جـلال عـارف
جـلال عـارف


فى الصميم

من يدفع فواتير الحرب القادمة؟

جلال عارف

الجمعة، 02 ديسمبر 2022 - 07:28 م

استهل الرئيس الفرنسى ماكرون زيارته المهمة للولايات المتحدة بتصريحات أكد فيها بالطبع على قوة التحالف بين الدولتين الصديقتين، لكنه- فى إشارة هامة- حذر من خطر أن تذهب فرنسا «أوروبا عموما»، ضحية التنافس التجارى بين أمريكا والصين. مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تنظر أولا إلى مصالحها «وهذا أمر طبيعي»، ثم تمنح الأولوية للتنافس مع الصين قبل أى شيء آخر.. بما فى ذلك العلاقات مع الحليف الأوروبي!!

فى خلفية هذه الإشارات من الرئيس ماكرون جرح فرنسى من صفقة الغواصات النووية التى عقدتها أمريكا مع استراليا التى ألغت بدورها صفقة كانت قد عقدتها مع فرنسا بحوالى ٦٠ مليار دولار لتوريد غواصات فرنسية. والأهم أن ذلك تزامن مع الإعلان عن تحالف عسكرى ضم أمريكا وأستراليا مع بريطانيا واستبعد فرنسا التى لها مصالح كبيرة فى المنطقة!

وفى خلفية هذه الإشارات من الرئيس ماكرون أن أوروبا التى تدفع ثمنا باهظا فى حرب أوكرانيا ترى أن أمريكا التى تقود هذه الحرب فى مواجهة روسيا لا تتحمل الكثير مثل الحلفاء الأوروبيين، بل تبيع لهم الغاز- كما شكا ماكرون من قبل- بأربعة أمثال ثمنه فى أمريكا!

وفى خلفية المخاوف الفرنسية والأوروبية أن أوروبا التى تقاسى آثار الحرب الأوكرانية تجد نفسها تحت ضغط أمريكى هائل لكى تنحاز أوروبا لها بصورة كاملة فى صراعها «أو تنافسها!» مع الصين.

وفى نفس الوقت تجد نفسها ضحية السياسات التجارية لأمريكا فى مواجهة الصين. هذه السياسات التى رصدت فيها أمريكا مساعدات هائلة تريليونات الدولارات لدعم الشركات الأمريكية والحفاظ على تفوقها التكنولوجي، ووضعت قوانين لحماية الصناعة الأمريكية ومنحها الأفضلية مع فرض ضرائب ووضع قيود على المصنوعات الأجنبية، وهو ما يمثل خطرا على الصناعات الأوروبية «وخاصة الألمانية»، التى تعتمد كثيرا على السوق الأمريكية.

من الممكن أن تقدم واشنطون بعض التنازلات الاقتصادية الصغيرة لارضاء الحلفاء فى أوروبا، لكن جوهر السياسة التى وضعتها لصالح الصناعة الأمريكية والاقتصاد الأمريكى لن تتنازل عنها حتى لو اتهمت بالخروج على اتفاقيات التجارة الحرة. ما يهم أمريكا هو المنافسة القاسية مع الصين ولن تترك سلاحا فى يدها لن تستخدمه فى هذه المنافسة حتى لو وقع بعض الضرر على أقرب الحلفاء.
فى المقابل..

فإن الدول الرئيسية فى أوروبا والتى تدفع ثمن الحرب ضد روسيا الآن، لا تريد أن تتحمل تكلفة حرب أكثر شراسة ضد الصين، وترى أن من حقها أن تسير على نهج أمريكا وأن تدافع عن مصالحها أولا. ولهذا رأينا مستشار ألمانيا يصحب كبار رجال الصناعة والمال فى بلاده أثناء زيارته الأخيرة للصين فى إعلان واضح عن رغبته فى دعم العلاقات التجارية الهامة بين البلدين.

ورأينا فرنسا «وهى القيادة السياسية لأوروبا» تتحفظ فى الانطواء تحت السياسة الأمريكية تجاه الصين. بل تعمل على أن تتعاون باريس مع بكين من أجل إنهاء الحرب فى أوكرانيا، وتدعم الإبقاء على العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا دون الإخلال بالأمن أو إضرار بالمصالح الوطنية لكل الأطراف.

.. ويبقى السؤال الهام: إذا كانت أوروبا تخشى من الآن أن تكون ضحية التنافس «أو الصراع»، بين أمريكا والصين. فماذا عن الساحات الأخرى للصراع فى افريقيا وآسيا والشرق الأوسط؟.. وهل نأمل أن نكون فى عالمنا العربى قد تعلمنا من تجارب الماضى أن نستعد لهذه المواجهة، أو أن نرفض - مثل أوروبا- أن ندفع تكلفتها، وأن ندرك أنه لا سبيل أمامنا إلا بناء قوانا الذاتية وتوحيدها بقدر الإمكان؟!

مفتاح الأمل هو أن يدرك الجميع- قبل فوات الأوان- أن المتغطى بغير عروبته.. عريان.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة