الشيخ محمد متولي الشعراوي
الشيخ محمد متولي الشعراوي


خواطر الإمام الشعراوي .. هداية الدلالة وهداية المعونة

الأخبار

الخميس، 01 ديسمبر 2022 - 08:45 م

يواصل الإمام الشعراوى خواطره حول سورة البقرة في الآية رقم 213 بقوله: نحن نفهم أن الله شاء بالإسلام حياة القيم، كما شاء بالماء حياة المادة، والماء حتى يظل ماء فلابد أن يظل بلا طعم ولا لون ولا رائحة، فإذا أردت أن تجعل له طعماً خرج عن خاصيته؛ ربما أصبح مشروباً أو عصيراً أو غير ذلك، وقد يحب بعض الناس نوعاً من العصير، لكن كل الناس يحبون الماء؛ لأن به تُصان الحياة، فإذا رأيت ديناً قد تلون بجماعة أو بهيئة أو بشكل فاعلم أن ذلك خارج عن نطاق الإسلام.

وكل جماعة تريد أن تصبغ دين الله بلون إنما يخرجونه عن طبيعته الأصلية، ولذلك نجد أمتنا فى مصر قد صانت علوم الإسلام بالأزهر الشريف وكل عالم من علماء الإسلام فى أى بقعة من بقاع الأرض مدين للأزهر الشريف، ونجد أننا نحب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكن لا نجد عندنا متشيعاً واحداً، وفي الوقت نفسه لا نجد واحداً يكره أبا بكر وعمر، وهذا هو الإسلام الذي لا يتلون؛ لأنه إسلام الفطرة، «صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً» «البقرة: 138». فالذين يحاولون في زمان من الأزمنة أن يصبغوا الدين بشكل أو بطقوس أو بلون أو برسوم أو هيئة خاصة نقول لهم: أنتم تريدون أن تُخرجوا الإسلام عن عموميته الفطرية التي أرادها الله له، ولابد أن تقفوا عند حد الفطرة الإسلامية.

ولا تلونوا الإسلام هذا التلوين، وبذلك نحقق قول الله: «فهَدَى الله الذين آمَنُواْ لِمَا اختلفوا فِيهِ مِنَ الحق بِإِذْنِهِ والله يَهْدِى مَن يَشَآءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» ونعرف أن الهداية معناها الأمر الموصل للغاية، وحين ترد الهداية من الله سبحانه وتعالى فعلينا أن نفهم أن الهداية من الله ترد على معنيين: المعنى الأول هو الدلالة على الطريق الموصل.

والمعنى الثاني هو المعونة، وضربت من قبل المثل بشرطي المرور الذي يدلك على الطريق الموصل إلى الغاية التي تريدها، فإن احترمت كلامه ونفذته فهو يعطي لك شيئاً من المعونة، بأن يسير معك أو يوصلك إلى المكان الذي تريد، فما بالنا بالحق سبحانه وتعالى وله المثل الأعلى؟ إنه يهدي الجميع بمعنى يدلهم، فالذين آمنوا به وأحبوه يهديهم هداية أخرى.

وهي أن يعينهم على ما أقاموا نفوسهم فيه، وبعضنا يدخله العجب عندما يسمع قول الحق:»وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العذاب الهون بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ وَنَجَّيْنَا الذين آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ «فصلت: 17-18». بعضنا يتعجب متسائلاً: كيف يقول سبحانه: إنه هداهم، ثم استحبوا العمى على الهدى؟ ونقول: إن (هداهم) جاءت هنا بمعنى (دلّهم) لكنهم استحبوا العمى على الهدى، أما الذين استجابوا لهداية الدلالة وآمنوا فقد أعانهم الله وأنجاهم؛ لأنهم عرفوا تقواه سبحانه.

ونحن نسمع بعض الناس يقولون: ما دام الله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم فما ذنب الذي لم يهتد؟ نقول: إن الحق يهدى من شاء إلى صراط مستقيم؛ أي يبين الطريق إلى الهداية، فمن يأخذ بهداية الدلالة يزده الله بهداية المعونة وييسر له ذلك الأمر.

ونحن نعلم أن الله نفى الهداية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آية، وأثبتها له في آية أخرى برغم أنه فعل واحد لفاعل واحد، قال الحق نافياً الهداية عن الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ» «القصص: 56». والحق يذكر للرسول صلى الله عليه وسلم الهداية فى موضع آخر فيقول له: «وَإِنَّكَ لتهدى إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» «الشورى: 52».

ومن هنا نفهم أن الهداية نوعان: هداية الدلالة، فهو (يهدي) أى يدل الناس على طريق الخير. وهناك هداية أخرى معنوية، وهى من الله ولا دخل للرسول صلى الله عليه وسلم فيها، وهى هداية المعونة. إذن قوله تعالى:»وَإِنَّكَ لتهدى إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم» معناها: أنك تدل على الصراط المستقيم.

ولكن الله هو الذى يعين على هذه الهداية. «والله يَهْدِى مَن يَشَآءُ إلى «صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ» فعلينا أن نستحضر الآيات التى شاء الله أن يهدى فيها مؤمنا وألا يهدى آخر. ويقول الحق سبحانه:».

والله لاَ يَهْدِى القوم الكافرين» «البقرة: 264». معنى ذلك أن الله لا يهدى إلا الذين آمنوا به. وهدايته للمؤمنين تكون بمعونتهم على الاستمرار فى الهداية؛ فالكل قد جائته هداية الدلالة ولكن الحق يختص المؤمنين بهداية المعونة.

اقرأ أيضاً | خواطر الإمام الشعراوي.. تعدد الأهواء

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة