حازم نصر
حازم نصر


يوميات الأخبار

دكتورة «رنا» قاهرة الظلام

حازم نصر

السبت، 03 ديسمبر 2022 - 08:31 م

لم يدر بخلد «قاهر الظلام» طه حسين، أن فكرته ستُثمر بعد سبعة عقود عن «قاهرة جديدة للظلام»؛ لتُنير الطريق لذوى البصيرة، وتفتح أمامهم نوافذ الأدب العالمى والمعرفة الإنسانية.

3 مارس 1951

قام عميد الأدب العربى طه حسين بزيارة مدينة المنصورة.. العميد كان وقتها وزيرًا للمعارف، ولبَّى دعوة أبنائها، الذين كانوا قد توجهوا إليه، طالبين إنشاء جامعة بمدينتهم على غرار جامعتى فؤاد الأول والإسكندرية.. لم يخذلهم العميد، لكنه طلب منهم جمع 100 ألف جنيه؛ للبدء فى إنشاء كلية للطب تكون نواة لها.

طه حسين كان يرنو ببصيرته إلى المستقبل، وكانت قناعته أن أبناء المنصورة لديهم بيئة فريدة لا تتوافر فى أى مكان آخر، ستكون حاضنة لجامعتهم المأمولة.
كما كان يعلم يقينًا أن تلك البيئة أنجبت لمصر نخبة من رواد التنوير والحداثة والنهضة العلمية والفنية والثقافية؛ وعلى رأسهم أبو التعليم فى مصر على مبارك، وأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، وصاحب الرسالة أحمد حسن الزيات، وأمير الصحافة محمد التابعى، وكوكب الشرق أم كلثوم، وغيرهم الكثير.

نجح العميد خلال الزيارة فى جمع 200 ألف جنيه، بعد أن تسابق أبناء المنصورة للقائه بالنادى الملكى؛ ومن بينهم سيدات توجَّهن للتبرع بحُليّهن.

المبلغ كان أكثر مما استهدفه، فعلق على ذلك قائلًا: «الدقهلية بلغت من السخاء أقصاه، وجاوزت حدوده، حيث جاد الإقليم بمبلغ 200 ألف جنيه لنشر العلم فيه».

لم يدر بخلد «قاهر الظلام» طه حسين، أن فكرته ستُثمر بعد سبعة عقود من الزمان عن «قاهرة جديدة للظلام واللوائح البالية»؛ لتُنير الطريق لذوى البصيرة، وتفتح أمامهم نوافذ الأدب العالمى والمعرفة الإنسانية فى شتَّى مناحيها.

الدكتورة رنا حامد عوضين.. رحلتها كانت مليئة بالأشواك والصعاب، واستطاعت بإرادتها الصلبة تخطيها جميعًا.. فمنذ أيام حصلت على الدكتوراه فى الأدب الإجليزى من كلية الآداب بجامعة المنصورة بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع رسالتها على نفقة الجامعة وتبادلها مع الجامعات الأجنبية، وهو أعلى تقدير للحصول على الدكتوراه محليًا وعالميًا.

كانت طفلة متميزة تعرَّضت لحادث أفقدها البصر، لكن لم يفقدها البصيرة، كما لم يُؤثر على إرادتها وعزيمتها ومثابرتها للتغلب على ما واجهها من تحديات.
لن أنسى ذلك اليوم من عام 2003، عندما حضرت بصحبة والديها لمكتب «أخبار اليوم» بالمنصورة، وكانت الأولى على الجمهورية بالثانوية العامة للمكفوفين..

تقدمت للالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، لكن لوائح الكلية حالت فى بادئ الأمر دون ذلك، حيث كانت تقصر القسم على المبصرين.

كتبت وقتها للدكتور مفيد شهاب، وكان وزيرًا للتعليم العالى، فاتخذ قراره الفورى بنسف تلك اللائحة البالية؛ لتكون «رنا» أول طالبة كفيفة فى تاريخ الكلية تلتحق بهذا القسم.

واصلت تفوقها وحصلت عقب تخرجها على الماجستير فى الأدب الإنجليزى، ومن قبلها على دبلوم عام فى التربية.

وفى عام 2017، فوجئت باتصال من والدتها المربية الفاضلة سعاد عبد الرازق تُخبرنى برفض إدارة كلية التربية بالجامعة التحاق «رنا» بالدبلوم المهنى فى التربية الخاصة، بحُجة أن اللوائح تقصرها على المبصرين.

تصادف وجودى أثناء الاتصال بصحبة الصديق الدكتور محمد القناوى، رئيس جامعة المنصورة آنذاك، وكنا فى طريقنا لدير القديسة دميانة؛ تلبيةً لدعوة الراحل الأنبا بيشوى لحضور الاحتفال بمولدها، فسردت عليه الواقعة، فاتخذ د. القناوى قراره فى اليوم التالى بنسف تلك اللائحة البالية أيضًا، وإلحاقها بالدبلومة، فكان أن حققت المركز الأول على الدارسين وجميعهم من المبصرين.

فى ذات العام، قامت «رنا» بتسجيل أطروحتها للدكتوراه تحت عنوان: (النقد الاجتماعى فى روايتى.. اذهب واحكها فوق الجبل» لجيمس بولدوين و»الابن الأصلى» لريتشارد رايت).

الموضوع مُعقد ومُتشابك واستلزم جهدًا مضنيًا، حيث قامت بالبحث عن دور النقد الاجتماعى فى الروايتين العالميتين الشهيرتين، وركزت على التحليل الأدبى لأبرز التيمات والأساليب فى الروايتين.

ثقافة «رنا» الموسوعية وهواياتها المتعددة الناجمة عن عشقها للقراءة سواء بطريقة برايل أو بمساعدة والديها وشقيقتيها، حيث تُعتبر القراءة بمثابة نزهة فكرية يومية، مما كان من أهم عوامل نجاحها فى إنجاز هذا البحث الفريد.

فالنقد الاجتماعى فى الروايتين كان يستهدف تحديد الأسباب التى تقف وراء فساد المجتمعات فى ذات البنيان الاجتماعى المتهالك، وهو الهاجس الذى بات يُؤرق معظم دول العالم، شرقه وغربه على حد سواء.

وبات الأدباء والنقاد الاجتماعيون حائرين فى وضع تصوراتهم لترميم هذا البناء المتهالك عن طريق الإصلاح التوافقى.

أبهرت الباحثة أساتذتها خلال المناقشة برصانتها ودقة أسلوبها وإلمامها العميق بالأدب الإنجليزى والعالمى، بجانب الأدب العربى، وكذا بعلم النفس والاجتماع.. ثم كانت كلماتها النابعة من القلب وهى تتحدث عن أمها قائلةً:

«الدين الذى أُدين به لأمى بعيد أبعد من قدرتى على السداد.. لقد فَعلت الكثير من أجلى.. ومن أجل إكمال هذا المشروع وإنجاز مهمتى للحصول على هذه الدكتوراه».

وكان حضور الدكتور شريف خاطر، رئيس الجامعة، جانبًا من المناقشة ذا مغزى مهم، بجانب الدكتور محمود الجعيدى، عميد الآداب، وناصر شعبان، وكيل وزارة التعليم، ولفيف من أساتذة الكلية ورجال التعليم والشخصيات العامة.

لجنة المناقشة برئاسة الدكتور حمدى شاهين، وعضوية الدكتورة هدى سليمان والدكتور إسلام الصادى، أشادوا بإنجاز «رنا» لرسالتها على هذا النحو غير المسبوق، وهو الأمر الذى دفعهم للتوصية بتبادل الرسالة مع الجامعات العالمية.

ويوم الخميس الماضى توج الرئيس عبدالفتاح السيسى تلك الرحلة بتكريمها مع العديد من النماذج المشرفة فى حفل افتتاح المنصورة الجديدة.

خالص التهنئة للدكتورة «رنا»، قاهرة الظلام الجديدة، وناسفة اللوائح البالية، وأسرتها وجامعة المنصورة، التى حرصت على رعاية باحثة استثنائية تسير على خُطى العميد العظيم طه حسين.

مؤتمر المناخ

يحق لكل مصرى أن يفخر بقدرة بلاده على تنظيم مؤتمر المناخ على هذا النحو الذى أبهر الجميع.. أنظار العالم ظلَّت معلقةً بشرم الشيخ، أيقونة مدن العالم، ونجحت مصر فى إخراج النسخة الأفضل للمؤتمر بشهادة الحضور من زعماء العالم وخبرائه ومفكريه.

دهشة الحضور لم تكن فى التنظيم غير المسبوق ولا الحفاوة التى قابلتهم أينما اتجهوا، ولا بروعة شرم الشيخ وأجوائها البديعة.. ولكن الأهم، وعلاوةً على كل ذلك، الخروج فى نهاية المطاف ولأول مرة بالتوافق حول إنشاء صندوق الخسائر والأضرار التى لحقت بالدول النامية والفقيرة، والتى تحمَّلت معظم الخسائر جراء التغيُّرات المناخية، وما كان لهذا التوافق أن يتحقق لولا الجهود المضنية التى بذلتها مصر على مدار أسبوعين متواصلين.

وجاء خطاب الرئيس السيسى مُعبِّرًا عن هموم وآمال بنى البشر فى الحفاظ على كوكبهم الأرضى، بجانب دعوته لإيقاف آلة الحرب الروسية الأوكرانية، بعد ما خلّفته من دمارٍ وويلاتٍ وأزماتٍ اقتصاديةٍ جَنت ويلاتها معظم أقطار العالم.

تزامن مع انعقاد المؤتمر، خروج دعوات من جانب بعض مَنْ يمارسون خيانة الوطن جهارًا نهارًا من طيور الظلام وأعوانهم المنتمين لجماعات إرهابية دون خجلٍ أو حياءٍ للدعوة للتظاهر، واهمين بقدرتهم على التشويش على المؤتمر أو النيل من مقدرات الوطن.

وكان الدرس الذى لقَّنه لهم أبناء مصر قاسيًا ومُوجعًا أفقدهم توازنهم.. لكن كعادتهم لم يخجلوا ولم يستحوا، فعادوا كالذى يتخبَّطه الشيطان من المسِّ يُمارسون إفكهم وكذبهم وبث سمومهم من خلال قنواتهم ومنابرهم المشبوهة، ولا أعرف متى يستحى هؤلاء من ممارسة خيانتهم المفضوحة ويتوقفوا عن استهداف كل نجاح تُحققه مصر فهى أقوى وأكبر مما يتصورون.

المنصورة الجديدة

بعد عقودٍ من الانتظار.. أخيرًا تحقَّق الحلم واففتح الرئيس السيسى المنصورة الجديدة ساحرة الدلتا ونافذتها على البحر المتوسط.. مدينة ذكية ومستدامة وسكنية وخدمية بمواصفات عالمية، وتُعدُّ نواةً للتنمية الاقتصادية لدلتا مصر.. ارتفع بنيانها فى غضون أعوام قليلة، حيث قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بتدشينها فى مارس 2018، وذلَّل كل العقبات التى كانت تحول دون ارتفاع بنيانها.

وأتصور سعادة الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، بهذا الإنجاز، حيث كان أول من وضع اللبنات الأولى لها وأشرف على تخطيطها وإجراء كل الدراسات المتعلقة بها عندما كان رئيسًا لهيئة التخطيط العمرانى بوزارة الإسكان.. وتعثَّر المشروع القومى الكبير بعد أحداث 25 يناير، ثم تابع د.مدبولى بدأبٍ التنفيذ على أرض الواقع عندما تولى مسئولية وزارة الإسكان وبعدها رئاسة الوزراء.

حقًا.. إنها الجمهورية الجديدة التى تشهد كل يومٍ إنجازًا غير مسبوقٍ فى جميع ربوع الوطن.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة