فرقة أفريقية
فرقة أفريقية


أحمد عبد اللطيف يكتب: معرض كتاب فنزويلا: أرض السحر تستضيف أفريقيا

أخبار الأدب

السبت، 03 ديسمبر 2022 - 03:39 م

في الفترة من 10 إلى 20 نوفمبر نظمت العاصمة الفنزويلية كاراكاس معرضها السنوي للكتاب، واختارت أفريقيا ضيف الشرف باعتبارها القارة الغنية والمتنوعة في ثقافتها، لكنها أيضًا القارة التي عانت، مثل أمريكا اللاتينية، ويلات الحروب والديكتاتوريات والاستعمار، ليلتقي تاريخ القارتين في القهر والقمع، كما يلتقي في النضال والتحرر من الهيمنة الأجنبية. لذلك، رفع المعرض شعار «اقرأ، تتحرر» أو تتحرر من الاستعمار.


يأتي المعرض الفنزويلي في سياق سياسي واقتصادى معقد، فالبلد الأمريكي اللاتيني محاصر اقتصاديًا من قبل الولايات المتحدة، في عقوبة ترجع أسبابها لرفض مادورو، رئيس فنزويلا الاشتراكي، أي تدخل أمريكي في اقتصاد بلده وسياستها، وخاصةً التدخل في الثروة البترولية الهائلة التي تعوم عليها فنزويلا.

وهذا الحصار أدى إلى تسريح العمال والموظفين، وإدخال البلد في حالة من الفقر المدقع، يلازمها انقطاع في الكهرباء (منذ سنوات ضربت أمريكا محطة الكهرباء الرئيسية بالعاصمة وأغرقت البلد في ظلام امتد لأسبوع) ومنع الاستيراد والتصدير وارتفاع جنوني في الأسعار لأن معظم السلع مهرّبة من الخارج.

وما يؤدي لارتفاع سعر السلع المحلية أيضًا. ورغم ذلك، فهناك جاء تنظيم معرض الكتاب لافتًا، إذ توسع في معنى الفن والثقافة بشكل عام، وخصص مكانًا لعرض الكتب والندوات وإلقاء الشعر والقضايا، وقاعات لعرض لوحات من الفن التشكيلي للعديد من الفنانين الأمريكيين اللاتينيين، ولم تغب الموسيقى ولا الغناء، فكان الحضور اللافت للفرق الفنزويلية التي أعطت للمعرض صبغة تتفق مع تصورنا عن أرض السحر والرقص. 


وافتتح المعرض في دورته الـ 18،  نيكولاس مادورو، رئيس الجمهورية، بصحبة إرنسيو بييجاس، وزير الثقافة، وفي حضور عدد كبير من كتاب فنزويلا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا.

وخلال أيام المعرض تم تكريم عدد من الأسماء اللامعة والمناضلة من بينها كارمن كليمينتي، وهي باحثة وعضو في الحزب الاشتراكي ومن رائدات النضال من أجل حقوق المرأة الفنزويلية في القرن العشرين؛ وأندريس بييو وفرانثيسكو دي ميراندا، لإسهاماتهما في العمل المسرحي.


 نظم المعرض 600 نشاطً على مدار عشرة أيام، ما بين ندوات تقديم الكتب والندوات الفكرية والثقافية والحفلات الموسيقية والمسرحية، وشارك كاتب هذه السطور بمحاضرتين، واحدة حول تأثيرات الأدب العربي في أعمال بورخس، والثانية عن تطور الرواية المصرية وانفتاحها على الرواية اللاتينية من خلال الترجمات.

وبدايةً من تأسيس المعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد ومرورًا بترجمة رواية الواقعية السحرية، فيما شارك الأثري المصري محمود السيد بمحاضرتين حول الحضارة المصرية القديمة وتاريخ النضال المصري ضد الاستعمار الفرنسي والبريطاني ثم الاستقلال.


أفريقيا ترقص
يمتد التاريخ بين أفريقيا وفنزويلا حتى يعتبر أحد أهم الروافد الثقافية في هذا البلد اللاتيني. هذا التداخل الثقافي والاجتماعي لا يتوقف عند الهجرات الأفريقية، وإنما يصل للتاريخ المتشابه كذلك: الاستعمار الإسباني في قارة، والبريطاني والفرنسي في القارة الأخرى، وتجريف لغة كل من القارتين لتتبنى لغة المستعمر ودينه، ثم تاريخ طويل مؤطر بالنضال ضد المستعمر نفسه.

ورغم الاستقلال يبقى الدين واللغة كأسس حتى في الدولة الجديدة. من هنا كان الاحتفاء بأفريقيا احتفاءً بالنضال من أجل الاستقلال، ما تمثّل في استعادة الزعامات الأفريقية، ومن بينها عبد الناصر، والزعامات اللاتينية التي أعلنت التحرر وأسهمت في تحقيقه، من مانديلا إلى جيفارا.


الحضور الأفريقي تمثل بشكل أكبر بفنونه، بموسيقاه وأغانيه ورقصاته، وبتداخل هذه الفنون مع الفن الفنزويلي. لذلك، فميزة هذا المعرض أنه ثقافي بالمعنى العام، ورغم أنه «معرض كتاب» إلا أنه امتلأ بالموسيقى والغناء، ما يتفق مع السحر اللاتيني وثقافة الرقص في الشارع ونصب الآلات الموسيقية في أي مكان.

وعلى هامش هذا الحضور المجسد، كان التبادل الثقافي بين القارتين على المستوى الأدبي والفكري، وهو ما أشارت إليه البروفيسيرة عميرة زبيب، وهي أكاديمية فنزويلية من أصول لبنانية، في كلمتها عن «الإسلام الحقيقي والإسلام المصنّع في معامل أمريكية».

وتناولت فيها تكوينات داعش والقاعدة وبعدها عن الإسلام الحقيقي في المنطقة العربية، والهجرات العربية إلى القارة اللاتينية وانسجامها في المناخ الجديد. ورغم أن فنزويلا لم تشكّل مقصدًا كبيرًا للهجرات العربية، مقارنة بالأرجنتين وكولومبيا، إلا أنها نالت نصيبًا منها وإن كان أقل من النصيب الأفريقي.


وغطّى المعرض المبهج في تفاصيله والحسن في تنظيمه مناحي شتى من الحياة الفنزويلية وتكويناتها الثقافية، ولم يكن تناول الاستعمار كثيمة رئيسية محض استرجاع للماضي، إذ لا تزال الدولة اللاتينية تدفع ثمن استعمار آخر وتدخل سافر من الولايات المتحدة في شؤونها لفرض سيطرتها على البترول والغاز الطبيعي، استعمار يتمثل في الحصار الاقتصادي وعزل فنزويلا عن العالم.

وما أدى إلى إفقار الشعب وسوء الأحوال حتى بات الأمن في الشوارع غاية بعيدة، وصارت العودة إلى البيت في سلام حدثًا يستحق حمد الله. من هنا كان حضور زعماء الاستقلال في صور متناثرة في المعرض.

وكثرة الكتب التي تتناول تاريخ النضال والاستقلال والهوية الفنزويلية واللاتينية عنصرًا رئيسيًا في معرض لم يغب عنه البعد السياسي، إذ السياسي والثقافي متداخلان في بلد يعاني بهذا الشكل، ويمثّل ساسته مثقفوه أيضًا، فالوزراء شعراء ومفكرون ومثقفون، وكثير من المثقفين يتبنون موقف السلطة من مناهضة الولايات المتحدة.

وإن كان هامش المعارضة ومناهضة السلطة نفسها موجودًا سواء من مثقفين خارج السلطة أو من مواطنين لا يرون في اختيار الحكومة اختيارًا صائبًا، وهو ما عبّرت عنه مظاهرات العام قبل الماضي.


ولعل اللافت في معرض كاراكاس هو التمثيل المتنوع لثقافة السكان الأصليين، وهم السكان الذين يطلق عليهم خطأ «الهنود الحمر»، وهي الحضارات السابقة للاستعمار الإسباني، بكل ما تمثله من لغة وملابس وموسيقى ورقص

 

وهو ليس استحضارًا للماضي فحسب، وإنما تمثيل للحاضر ايضًا، فبعض المقاطعات الفنزويلية لا تزال ترتدي نفس الملابس وتتحدث بنفس اللغة بعيدًا عن ما جلبه الاستعمار. في هذا السياق تأتي «جامعة السكان الأصليين» تعبيرًا عن هذا التمسك بالماضي، حيث يحضر الطلبة والمدرسون بملابس تتكون من قطعة واحدة من أسفل وبصدر عارٍ ليجلسوا أمام الكمبيوترات الحديثة.

وفي رسالة مضمنة أن الحضارة القديمة بوسعها أن تعبر للمستقبل بدون العبور بفترة الاستعمار الإسباني.


وأخيرًا، فالمعرض ضم كل هذا الزخم في تنظيم مبهر، مثّل بشكل ديمقراطي الثقافات المتعددة، وأغدق بكرم على أفريقيا للتعريف بها، بحضور لمس الجمهور ولاقى إقبالًا لافتًا. وكان الحضور المصري والتونسي تمثيلًا للثقافة العربية والأفريقية معًا، والإقبال على ندواته عكس اهتمامًا فنزويليًا بهذا الجانب المكوّن للثقافة.


اقرأ أيضا | مشاركة الكورال والفنون التشكيلية في افتتاح الرئيس لمدينة المنصورة الجديدة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة