حسن حمدى سليم
حسن حمدى سليم


فيض الروح

سكران بعقل يقظ

الأخبار

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022 - 06:40 م

 

 

محارب مقدام وجسور درعه وسيفه علمه وعمله فقط، سخي في عطائه ذو قلب طفولي متعلق بأولاده، لا يخشى إلا الله، زاهدًا في الدنيا لا رغبة له فيها سوى الاطمئنان على أولاده، غير داعي للحرب أو الجدال أبدًا لكنه أهل لهما بحكمته وشجاعته إذا دُعي إليهم، لم يقدر عليه أحد إلا السرطان؛ حتى هذا نال منه في المشاهد الأخيرة فقط ولم يشعر به إلا بعدما تغلغل بجسده ووصل للمرحلة الرابعة، ليٌسدل ستار فصل حياة الكاتب الصحفي حمدي سليم في الدنيا لعلنا  -أولاده- نُحسن حمل إرثه المهيب -اسمه- ونكمل فصول حياته حتى نلقاه.

 

62 عامًا و11 شهرًا و6 أيام مدة رحلة أبي في الدنيا عاش أكثر من ثُلثيهم فارسًا في بلاط صاحبة الجلالة منذ 1981 وحتى طعننا القدر بتطبيق سُنة الحياة علينا في 9 نوفمبر 2022، لم يخشى الموت واثقا في رحمة الله وأنه لن يتركنا أبدًا أحياء وأموات داعيا فقط آلا يتألم.

 

4 أيام فقط بعد تلك الدعوة لم يتألم فيهم أبي كثيرا، ثم دخل في غيبوبة كانت بداية النهاية، القلق يلف الأسرة والأصدقاء، نعلم المصير المحتوم لكننا نصارع متسلحين بأمل أعطاه لنا حمدي سليم نفسه، بعدما قال الأطباء إنه محارب من طراز فريد، وأن أي حالة أخرى لا يمكن أن تستمر أكثر من 24 ساعة في هذا الوضع، ليكون جسورًا حتى في معركته الأخيرة أمام السرطان الذي لم يعرف يومًا أنه أصٌيب به.

مكالمات من كل حدب وصوب للاطمئنان عليه إحداهم كانت من زميل دراسة للوالد بكلية الألسن، وأخرى من كاتب صحفي تزاملا معا عام 1981، دعوات دون أن نطلب من أمام الكعبة الشريفة من أشخاص لم يروه سوى مرة واحدة، وأخرى من شخصيات لم يروه قط.

اقترب من أذنه أخبره: " الكثيرون دعوا لك بالحرم، تعلم أنها دعوات مستجابة" يومئ برأسه  أن نعم وهكذا كانت طريقة تواصله أثناء غيبوبته العميقة غير التامة  ثم انتهت الزيارة الأخيرة.

 

خطوط المياه تنساب على جسدي أستعد لزيارة جديدة الأمل لايزال موجود حتى أسقاني شقيقي خمرًا عبر أذني وجعلني سكران بعقل يقظ، أترنح يمينا ويسارا وعقلي في أشد أوقاته اتقادا واستيعابا لمرارة ما حدث. 

 

رن الهاتف قاطعا انسيابية المياه، شقيقي الأكبر يخبرني أن أرتدي ملابسي وأنه سيمر علًي الآن، أرد بـ " خلاص يا أحمد؟!" يرفض الإجابة ويكرر طلبه فأكرر جملتي فيرد أمر الله نفذ، لا أقول سوى الحمد لله، وأعود لمكاني تحت المياه في ثبات لم يدم أكثر من 30 ثانية حتى بدأت أترنح بغير إرادة وأضرب على قلبي الذي لم أكن أشعر به على الإطلاق، لا يتألم لا ينزف لا يرتاح ولا يصرخ، فقط فراغ.

فراغ لن يملئه إلا لقاء مع أبي وصديقي وبوصلتي وقبّلتي حمدي سليم، وداعا وسلاما على روحك الطاهرة الكريمة يا حمدي سليم، الوداع أيها الزاهد.

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة