صورة تعبيرية
صورة تعبيرية


حكايات| فن الخناقات الشعبية.. لغة بائعي «الكرشة» بين المدبح والمغربلين

ياسين سعيد

الإثنين، 28 نوفمبر 2022 - 05:44 م

 

أمسى الليل بالمعلمة «فشایش» بائعة الكرشة وهي تجلس على المصطبة الخشبية الطويلة ترقُب طـريـق سـكـة المدبح بحثًا عن «عربجي» يوصل بضاعتها المتأخرة إلى حي المغربلين بينما حفيدتها «وردة» ذات الثماني سنوات تُغالب النعاس وهي تحك جلدها بين‎ الحين والحين.

‎دبَّ النشاط في «فشایش» عندما لَمحت فريستها تقترب.. عربة كارو أخيرًا!.. وفاقت «وردة» استعدادًا للانقضاض على الحمار وصاحبه ليشاركونه عملهما المقبل.. مـر العـربجي متهالكًا هو وحماره أمامها.. فبدأت تناديه بصوت عذب.

علي الفور لحظ العربجي تلك الإشارة، فأخذت رأسه تسقط يمينًا ويسارًا في إشارة تحايلية إلى رفضه للطلب المزمع تورطه وكأنه نائم، فطلبت «فشايش» من «وردة» الإمساك بالحمار ففعلت، وهمت فشايش بالسير بمحازاة الطُعم الصغير انتبه الـعـربجـي يسأل الطفلة: «عايزه إيه يا بنتي» فأزاحت «فشایش» حفيدتها  باستجداء «إلا هـي ما يرميك في ديئه توصلنا المغربلين».

‎اعتذر العربجي في استجداء مماثل بأنه حماره متهالك تعبًا.. ألحت «فشایش» في الطلب و«عبيده» شاويش النقطة المجاورة يراقب المشـهـد فـي الظلام كالثعالب.


‎طال اسـتـجـداء «فشایش» وزاد العـربجي إصرارًا على الرفض في استجداء لقبول عذره.. ‎فجأة تغيرت نبرة «فشایش»: «إما إنك راجـل عـايب ما تختشيش»، والتفتت إلى «وردة»: «فين فـردة الحلق بتاعتك يابت يا وردة».

اقرأ أيضًا| ممبار يولع القلب نار.. «درب المسمط» بين طعام الفقراء وأشواقهم

هنا أشارت «وردة» المُدربة على مثل هذه الأمور إلى العـربجي: «الراجل ده شدها مني يا مّا»، واستطردت «فشایش» تسأل «وردة»: وقالك إيه؟، فردت «وردة» باستكانة: «وقاللي تعالي في الحتة الضالمة اللي هناك».

‎أحدث التحول المفاجئ أثره في العربجي العجوز فاستيقظت حـواسـه كما استيقظت حواس حماره فانتصب في ‎جلسته ثانيةً وقبل أن يـفـيـق الـعـجـوز تمامًا بـادرته «فشایش» بصوت عال: «فين فـردة الحلق بتاعت البت يا راجل يا عجوز ومش عيب عليك تقوللها تعالي في الضلمة.. لازم أعمل لك محضر في النقطة».

‎تجمعت بعض نساء السوق حول المشهد فتدخلت «فاطمة الشقراء» التي فهمت الموقف - في لحظه - فتوجهت إلى «فشایش» : «حرام یا حاجة هتوديه النقطه ليه.. دا راجل كبير مش هيستحمل بهدله وهيوصلك البضاعة مش كده».

توقفت الكلمات في حلق الرجل ‎بعد ما تدخلت «شلاتيت» تؤيد موقف «فشافيش»: «لا..لا راجل كبير ولا صغير الأنون يـاخـد مـجـراه».. توجه «عبيدة»الشـاويـش إلى الجمع فبادرته «فشایش»: «يا حضرة الشاويش.. عايزة أعمل محضر رد شـرف للراجـل ده».

نظر لها «عبيدة» نظرة ذات مغزى فالتزمت الصمت واستغاث العربجي بالشاويش لكن «عبيدة» خيره بين أمرين إما توصيل البضاعة إلى المغربلين أو عمل محضر. فأذعن للطلب الأول بينما «فشایش» تردد: «صحيح.. ناس تخاف ما تختشيش».

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة