضًا ما يسمى بـ«الميل الأوحد» (Only-mile)، ويشير هذا للمسافات القصيرة بشكل عام التى لا تتطلب سيارة أو نقلا جماعيًا. من الممكن أن يكون المترو أو الأوتوبيس المميز مريحًا، ولكن يجب التنويه أن دقيقة واحدة من المشى لمحطة المترو قد تكون تجربة غير مريحة، أو رحلة قصيرة إلى فرن أو متجر أو مدرسة قريبة من البيت أيضًا تجربة غير مريحة، إلخ. وهذا هو ما يصعب علينا الترشيد من استخدام السيارات.

وبالطبع يستلزم هذا أيضًا ترسيخ مفاهيم تصميم المدن المدمجة (Compact) ومدن الاستعمالات المختلطة (Mixed Use)، اللتين ينتج عنهما تقليل المسافات اللازمة للمواطن للوصول للمقاصد المختلفة، وتلك هى المدينة المستدامة حقًا والتى لا تتطلب استخدامًا عاليًا للسيارات والإفراط فى الطاقة واستهلاك المساحات العامة وتضييع الوقت وإرهاق المواطن.

هل ثقافة ركوب الدراجات موجودة في مصر؟ وماذا عن مشاركة السيدات؟

الدراجات في الواقع كانت جزءًا من ثقافتنا منذ زمن. فعلى سبيل المثال فى عام 1957 تم إنشاء جامعة أسيوط، وكان مؤسس الجامعة الأستاذ الدكتور/سليمان حزيِّن يستوحى فى تصميمها أفكارًا من أجمل وأحدث جامعات العالم، بما فى ذلك ما يحفز على المشى والدراجات. ما لا يعلمه الكثيرون هو أن ضمن هذه الأفكار كان هناك برنامج لتحفيز الطلّاب على ركوب ‏الدراجات، وكان هذا البرنامج يوفِّرتسهيلات مالية تسمح للطالب تملّك دراجته بمقدم جنيهين فقط وتقسيط الباقى خلال فترة الدراسة ‏وبدون فوائد. كما تم توفير أماكن آمنة لانتظار الدراجات بحرم الجامعة وطرقات صديقة للدراجات وللمشاة، وقد يكون الأهم من ذلك ‏أيضًا هو ما تم من ترويج للثقافة ذاتها والاهتمام بمشاركة الفتيات.

كان هذا فى أسيوط، ومن يزور‏ أسيوط اليوم يجد ثقافة ركوب الدراجات -رغم محدودية مشاركة السيدات- مازالت بالفعل موجودة، وأستطيع أن أعطى عدة أمثلة لمدن أخرى. ثقافة الدراجات ليست بجديدة ولكنها غابت عنا، والآن تعود لحياتنا بشكل جديد وبالتزامن مع مبادرات كثيرة نقوم بها لمشاركة المرأة، وتم إعداد خطة عمل لهذا البعد المهم من التغير الثقافى الذى نسعى إليه، وكان مبنيًا على دراسة تمت مع برنامج الأمم المتحدة للمرأة (UNWOMEN) والمجلس القومى للمرأة.

ما الجديد الذي يقدمه برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية؟

نسعى لإدماج وسائل النقل البيئية لتتكامل مع المشاريع القومية مثل ما نعده الآن من مشروعات مثل الأوتوبيس الترددى السريع أو ما يسمى بالـ»متروباص»، وهو نظام باص سريع التردد وتسير الحافلات فى مسارات مخصصة سوف نشهدها قريبًا تربط المدن الجديدة بالقاهرة الكبرى للمسافات الطويلة وتتطلب حلولا للوصول إلى المحطة-أو منها وإلى المقصد النهائي. وهذا ما نعده هذا العام أيضًا مع وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لها، وهذا ضمن تدخلات أخرى نسعى للتأكد من تكاملها جميعًا حتى لا نجد مشروعًا عملاقًا ينتهى بدون مراعاة باقي رحلة المواطن من حيث الأمان والراحة والاستمتاع.

اقرأ أيضاً| محافظ القاهرة: «كايرو بايك» وسيلة مواصلات سهلة وآمنة وصديقة للبيئة

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة