إقبال منقطع النظير على العروض المسرحية فى الأحياء الشعبية
إقبال منقطع النظير على العروض المسرحية فى الأحياء الشعبية


تجربة رائدة تم تنفيذها عام 1963 ولاقت نجاحا ساحقًا

كنوز الأميرة| من زمن فات.. المسرح ينتقل إلى الأحياء الشعبية

آخر ساعة

الأحد، 06 نوفمبر 2022 - 12:08 م

كتب: أحمد الجمَّال

أن ينتقل الفن إلى الأحياء والمناطق الشعبية، فإن ذلك هو حلم كل صناع الإبداع عمومًا، من أجل نشر الوعى والتثقيف والارتقاء بالذوق العام، وهذا ما حدث فى مصر قبل 59 عامًا، حين بدأ مسرح التلفزيون يقدم عروضًا فى المحافظات والأحياء الشعبية، وكانت النتيجة حدوث إقبال كبير على العروض المسرحية.. هذه التجربة رصدتها اآخرساعةب فى هذا التحقيق الذى نعيد نشره باختزال وتكثيف فى السطور التالية:-

 

كانت اآخرساعةب أول من طالب بأن تخرج الحركة المسرحية من موقعها فى وسط القاهرة، وأن تنطلق لعقد صلات مباشرة مع الأحياء الشعبية وفى الريف والمصانع والمحافظات، لتمد جذورها وفروعها فى أعماق الناس، وتصبح جزءًا من حياتهم.. فإن حركة ثقافية تنقطع صلاتها بالناس مهما كانت قيمتها الفنية تصبح معلقة فى الهواء.. تذروها أى رياح تهب من أى اتجاه.. وجمهور المسرح ركن أساسى من أركان هذا الفن العظيم، فلا يمكن أن تتصوَّر مسرحية تُمثَّل فى صالة خالية، فأهم وأجمل ما فى المسرح هو التأثير المباشر فى جمهور يحتشد فى مكان واحد ويتفاعل مع العمل الفنى الذى يؤدَى فى نفس اللحظة.. إن الجمهور فى المسرح يؤثر فى الممثل، والممثل يؤثر ويتأثر فى أدائه بالجمهور.

تجربة رائدة

ولقد كانت النهضة المسرحية إلى وقت قريب تحصر نفسها فى إطار المثقفين، بل فى إطار مثقفى القاهرة فقط، ولذا كان المسرح عندنا هو مسرح المثقفين.. ومنذ عدة أشهر قامت مؤسسة المسرح بتجربة رائدة عندما انتقل نشاطها إلى الإسكندرية، فتبنت فرقة الإسكندرية المسرحية ثم تلتها بخطوات أخرى فتعاونت مع محافظات السويس والدقهلية والبحيرة والغربية لتكوين فرقة مسرحية خاصة بهذه المحافظات، ومنذ أيام قامت فرقة التلفزيون المسرحية بتجربة رائدة أخرى عندما انتقلت إلى الشعب فى الأحياء البعيدة فى شبرا ومصر الجديدة والحلمية، وكانت النتيجة نجاحًا ساحقًا للجمهور وحماسًا جياشًا لهذه التجربة.

ونحن نرجو أن تتطور التجربة قريبًا ليكون فى خطة الحركة المسرحية أن تنشئ فى كل حى فرقة مسرحية خاصة به، وأن نسمع عن الفرق الخاصة بشبرا والسيدة والدرب الأحمر.. إلخ. ولأهمية هذه التجربة تابعت اآخرساعةب فرق التلفزيون فى جولتها فى الأحياء الثلاثة وسجلت انطباعاتها فى هذا التحقيق المصور.

خطف التذاكر!

فى امصر الجديدةب كان الجمهور محدودًا، وفى االحلمية الجديدةب كان يتخاطف التذاكر، وفى اشبراب ضرب الناس بعضهم بعضًا على الباب، وضربوا بعضهم بعضًا أثناء العرض، ودفعوا مائة وعشرين جنيهًا، وشغلوا ألف مقعد، وكان نصفهم على الأقل يشهد المسرح لأول مرة فى حياته.

لم يكن أحد يتصوَّر فى البداية ما الذى ستتمحض عنه التجربة، ولا أحد يستطيع حتى الآن أن يتنبأ بكل النتائج، فالتجــربــة لا تــــزال فى الشهر الأول، ومسارح التلفزيون لا يــــزال فى برنامجها شهران آخران تتجول خلالهما فى الأحياء الشعبية.

على أنه يمكن أن يقال - من الآن - إن نزول المسرح إلى الأحياء الشعبية سيؤدى إلى انقلاب كبير.. لا فى ثقافة الجماهير وحدها، بل فى ثقافة أهل المسرح أنفسهم، لقد فوجئت روحية خالد مثلًا بأن اهذا الجمهور الشعبى مهذب جدًا، وحسَّاس جدًا، وأكثر طاعة لنا وعطفا علينا من الجمهور الذى اعتدنا أن نمثل أمامهب.

مشقة

واكتشفت الممثلة الناشئة عطيات عوض أن قضاء العمر فى مسرح من هذا النوع اهدف فنى لا يقل إغراءً عن العمل فى مسرح الجيب أو المسرح القوميب، وبالنسبة إلى كوثر العسال، فالتجربة تتيح امتعة كبيرة، بالرغم مما تنطوى عليه من مشقةب، ولكن لماذا المشقة؟ لأن المسرح يتنقل كل يوم إلى حى جديد، ودور السينما غير مزودة بمنصة مسرحية، فلابد كل يوم من إقامة المنصة والستائر، وهى عملية تتم، كما يقول حسن الشوربجى رئيس التنفيذ المكلف بالتجربة افى أقل من ساعتينب فهى عملية أقرب إلى السباق، كما يتعين على الممثلين والفنيين أن يتنازلوا عن كثير من الإمكانيات التى يتمتعون بها فى المسارح المجهزةب.

وفى رأى الجميع مع ذلك أن الجمهور يعوضهم عن كل ما يبذلون من جهد، على الأقل لأنهم فى حى مثل شبرا يمثلون أمام أكثر من ألف شخص فى قاعة كاملة العدد، بينما العادة فى مسرح مثل (الهوسابير) أن يقدموا العرض أمام ثلاثمائة شخص فى المتوسط.

ماذا تعلّم الجمهور؟

لم يكن هناك فرق محسوس فى عدد المتفرجين بين الليالى التى عمل فيها نجوم مشهورون كفؤاد المهندس وشويكار (أنا وهو وهى)، والليالى التى عمل فيها ممثلون أقل شهرة.

وفى سينما اشبرا بالاسب كانت المسرحية التى عرضت هى االمصيدةب، لأجاثا كريستى، وهى مسرحية أجنبية الحوادث.. أجنبية الشخصيات.. أجنبية الجو.. ومع ذلك لم يدع الجمهور مقعدًا واحدًا فى الصالة، واضطرت إدارة المسرح أن تبحث عن كراسى خيزران لبعض ضيوف الصحافة.

وقد بدأ الجمهور فى الفترة الأولى من العرض يسلك مع الممثلين نفس سلوكه مع أفلام فريد شوقى، وقذف أحدهم من البلكون بتعليق غير مهذب، ولكن جيرانه أسكتوه. وفى بداية العمل الثانى نشبت مشاجرة فى الصالة، واختل النظام، وتوقف الممثلون لحظة فى أماكنهم، ثم أُسدل الستار، فإذا بوجوم مفاجئ يصيب الصالة، وسكت الذين كانوا يتشاجرون، وعندما ارتفع الستار مرة أخرى قدَّم الجمهور اعتذاره فى صورة تصفيق عالٍ، واستمر العرض بعد ذلك فى أدب نموذجى تُحسد عليه المسارح الكبرى.

والواقع أن الجمهور الشعبى قد خرج من كل عرض شهده، بصرف النظر عن مدى استمتاعه به، بحقيقة عامة، هى أن المسرح شيء غير السينما، ويجب أن يستقبله بطريقة أخرى.

لو كان هذا الأثر وحده كل ما ستتمخض عنه تجربة الشهور الثلاثة، فإنه يعد كافيًا فى رأى المهتمين بالمسرح، ولكن عبدالغنى أبوالعينين، مدير مركز الفنون الشعبية وبعد مشاهدته لإحدى الحفلات، يرى أن الأثر سيكون أبعد كثيرًا من ذلك، وأن الذين قاموا بالتجربة سيفاجأون قريبًا بفرقٍ محلية هاوية فى الأحياء التى زاروها.

وماذا تعلم المسرح؟

ولكن، هل كسب المسرحيون شيئًا من التجربة؟ إن متابعة مسرحية واحدة مثل االمصيدةب مثلًا، فى عدة ليالٍ متوالية، تكشف أن أثر الجمهور فى المسرح سيكون أقوى وأسرع وربما أعمق من أثر المسرح فى الجمهور.

لقد تحولت االمصيدةب تدريجيًا، وليلة بعد أخرى، إلى لون من االفارسب Farce، مع أنها فى الأصل مسرحية بوليسية قائمة على التوتر، فالممثلون فوجئوا باستجابة الجمهور لموقف وجمل معينة لم تكن قبل ذلك تلفت انتباههم، فبدأوا فى الليالى التالية يضغطون على هذه الجمل والمواقف، ويضيفون إليها، ويبالغون أحيانًا إلى حد الهزل الصريح، وكان الجمهور يصفق للمواقف التى تتفق مع مُثله وأخلاقياته.

فهل هذا ما يُسمى النزول إلى مستوى الجمهور؟.. ربما، ولكنه نزول قد يصحح موقف المسرحية، ويوجههم إلى وجهة أسلم، وقد يؤدى - وهذا هو الأهم - إلى غربلة بعض الاتجاهات الخاطئة فى حركتنا المسرحية.

فليست القضية هى النزول أو الصعود، وإنما هى الارتباط بالجمهور، أى بالواقع.. أو الانعزال عنه، والكاتب المسرحى الذى سيتعلم من هذه التجربة، أو الذى سيدنو منها، سيكتشف فى المستقبل أن االصعود أو الهبوط، قضية منفصلة عن قضية الارتباط والعزلةب، وسيجد الطريق إلى فن مسرحى وثيق الصلة بالجمهور الشعبى، وعميق الجذور فيه، ومرتفع مع ذلك إلى أرقى المستويات الفنية.. ويوم يحدث ذلك، يمكن أن نقول إن نهضتنا المسرحية قد نضجت.

(اآخرساعةب 25 ديسمبر 1963)

أقرأ أيضأ :

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة