الفنان التلقائي حسن عبد الرحمن
الفنان التلقائي حسن عبد الرحمن


د. طارق عبد العزيز يكتب: إبداعاته الفطرية في متاحف العالم حسن الشرق.. أيقونة الغرب

أخبار الأدب

الأحد، 04 ديسمبر 2022 - 02:44 م

 

 نشأته ومحاكاته التشخيصية خلفت لنا متعة بصرية غير مألوفة
 وزارة الثقافة مطالبة  بالحفاظ على متحفه ليظل قبلة للفن التشكيلي في صعيد مصر
 مفرداته هزمت الحاجز الذي اعتمد على شفرات خاصة فى التشكيل والتكوين.


ذاع صيته في ألمانيا والولايات المتحدة قبل أن نعرفه نحن هنا في مصر أعلنوا عن ميلاده كفنان تشكيلي فطري صاحب مدرسة وأسلوب خاص قبل أن يعرفونه في المنازل المجاورة في قريته في صعيد مصر إنه الفنان التلقائي حسن عبد الرحمن الشهير بـ «حسن الشرق» الذي رحل عن عالمنا قبل أيام (1949-2022) تاركًا إرثًا كبيرًا في متحفه الذي يحمل اسمه في قريته زاوية سلطان بمحافظة المنيا.

وعدد من المتاحف العالمية مثل اللوفر في فرنسا، والتاريخ في مدينة سانتا فيه بأمريكا، ومتحف توتى الأثرى بألمانيا، والأكاديمية المصرية بروما، ومتحف الفن الحديث بساحة الأوبرا، والجامعة الأمريكية فى مصر وفى عدة دول أخرى مثل يوغسلافيا وكولومبيا وفرنسا وسويسرا واليونان.


كان الفنان الفرعونى أول من رسم الأزهار والطيور والرموز على جدران المقابر فى تناسق هندسى رائع، يعكس ميولًا تشكيلية فطرية اكتسبها من البيئة المحيطة والطبيعة التى شكلت وجدانه وانعكست فى أعماله جلية تحكى حقبة من التاريخ.


الفنان حسن الشرق نشأ فى زاوية سلطان “شرق النيل” بعروس الصعيد- محافظة المنيا، تلك البقعة التى كانوا يطلقون عليها زاوية الأموات أو المثوى الأخير لما تحتويه من مقابر كثيرة، وكانت تشكل قببها بتلاحمها أشكالًا جمالية هندسية يستوحى منها الفنان رموزًا لأعماله، إضافة إلى وجود النيل والرقعة الزراعية المحيطة والمنازل الريفية البسيطة.


كل هذه العناصر ساعدت فى ثقل موهبة حسن الشرق، الذى لم ينل حظه من التعليم سوى المرحلة الابتدائية.. وعندما حاول ثقل موهبته عن طريق باب الالتحاق بقسم الدراسات الحرة بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا ، نصحه المتخصصون أن يستمر فى ممارسة فنه الفطرى وبنفس الأسلوب والأدوات.

ولا يحاول أن يغير مسلكه إلى طريق آخر ربما يبتعد بموهبته ويغير مسارها، وربما أتت هذه النصيحة بنتائج أهمها أننا أمام حالة خاصة من الفن التلقائى التجريدى، وبمنظور مختلف وآداء رمزى لاشعورى تحركه الفطرة والبساطة.

وهذا النوع من الفن يعتمد على فكرة الجمال والتخيل وتبسيط المفردات فى مسطح العمل الفنى، مما يجعله ذاتيًا غامضًا فى إطار النمط التجريدى الذى يرتكز فى التنفيذ على البعدين الأول والثانى فقط وهذا ما خلق لنا حالة حسن الشرق الخاصة به وبمفرداته دون غيره.


تعود قصة اكتشاف موهبة الشرق إلى الألمانية أورسولا تشرنش التى ذهبت إليه فى قريته بشرق النيل بعد أن حدثوها عنه بعض أساتذة الفنون الجميلة بالمنيا، التقت به فى بيته الريفى البسيط وشاهدت أعماله التلقائية وشعرت انها أمام موهبة.

وبدأت انطلاقته فتحى إلى العالمية من هذه اللحظة حيث بدأت سلسة معارضه من دار الأوبرا المصرية ومنها إلى مدينة شتوتجارت الألمانية حيث أقامت له أوروسولا أول معرض هناك وكان ذلك عام 1989، ثم تنقل الشرق بين دول العالم حاملًا أحلامه وطموحاته البسيطة.

وإبداعاته المختلفة ليسجل اسمه فى سجل الفنانين التشكيليين الفطريين وأهمهم فى منطقة الشرق الأوسط، وتعود واقعة إطلاق اسم حسن الشرق عليه إلى مسابقة أقيمت فى ألمانيا وحصد فيها الجائزة الأولى عن منطقة الشرق الأوسط، فبدأت الصحف الأوروبية والألمانية تكتب عنه وتصفه بـ حسن الشرق فى إشارة الى  إلى انتمائه لثقافة وحضارة الشرق.


كان يقول حسن : أنا لم أنل حظى من التعليم الأكاديمى لكننى علمت نفسى بنفسى، وكان من الطبيعى أن امتهن مهنة الجزارة مثل أبى، لكننى تمردت على ذلك وكل ما أفادنى من مهنة والدى ورق اللحمة الذى كنت اختلسه منه للرسم عليه واستطعت أن أحقق أحلامى من خلال هذا الورق.


كانت قرية حسن الشرق خالية من المكتبات وكان يعانى فى الحصول على الألوان والأقلام التى كان يحتاجها فى الرسم، لكنه تحايل على ذلك باعتماده على الصبغات والكركم والعرقسوس واعتمد عليها فى صناعة الألوان التى شكلت حالة وجدانية خاصة فى لوحاته فيما بعد.


 كان يستوحى أعماله من التردد على الموالد حيث كان يذهب متأملًا المشاهد الصوفية والصخب المصاحب لموالد سيدنا الحسين، والسيدة زينب، والإمام الرفاعى، ويختزل تلك المشاهد والحركات فى ذاكرته البصرية، ثم يترجمها فى أعماله فى مدرسته التلقائية الخاصة فتجد رموزًا شعبية وموتيفات مثل الكف “خمسة وخميسة”.

والعروسة الورق التى كانوا يصنعها الأجداد اعتقادًا بمنع ورأب ومعالجة الحسد، وكذلك الخرزة الزرقاء والجعران والنخلة إلى آخر تلك الرموز التى حولها إلى منمنمات حتى أصبحت أهم مايميز أعماله وتم شراء بعض هذه المنمنمات خلال معرض خاص أقامه فى كولومبيا وحولوها إلى وشم يضعونه على الأجسام.


تعكس لوحات الشرق التجريدية قصصًا وحكايات أسطورية حيث ارتبطت أعماله بـ «أبو زيد الهلالى» وشهرزاد، والشاطر حسن، وكانت تجذبه رحلات السندباد الذى كان يطوف دول العالم متأملًا عادات كل دولة وتقاليدها، وكان يشعر أنه السندباد، لكن من خلال ريشته التى يسجل بها مشاهده وحكاياته الخاصة التى كان يتأملها فى يقظته وأحلامه.


أنجز الشرق تجربته الأنية من خلال رصده لتلك المفردات وانخرط فيها منذ طفولته ومن الوهلة الأولى أصبح أسيرًا لها بكل حواسه ووجدانه، وبالرغم من فطرته التشكيلية، إلا أنه استطاع أن يسجل حضورًا فنيًا عالميًا بفضل نسجه الرمزى لأعماله التى تعتمد على الزخارف والمساحات المسطحة بلا قيود أكاديمية.

وانساق وراء حواسه ومعالجته الإبداعية ليتجاوز المواضوعات الاعتيادية المستهلكة من خلال الترميز والتجريد والإيحاءات، وأظنه قد حقق مراده فى تحقيق هذه المعادلة، وستظل أعماله مادة خصبة للباحثين والدارسين لفترات طويلة لما تحتويه من أيقونات جذبت الغرب وجعلته يحتضن لوحاته فى متاحفه الكبرى.

ومن زاوية أخرى ان فطرته البصرية التأملية ومحاكاته التشخيصية قد خلفت لنا متعة بصرية غير مألوفة، وهدمت الحاجز الذى اعتمد فى كثير من الأحيان على شفرات خاصة فى التشكيل والتكوين.


كان حلم عمر حسن الشرق إقامة متحف خاص يضم أعماله وبالفعل نجح فى تحقيق ذلك بتمويل ذاتى، حيث أقامه فى قريته «زاوية سلطان» بعد شراء قطعة أرض بمساحة 1800 متر وتم بناء المتحف على جزء منها وأطلق عليه: “متحف حسن الشرق الفنان العالمى” وأصبح هذا المتحف مقصدًا سياحيًا فى المحافظة حيث تم وضعه على الخريطة السياحية وكان يتردد عليه السياح الأجانب وطلاب كليات الفنون المتخصصة ومحبو الفن التشكيلى.


وبعد رحيل الشرق أناشد وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلانى أن تتدخل للحفاظ على هذا المتحف وتقديم الرعاية الكاملة له من خلال تشكيل لجنة متخصصة من قطاع الفنون التشكيلية للوقوف على حالته ومتابعته وتقديم يد العون لأبنائه ليظل قبلة للفن التشكيلى الفطرى فى صعيد مصر.

اقرأ ايضا | محافظ المنيا ينعي الفنان حسن الشرق

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة