الزيــادة السكانيـة
الزيــادة السكانيـة


الزيادة السكانية تسـرق «حقوق الأطفال»

إيمان طعيمه

الأحد، 27 نوفمبر 2022 - 12:14 م

تتكاتف جميع الهيئات والوزارات لإدارة القضية السكانية في مصر من منظور تنموي وحقوقي، فتحقيق التنمية والابتكار والنهوض بمصر لا يمكن أن يتم في ظل النمو السكاني المرتفع، ومن هنا جاءت توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، بتدشين المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية للارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة والطفل بشكل عام من خلال ضبط معدلات النمو المتسارعة والارتقاء بخصائص السكان التي تعد أحد عوامل قوة الدولة.
وبمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل الذى يُحتفل به في ٢٠ نوفمبر من كل عام تناقش «آخر ساعة» في هذا التحقيق مدى تأثير الزيادة السكانية على حقوق أطفالنا.

القضية السكانية وحش لابد من محاربته كونه يلتهم حقوق الأسرة بأكملها لاسيما الأطفال، فوفقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تقع مصر في المرتبة الأولى عربيا من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقياً، والرابعة عشرة عالمياً، وقد أثبتت الإحصائيات تضاعف عدد سكان مصر 3 مرات منذ عام 1897 وكان أول تضاعف خلال 50 عاما، ومع تزايد أعداد المواليد تضاعف العدد خلال 29 سنة فقط، ثم حدث التضاعف الثالث خلال 30 سنة، ومع الاستمرار فى الارتفاع فى ظل معدلات الإنجاب الحالية والتى وصلت إلى 3.4 مولود لكل سيدة، سيصل عدد السكان إلى 192 مليون نسمة في عام 2052، ويصل عدد الطلاب إلى 38 مليون طالب يكونون في حاجة إلى 1.816 مليون مدرس و70 ألف مدرسة، ومن الناحية الصحية سيتم الاحتياج إلى توفير 257 ألف طبيب و429 ألف ممرض وأيضا 4000 مستشفى. مع العلم بأن نسبة الفقراء تزيد مع زيادة حجم الأسرة، ففي الوقت الذى تشكل نسبة الفقراء 7.5% فقط من الأفراد الذين يعيشون في أسر بها أقل من 4 أفراد، فإن 80.6% من الأفراد الذين يعيشون في أسر بها 10 أفراد أو أكثر هم من الفقراء.

التحديات

كل ذلك لا شك له تأثير واضح وصريح على تمتع الطفل بحقوقه والحصول عليها بالشكل الأمثل.. وفى هذا الصدد، وتزامنا مع اليوم العالمي لحقوق الأطفال الذى يُحتفل به شهر نوفمبر سنويا، تبحث «آخرساعة» تأثير هذه الزيادة السكانية على حقوق الأطفال والنتائج المترتبة عليها وإيجاد حلول لها، فتبعا لتقديرات السكان عام 2021، بلغ عدد الأطفال الأقل من 18عامًا، ٤١٫٥ مليون طفل (٢١٫٤مليون ذكر بنسبة ٥١٫٦٪، ٢٠ مليون أنثى بنسبة ٤٨٫٤٪) وذلك في منتصف ٢٠٢٢.

الدكتورة عبلة الألفي، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، مؤسس ورئيس الجمعية المصرية لأعضاء الكلية الملكية البريطانية لطب الأطفال، تقول: مصر لاتزال تواجه عدة تحديات تهدد الأسر المصرية والأمن القومي، وذلك بعد مؤشرات المسح السكاني التي أوضحت أن أطفالاً كُثر يعانون مشكلات صحية جسيمة نتيجة عدم حصولهم على الرعاية الكافية، فمثلا، وُجد ارتفاع في معدلات الوفاة في حديثي الولادة والرضع والأطفال تحت عمر 5 سنوات، فضلا عن ارتفاع نسبة الإصابة بالأنيميا من 27 - 47% للأطفال تحت عمر 5 سنوات، ما يؤثر في الأداء المدرسي وجودة التعليم والصحة العامة، كما أن معدلات التقزم لا تزال تصل إلى 13%، والبدانة بين الأطفال في ارتفاع مستمر.

كل ذلك يحتاج لحل جذري والبحث عن طرق للحفاظ على حقوق أطفالنا في التنشئة المُثلى من البداية، ويمكن القيام بذلك من خلال برامج لتحسين صحة الأم والطفل وحل القضية السكانية كما وكيفا، وتحقيق العدل في حصول كل طفل على حقه في التربية والصحة والاستعداد الجيد والمباعدة 4 سنوات على الأقل بينه وبين طفل آخر، لذا ترى الألفي ضرورة رفع وعى الأطباء والتمريض بكيفية تقديم الخدمة للأطفال في هذه السن، كما يجب ملء الفجوة بين عدد الأطباء والتمريض وبين احتياجات الشعب المصري، فوفقا للإحصائيات فإن هناك أقل من طبيب لكل ألف مواطن، والأعداد العالمية لا تقل عن 4.2 لكل ألف مواطن، وهنا يجب إيجاد فئة أخرى تعمل على سد هذه الفجوة، وبالفعل بدأت وزارة الصحة المصرية في تطبيق ذلك عمليا من خلال تدريب عدد من خريجي الجامعات والشباب والسيدات للعمل تحت بند «مقدمي المشورة الأسرية» لتحقيق دور التوعية على أكمل وجه.

أرقام صادمة

من جانبها، تؤكد داليا صلاح، مدير المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة في الإسكندرية، أن الزيادة السكانية من أهم الأسباب التي تحرم الطفل من حقه في التعليم لاستخدامه كوسيلة لكسب العيش وتوفير النفقات لبقية أفراد الأسرة، وقد بلغت نسبة التسرب من التعليم في المرحلة الابتدائية 0.2%، و1.7% في المرحلة الإعدادية. الأمر الذى يترتب عليه الكثير من النتائج المدمرة للطفل منها تعرضه لخطورة وانتهاكات العمالة المبكرة، وأشارت البيانات إلى أن نسبة عمالة الأطفال من عمر (5-17) سنة تصل إلى (5.6%) عام 2021، كـما سجلت محافظات الحـدود أقل نسبة لتصل إلى (2.6%)، لذا يجب توعية الأهل بخطورة هذا الأمر وتفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين في التحدث مع الطلاب عن أهمية التعليم وخطورة التسرب منه، كما يمكن الاستعانة بإحصائيات وزارة التربية والتعليم في معرفة عدد الطلاب المتسربين من التعليم وإجراء بحوث اجتماعية لمعرفة السبب وراء ذلك ومعالجته.

أطفال الريف

بينما ترى الدكتورة عزة القاضي، رئيس مجلس أمناء مؤسسة رؤيتي للتنمية الشاملة والطفل بمحافظة الأقصر، أن كثرة الإنجاب حرمت الطفل من حقه البسيط في اللعب بأماكن مفتوحة تقوى صحته الجسدية والنفسية، وذلك بسبب الاضطرار للتخلص من الكثير من الحدائق والمساحات الخضراء لعمل توسعة إضافية لاستعابة أكبر عدد من السكان، هذا فضلا عن المعتقدات المتوارثة التي مازالت تحتل عقول كثير من الأسر في القرى والأرياف والتي مازالت تؤمن بأن ختان الفتيات أمر واجب، ووفقا لنتائج المسح الصحي للأسرة المصرية (2021)، مازال هناك ارتفاع في نسب ختان الإناث بالوجه القبلي ليبلغ (92%) مقارنة بــ(75.8%) في المحافظات الحضرية و(84.1%) بالوجه البحري، كما سجل ريف الوجه القبلي (93.4%) وهو الأعلى مقابل (86.6 %) في ريف الوجه البحري. 

ضحايا الزواج المبكر

وأشارت إلى أن الكثير من الأسر مازالت تعمل على تزويج فتايتهن قبل السن القانونية، وغالبا ما يكون الزوج والزوجة غير قادرين على إدارة المنزل ماديا وعقليا، ويكون الاعتماد الأكبر على الجمعيات الأهلية في تجهيز شقة الزوجية وتوفير المأكل والملبس لهم مما يسر للكثير في القرى والأرياف أمور الزواج والإنجاب بكثرة، وللأسف يكون الضحية في ذلك الزوجات الصغيرات وأطفالهن، ولعل الطفل الرضيع محمد أحدث الضحايا، والذى تعرض للرضاعة بشكل خاطئ من والدته التي لم تتعد الـ15 عاما من عمرها وليس لديها أي خبرة أو معرفة بطريقة الرضاعة الطبيعية، وكان ذلك سببا في دخول اللبن إلى الرئتين وكان في حاجة إلى إسعاف سريع لسحب هذه السوائل من على الرئة، ولأن المولود لم يسجل بالصحة ولم يحصل على شهادة ميلاد فلم يسمح المستشفى باستقبال حالته وكان لابد من توجهه لمستشفى عام مما أطال الوقت على إنقاذه وتوفى بعد فترة قليلة.
وتناشد الدكتورة عزة المسئولين بوضع قوانين تحد وتقنن من المساعدات الأهلية للأسر تحت خط الفقر وعدم تجهيز عرائس تحت السن القانونية والتأكد من قسيمة الزواج أولا وذلك للحد من هذا الزواج المبكر وما يترتب عليه من نتائج كارثية تهدد حياة الأسرة المصرية والمجتمع بأكمله.

حلول ضرورية

وفى السياق، قدم الدكتور طارق توفيق، نائب وزير الصحة والسكان لشئون السكان والمشرف على المجلس القومي للطفولة والأمومة، حلولا ضرورية لحماية حقوق الأطفال في ظل الزيادة السكانية، من خلال استحداث ومراجعة التشريعات والسياسات ذات الصلة بالأطفال والتي تضمن حق الأطفال في التعليم والصحة والحماية من كافة أشكال العنف، الإهمال، الإساءة والاستغلال، وكذلك تعبئة الموارد العامة بشكل مكثف وزيادة الإنفاق على إتاحة الخدمات الأساسية (الصحة والتعليم) بهدف القضاء على الفقر بجميع أشكاله، بالإضافة لتطوير المناطق العشوائية غير الآمنة على مستوى الجمهورية، استكمال منظومة التأمين الصحي الشامل، إطلاق المبادرات الرئاسية التي تهدف إلى ضمان حق الأطفال في مختلف المجالات والتوسع في المبادرات التي يتم تطبيقها حاليا، تعميم المبادرات والحملات التي تهدف إلى تمكين الفتيات والقضاء على زواج الأطفال، والذى يعد من أسباب الزيادة السكانية. تفعيل منظومة حماية الطفل التابعة للمجلس القومي للطفولة والأمومة والتي تضم خط نجدة الطفل16000.

التسرب!
وتابع: كما يمكن مواجهة مشكلة التسرب من التعليم عن طريق التوسع فى إنشاء المدارس المجتمعية ومدارس الفصل الواحد بمشاركة الشركاء من الجهات الدولية لسد الاحتياجات بجميع المناطق النائية والمحرومة أسوة بما تم من خلال المدارس الصديقة للفتيات على مستوى الجمهورية ككل، حيث تستخدم مدارس التعليم المجتمعي أساليب التعلم النشط التي تتيح للدارسات اكتساب المعلومة بأنفسهن، كما يتسم هذا النوع من التعليم بمرونة في المواعيد اليومية لليوم الدراسي بما يتناسب مع ظروف الدارسة وطبيعة المجتمع. ويتميز أيضاً بمرونة من حيث سن الالتحاق بالتعليم، حيث يستوعب غير الملتحقين بالتعليم من 6 سنوات حتى سن 13 سنة بالصف الأول الابتدائي.

كما يجب التنسيق والشراكة بين المجلس القومي للطفولة والأمومة ووزارة التضامن الاجتماعي من خلال تفعيل قانون الطفل فيما يتعلق بصرف معاشات تعليمية للأطفال الملتحقين بالتعليم طبقاً لما ورد بقانون الطفل وتيسير إجراءات الحصول عليها.
وللقضاء على مشكلة عمالة الأطفال فقد استهدفت الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال في مصر ودعم الأسرة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، الإسهام الفعال في القضاء على عمل الأطفال بكافة أشكاله بحلول عام 2025 وتوفير الحماية الاجتماعية الشاملة للأطفال المستهدفين وأسرهم، وحددت استراتيجية عمل للقضاء على عمل الأطفال تحت السن القانونية ووضع عقوبات مشددة لمن يخالف ذلك.

أقرأ أيصأ : أحمد العدوي: العاصمة الإدارية مشروع مستدام يراعي الزيادة السكانية

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة