ليلى الغلبان
ليلى الغلبان


يوميات الأخبار

عند الجميــزة..

الأخبار

الثلاثاء، 22 نوفمبر 2022 - 06:59 م

الحضارة فى جوهرها ليست إلا قيمًا تعلى من شأن الإنسان وتحترم حريته، تبنى ولا تهدم، لا تظلم ولا تجور على مقدرات الآخرين

عزيزى القارئ: ماذا لو تكلمت الأشجار المعمرة؟ كم قصة ستروى؟ كم سرا ستبوح به؟ كم شكوى من البشر ستبثها؟ كم ذكرى كانت هى بطلاتها؟ كم من الصبيان من تسلقها مرحا؟ كم صورة التقطت لها وقد تحلقت الأسر حولها؟ كم من الشعراء من ألهمته؟ كم من المتعبين أظلت؟ كم من الأحداث شهدت وسطرت؟ وكم وكم وكم؟ إنها أساطير حية بيننا وشاهد على التاريح والأجيال المتعاقبة من البشر وسائر المخلوقات.

كثيرا ما تلاحقنى هذه الأسئلة فى كل مرة أرى فيها شجرة معمرة.. أنظر إليها باحترام وتقدير شديدين.. ينتابنى ألم شديد إزاء ما تتعرض له من إهمال وعدوان.

وفى مصر تأتى شجرة الجميز الجميلة فى أول قائمة الأشجار المعمرة.. أعدادها تتناقص بشكل كبير..

الجميز الذى احتل جزءا كبيرا من ذاكرتنا وخصوصا فى الريف وكانت أشجاره علامات يشار إليها عند وصف مكان بيت فلان أو حقل فلان أو محل علان.. فى خطر. فى طفولتى كان بيتنا قريبا من أشهر جميزة فى البلد.. بجوار مدرسة وسوق ونقطة شرطة، وأهم من كل هذا موقف الحناطير تحت الجميزة.. كان يكفينى أن أقول «بيتنا عند الجميزة.. عند الجسر» إذا ما سألنى أحد عن بيت والدى..

كانت الجميزة دائما جزءا من حكاوى الأجيال السابقة ونوادرهم التى وصلت لنا شفويا من آبائنا.. تخيفهم بالليل.. تسكنها العفاريت التى تنزل منها ليلا، كما كان يصور لهم خيالهم، لتفزع المارة فى الظلام قبل كهربة الريف.

ومنذ سنوات وفى إحدى زياراتى إلى مسقط رأسى، لم أجد الجميزة.. لقد تم قطعها وحل بيت مكانها.. وبقطعها ضاع أكبر معلم.. وأغلى وطن للطيور الذكريات..

وأتابع منذ فترة صفحة WoodlandTrust وهى جمعية معنية بصحة الأشجار وحمايتها فى بريطانيا. حيث تقوم الجمعية بتنظيم حملات توعوية بأهمية الحفاظ على الغطاء الخضرى بكل مفرداته لمعالجة أزمات التنوع البيولوجى والمناخ، وحث الشركات على تقليل بصمتها الكربونية لإعطاء الطبيعة فرصة للتعافى، كما تطمح الجمعية إلى مضاعفة المعدل الحالى لزراعة الأشجار والغابات، باعتبارها حصونا للحياة البرية المهددة على كوكبنا، وكنوزا ينبغى حمايتها والحفاظ على نصيب الأجيال القادمة فيها وفى مستقبل أفضل.

ولعل أكثر ما أثار اهتمامى فى هذا الموضوع هو كم المعلومات وقواعد البيانات المتوفرة لدى الجمعية عن كل شجرة معمرة تقريبا فى بريطانيا من حيث تحديد هويتها وعمرها والفلكلور الذى كتب عنها وذكريات الأجيال السابقة معها من خلال مساهمات المواطنين فى توثيق ذكرياتهم معها، كما لم تغفل الإشارة إلى الآفات والأمراض التى تهدد كل شجرة منها. فضلا عن دعوة المواطنين إلى ترشيح شجرة العام فى مسابقة سنوية يغلفها الكثير من الشغف والحب والحماس.. الكل يراهن على تنامى الشغف بالأشجار ورعايتها ومنحها الكثير من الحب والاحترام..

ولعل هذا ما يدعونا إلى البدء فى تسجيل الأشجار المعمرة والنادرة فى كل أرجاء مصر والقيام بإجراءات حمايتها باعتبارها آثارا حية بيننا وذاكرة للوطن وعدم إزالتها تحت أى ظرف إلا بعد استطلاع رأى المجتمع المحلى.

وتنشيط دور الجمعيات العاملة فى مجال الحفاظ على البيئة فى زراعة المزيد من الأشجار فى بلادنا الجميلة..

وداعًا رجل الحفرة

لا أحد يعرف اسمه أو لغته أو عرقه أو أى شيء عنه ولن يعرف. إنه آخر فرد فى قبيلة من السكان الأصليين فى البرازيل، حيث تعرضت القبيلة للإبادة الجماعية منذ أكثر من ربع قرن أثناء هجمات للاستيلاء على أراضيها شنها مربو الماشية وراغبو الاستثمار وما يسمى التطوير..

ومنذ ذلك الحين عاش بمفرده فى إقليم تانارو فى غابات الأمازون.. رفض أية محاولة للاتصال بالعالم الخارجى ممن أرادوا مساعدته، فلم يكن يثق فى أحد..

وواصل العيش على طريقته فى كهفه، يحفر حفرا للاختباء بها واصطياد الحيوانات أيضا..

وفى أغسطس الماضى عثر على جثته على أرجوحة وقد غطى جسمه بالريش عندما أحس بدنو الأجل واستعد له.

ومع موته ماتت لغة وثقافة ومخزون معرفى وحضارى وطرائق تفكير ورؤية للعالم وتنوع كان يمثلها، وكان هو وريثها الوحيد. حقا إنها خسارة فادحة..

ليس مطلوبا أن نحيا جميعا بنفس الأسلوب ونفس العادات والرؤى والثقافات. ليس من العدل أن يستمر الأقوياء فى العالم فى فرض الهيمنة الثقافية على الشعوب «البدائية» كما يدعون بدعوى التحضر والتمدين، وسحق كافة أشكال الخصوصية الثقافية والاقتصادية للشعوب. ولم تكن فكرة الاستعمار الذى نهش الشعوب تحت دعاوى زائفة مثل مساعدتها فى النهوض إلا وسيلة لفرض هذه الهيمنة.. ومع الأسف روج للفكرة أدباء ومفكرون إما جهلا منهم أو تآمرا أو تواطؤا ..

وعلينا أن نسأل.. وما المقصود بالحضارة إذن؟

فالحضارة فى جوهرها ليست إلا قيما تعلى من شأن الإنسان وتحترم حريته، تبنى ولا تهدم، لا تظلم ولا تجور على مقدرات الآخرين.. تلك هى الحضارة وهذا هو معنى التحضر الحقيقى.. لا التقدم المادى والسباق المحموم للهيمنة بأى ثمن..

إن جمال الحياة فى التنوع الذى خلقه الله تعالى وعلينا احترام هذا التنوع وهذا الثراء والحفاظ عليهما.. وأنت أيها المحارب العنيد الجسور.. حسبك أنك عشت الحياة كما أردت..

المرأة والفيزياء والمجتمع

تكتشف نوعا خاصا من النجوم تسمى النجوم النابضة.. نجوم تدور بسرعة تبدو وكأنها تنبض فى السماء..

كانت آنذاك فى الرابعة والعشرين من عمرها وتعكف على إعداد رسالة الدكتوراه.

الاكتشاف اعتبره كبار العلماء فى الفيزياء الفضائية واحدا من أعظم اكتشافات الفضاء فى القرن العشرين.. حينئذ كانت عضوا فى فريق قام ببناء تليسكوب كبير فى كامبريدج لمراقبة ما يسمى بالنجوم الكاذبة وهى أجسام تلمع فى الفضاء.

تسند إليها مهمة تشغيل التليسكوب وحدها لتكتشف وجود نجوم تدق مثل الساعة..

أطلعت المشرف وباقى الفريق على اكتشافها ليحصل المشرف بعد ذلك على جائزة نوبل فى الفيزياء، حيث نسب إلى نفسه الاكتشاف متجاهلا إياها تماما.

ومنذ عامين حصلت على جائزة كبرى، تبرعت بها للمساهمة فى مساعدة الفئات المهمشة من الباحثين فى مجال الفيزياء وخاصة المرأة..

إنها البريطانية جوسلين بيل بورنيل الفيزيائية الوحيدة آنذاك وسط فطاحل الفيزياء من الرجال، وتقول إنها أدركت أن عليها العمل ضعف ما يعمل الرجال كى تجد لنفسها مكانا فى عالم ذكورى بامتياز. وتصبح أول امرأة تترأس الجمعية الملكية الأسكتلندية للعلوم..

وعلى المستوى العالمى فإن علم الفيزياء يعانى شأنه شأن العديد من العلوم من فجوة كبيرة بين الجنسين..

وفى احتفال أقامته الجمعية الملكية فى لندن بمناسبة الذكرى الثالثة والخمسين لاكتشافها المبهر أزيح الستار عن بورتريه كبير لبورنيل، تقديراً لمساهمتها «الرائدة» فى العلوم وقد أخذ مكانه وسط بورتريهات عمالقة العلماء الرجال من كل العصور، لعل ذلك يلهم أجيالا قادمة من الفتيات بأن النبوغ فى الفيزياء ممكن، وأنها امتداد للبريطانية مارثا أيرتون والبولندية مدام كورى والأمريكية من أصل ألمانى ماريا جوبرهورت ماير والكندية دونا ستريكلاند وأنه لم يعد علما طاردا للمرأة..

وتحمل لنا الأخبار خبرا سارا بحصول كاثرين هيمانز عالمة الفيزياء الفلكية فى جامعة إدنبرة على لقب عالمة الفلك الملكية لاسكتلندا لأول مرة، والتى تأمل فى استخدام اللقب لتشعل شغف الجماهير وخاصة الأطفال بالعلوم وتعزز اتصالهم بالكون من خلال تركيب تلسكوبات فى جميع مراكز التعلم الخارجية النائية فى اسكتلندا كى يزورها طلاب المدارس..

والواقع أننا حرمنا حب الفيزياء وأصبحت تمثل وحشا ضاريا لنا ولأبنائنا، تحطم الأحلام وتحول دون بلوغ الأمنيات.

فقد تحول العلم الذى يدرس الطبيعة داخلنا ومن حولنا إلى مادة جافة مصمتة، أحالته إلى بحر مخيف قاس يموج بالقوانين والرموز والعمليات التى تضربنا وتكاد تردينا فنفر منه طلبا للنجاة. وحينئذ نكون قد حرمنا قسطا كبيرا من معرفتنا بأنفسنا وبالعالم والكون الذى نعيش فيه، وهو بالقطع ما يؤثر سلبا على رؤيتنا للعالم.

الذكاء الاصطناعى خاطبة!!

تعانى اليابان، شأنها شأن العديد من دول العالم المتقدم، من انخفاض حاد وغير مسبوق فى نسبة المواليد وارتفاع معدلات كبار السن بين السكان، وتزداد الهوة بينهما كل يوم. الأمر الذى حدا بالحكومة هناك بالقيام بدعم وتمويل خطط للاستعانة بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى لمساعدة الشباب فى العثور على شريكة الحياة والبدء فى تكوين أسرة.

وبالفعل تم تخصيص مليارين من أجل هذا الغرض. وتتفوق الخاطبة الـ Al على الخاطبة التقليدية فى تقديم تحليل مستفيض وأكثر تعقيدا لبيانات المتقدمين لا ينصب فقط على الدخل والسن وإنما يشمل الهوايات وهو ما يتطلب دعما ماليا حكوميا..

ويعانى الشباب فى اليابان وربما فى أماكن أخرى من العالم من صعوبة الحصول على شريكة أو شريك الحياة المناسب وأحد أسبابها هو رغبة العديد من الرجال فى ألا تعمل زوجة المستقبل خارج البيت. وقد ألقى نائب رئيس الوزراء باللائمة على السيدات فى تدنى معدلات المواليد.. وقال إنها مشكلة كبيرة وبالرغم من هجوم المعارضة عليه إلا أنه لم يكن الوحيد من المسئولين الذى وجه انتقادات للفتيات اللاتى لا يرغبن فى الزواج أو الإنجاب وقال إنهن يمثلن عبئا على الحكومة والأجيال القادمة..

وأضاف أود أن أقول لهن إن الأمر سينتهى بكن بالإقامة فى دور الرعاية التى يتم الإنفاق عليها من الضرائب التى يدفعها أبناء أناس آخرين..

أهلاً بالسكان الجدد..

من المؤكد أن رؤية الحدائق المنسقة الأنيقة والعشب المهندم المقصوص بعناية حين تبدو الحديقة كعروس خرجت لتوها من مركز تجميل تسر القلوب والعيون. إلا أن جمعية خيرية للحفاظ على النبات فى بريطانيا حثت المواطنين على السماح للزهور البرية بالنمو فى حدائقهم بدلاً من التخلص منها. وتقول المنظمة إن عدم قص العشب سيخلق موطنًا يستفيد منه النحل والحشرات الأخرى مما يساعد على التنوع البيولوجى.

ذكرنى الخبر بمشهد الطيور التى فقدت بيوتها مع قطع الأشجار فى عدد من شوارع المدينة ضمن مخطط تطوير. وأصبحت مع كل مساء تقصد شرفتنا وتقضى الليل متشبثة بأحبال الغسيل وأسلاك التليفونات. حيث لا مكان آخر.. كم أحزننى فقدها لبيوتها فوق الأشجار. أرقبها كل مساء وتكسو وجهى ابتسامة ترحاب.. أهلاً بالسكان الجدد.

رئيس قسم اللغة الانجليزية ـ آداب كفر الشيخ

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة