عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر


عسل في الكوز 

السيارات لا تتحدث الفصحى!

عبد الصبور بدر

الجمعة، 25 نوفمبر 2022 - 02:12 م

كنت أجلس في السيارة إلى جوار زميلي أحمد السعيد السائق بأخبار اليوم عائدين من جريدة الأخبار إلى منزلي بعد منتصف الليل، وبينما أستمتع بمشاهدة الصخور على جانبي مطلع المقطم، سمعته يقول: 
- الله يسامحك!
- في إيه يا أحمد هو أنا صدر مني حاجة؟
- مش إنت يا أستاذ.. سواق الموتوسيكل اللي عدى جنبنا بيقل أدبه عليا!
- إنت هتتبلى على الواد.. هو كلمك أصلا؟!
- شتمني بالكلاكس.. إنت مش سامع!
- وقالك إيه؟!
- خلاص بقى يا أستاذ!

ولكني لم أترك أحمد في تلك الليلة، إلا بعد أن حكى لي كل ما يعرفه عن لغة الكلاكسات التي يجهلها شخص مثلي يعاني من فوبيا قيادة السيارات، ولديه يقين أنه سيلقى حتفه في يوم من الأيام في حادث تصادم، ورعب من الكلاكسات لأنها تذكره بمصيره المؤلم.

أخبرني أحمد أن حديث السيارات لا يتوقف في شوارع مصر، إلا أن لغتها لا يفهمها الكثيرون، سائقو الميكروباص والنقل الثقيل والموتوسيكلات، هم فقط من يستطيعون ترجمتها، لأنها اللغة الرسمية بينهم، وهم يجلسون خلف عجلة القيادة، ووسيلة التخاطب فيما بينهم. 
- وبتوع الملاكي؟!
- ملهمش فيها.. قليل اللي بيستوعبها.. دول فاهمين إن الكلاكس مجرد آلة تنبيه مش أكتر!.
- طيب.. هي لغة معتمدة يعني.. بمفردات واضحة ومعروفة.. ممكن يرغي بيها سواق من أسوان – مثلًا – مع زميله في القاهرة أو الإسكندرية لو اتقابلوا في الطريق.
- لأ.. كل بلد ولهجتها.. بس تقدر تقول إن القاهرة الكبرى كلها بتتكلم نفس اللهجة؛ لأنهم بيتعاملوا مع بعض دايما.
- الله.. يعني يا أحمد السواقين نازلين شتايم في بعض طول الوقت؟!
- يا أستاذ افهم!.. بقولك لغة.. الشتيمة دي حاجة صغيرة فيها بتحصل لما حد يحب يرخم على التاني.. أو يتخانق معاه ويهزأه ويمسح بيه الأرض.. إنما في كلاكس تحية.. وكلاكس محبة.. وكلاكس تحذير من كمين.. وكلاكس اتفاق على مقابلة.. وحوارات كتير.
- وده كله بيحصل في كلاكس. 
- أومال!.. الكلاكس زيه زي اللسان في البق.. وكل واحد عنده ودان بيسمع بيها اللي بيتقال.
- ولو سواق شاف واحدة في عربيتها وعجبته، أو واحدة ماشية قدامه في الشارع ورشقت في قلبه.. مفيش بقى كلاكس معاكسة وغرام؟
- الكلاكسات دي مفيش أكتر منها.. السواق من دول بيقول بالكلاكس كل اللي نفسه فيه، ويغني لها كمان الأغنية الل بتحبها لو كان يعرفها.
- ولو ميعرفهاش؟
- يغني برضه.. والحدق يفهم!
- طيب تفسّر بإيه يا أحمد إن الكلاكسات بعد نص الليل واحنا مروحين بتقل.. لغاية ما تختفي.
- لأن اللي بيتكلم بيها مش موجود، بتوع الميكروباص بيكونوا مريحين في بيوتهم، ولو شغالين وردية الفجر بيستغنوا عن الكلاكسات ويستخدموا إشارات النور.
- ودي كمان لغة وليها مفردات واضحة أظن؟
- زيها زي الكلاكسات تمام.
- قولي يا أحمد.. مفيش حد بيستخدم اللغة الفصحى في الكلاكسات؟ّ
- هو انت في دار العلوم يا أستاذ!.. لغة الكلاكسات كلها بالعامية.. مش هتلاقي فيها كلمة واحدة فصحى!
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة