عبدالله البقالى
عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

مــا وراء الحملـــة

الأخبار

السبت، 03 ديسمبر 2022 - 06:54 م

كان من الواضح والمؤكد منذ البداية أن الحروب الإعلامية والديبلوماسية التى تشنها أوساط غربية، وأوروبية بالخصوص، ضد دولة قطر، ليست معزولة عن سياقات سياسية واستراتيجية معينة، وليست بريئة من خلفيات محددة.

وإن استخدمت هذه الحروب قفازات حقوقية، فإنها لم تخل من جرعات التوظيف السياسى والاقتصادى الذى يخدم حسابات ومصالح اقتصادية لمجموعة شركات غربية عملاقة، اعتادت أن تحوز النصيب الأوفر من كعكة المشاريع التجارية والاستثمارات الاقتصادية الكبرى.

وتجلت الخلفيات الحقيقية منذ اللحظة الأولى من إطلاق حملة أوروبية عنيفة ضد دولة قطر، ولم يحتج الكشف عن هذه الخلفيات لأى جهد فكرى معين ولا إلى ذكاء خارق.

فدولة قطر حازت على تنظيم نهائيات كأس العالم قبل إثنتى عشرة سنة بالتمام والكمال من الآن، بقرار من الاتحاد الدولى لكرة القدم، الذى تسيطر على مفاصله الدول العظمى. ولم يسمع أحد آنذاك لصوت واحد من الدول الغربية منتقدا أو معارضا للقرار. ولم يهتم أحد بحقوق الإنسان ولا بحقوق الأقليات ولا بأحوال بعض المرضى.

ونتذكر اليوم أن الرئيس السابق للاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) جوزيف بلاتر أعلن منتشيا عن فوز قطر باحتضان النهائيات. حينما تكون الأمور على هذه الأحوال وتنقلب فجأة بصفة مطلقة، فإنه من الطبيعى تفسير ذلك بمستحدثات وتطورات لاحقة أجبرت كثيرا من الدول الغربية على الانقلاب على مواقفها السابقة والشروع فى حملة استعداء قوية ضد قطر، وأقنعت مسئولا فاسدا فى حجم بلاتر بالتعبير عن ندمه لمنحه تنظيم نهائيات كأس العالم إلى قطر.

طبعا، تعلمنا من طبيعة العلاقات الدولية السائدة، ومجرى وسياق النظام العالمى المعاصر، أن العديد من الأزمات السياسية المعاصرة مردها تصادم المصالح الاقتصادية للقوى المتحكمة فى العالم.

لذلك حينما بدا أن ضمير الغرب استفاق فجأة للدفاع عن حقوق الإنسان فى قطر، وخصوصا حقوق العمال الأجانب، وحقوق المثليين، وهى ذات الحقوق التى غفل عنها الغرب نفسه، حينما احتضنت روسيا نهائيات كأس العالم السابقة، فإنه من الضرورى البحث عن الدوافع الاقتصادية التى كانت سببا فى الاستفاقة المفاجئة للغرب والتى تفسر، ولا نقول تبرر، العداء المباغت للغرب ضد دولة عربية مسلمة صغيرة فى حجم قطر.

الأكيد أن حجم الاستثمارات فى البنية التحتية القطرية، وفى توفير شروط وظروف تنظيم لائق بنهائيات كأس العالم لكرة القدم، والتى ناهزت تكلفتها 220 مليار دولار، وهو مبلغ غير مسبوق فى تاريخ هذه النهائيات، استقطب اهتمامات الشركات الغربية الكبرى، ومن الطبيعى أن تكبر أطماعها فى مثل هذه المناسبات، وحينما تخلص إلى أنها لم تحز الجزء الكبير من الكعكة ، فإنها تستنفر إمكانياتها وجهودها للانتقام.

وموازاة مع ذلك، فإنه فى نفس الوقت الذى كانت ضراوة الحروب الإعلامية والرمزية التى قادها الغرب ضد قطر تزداد، كانت تجرى مفاوضات مباشرة بين دول غربية وقطر، خصوصا مع ألمانيا فى شأن خلاف محتدم بين الطرفين حول توقيع اتفاقية لإمداد ألمانيا بالغاز القطري. وكان الخلاف حادا حول مدة الاتفاقية بين الطرفين.

إذ كانت ألمانيا مصرة على تقليص مدة الاتفاقية إلى بضع سنوات قد تنخفض إلى سنتين.

بينما كانت قطر متفطنة إلى النوايا السيئة للطرف الآخر، الذى يريد استخدام قطر قنطرة صغيرة لعبور أزمة الغاز الراهنة، وتحسبا لنجاح مشاريع الطاقة البديلة الكبرى التى استثمرت فيها ألمانيا للتخلص من عقدة الغاز الخارجي، والتحرر من الارتهان للأسواق الخارجية التى تبقى مرتبطة بالتطورات السياسية والجيواستراتيجية العالمية.

وفى خضم احتدام الخلاف التجأت ألمانيا إلى منهجية افتعال الحرب الموازية، واختارت لها حقل القيم والهويات والأخلاق، لذلك نفهم اليوم لماذا رفعت وزيرة خارجية ألمانيا شارة المثليين، ولماذا طلب من لاعبى المنتخب الألمانى وضع أياديهم على أفواههم قبل بداية مباراتهم بالدوحة ضد المنتخب الياباني، مما ساهم فى إبعادهم عن التركيز على الكرة، وتلقوا جراء ذلك هزيمة مذلة.

ولذلك نفهم اليوم لماذا اضطر البرلمان الأوروبى إلى الاجتماع بصفة طارئة لاستصدار قرار بشأن حقوق الإنسان فى قطر، فى نفس الوقت الذى تحجب عنه الحسابات السياسية الرؤية عن قضايا مصيرية تهم مستقبل البشرية جمعاء.

وبعدما اضطرت برلين للتوقيع على اتفاقية الغاز بالصيغة التى تراعى المصالح القطرية المشروعة حيث وصلت مدة العقد إلى 15، ولم تفلح منهجية الابتزاز فى إخضاع الطرف الآخر، خفتت حدة الحملة العدائية، لأن موضوع الحسابات تم الحسم فيه، ولم تعد هناك حاجة إليها بعدما استنفدت أهدافها.

والواضح أن الحملة الغربية المنظمة ضد قطر كانت لها آثار إيجابية على قطر نفسها، لأنها نقلت قضية احتضان هذه النهائيات إلى مستوى التحدي، الذى مثل عاملا محفزا لإرادة القطريين، مما ساهم فى الرفع من معدلات نجاح هذه التظاهرة الرياضية العالمية. ومكن قطر من تنظيم أكثر دورات نهائيات كأس العالم نجاحا وتفوقا.

لذلك انتهت الحرب على قطر بانتهاء الحسابات السياسية والاقتصادية الدقيقة، والتى يستعمل فيها الغرب قضايا الهوية ذات الحساسية المفرطة حصان طروادة، لتحقيق أهداف اقتصادية وتجارية. وهو توظيف يكتسى خطورة كبيرة جدا، لأنه يهدد بنقل قضايا التنوع والدين واللغة واللون والأقليات والجنس من ساحات النقاشات والخلافات الطبيعية، إلى عوامل فتنة حقيقية بين شعوب العالم. حيث يتعمد الأقوياء فرض فهمهم وقراءتهم لقضايا الهوية والإنسية، ويصرون على إلغاء الخصوصيات.

لذلك، فإن ما تعرضت له قطر مجرد محطة فى مسار خلافات ينحو بها الغرب فى اتجاه العنف وهو مجرد لقطة من مشهد فى مسار مشاهد كثيرة وطويلة الأمد .

نقيب الصحفيين المغاربة

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة