محمد الشماع
محمد الشماع


يوميات الأخبار

عندما طردنى موسى صبرى من أخبار اليوم!

الأخبار

الثلاثاء، 06 ديسمبر 2022 - 07:57 م

حكايات ومواقف إنسانية وصحفية ومهنية تعلمتها من أستاذ الأساتذة موسى صبرى قديس الصحافة الفارس النبيل الذى لم يستطع المختلفون معه إلا أن يحترموه

أول يناير القادم تحل الذكرى الثلاثون لوفاة قديس الصحافة الأستاذ موسى صبرى الانسان والفارس الصحفى الذى لم يستطع المختلفون معه إلا أن يحترموه.. لقد كنت محظوظا ببدء حياتى الصحفية فى وجوده على رأس مؤسستنا العريقة ولى معه العديد من المواقف الانسانية والصحفية التى لا تنسى لقد بدأت اتدرب بل أعمل فى جريدة «الأخبار» مع التحاقى بالسنة الأولى بكلية الإعلام جامعة القاهرة بدأت العمل بقسم العمال والموظفين وهو القسم الذى يغطى الأنشطة النقابية والعمالية وأحوال الموظفين فى قطاعات الدولة المختلفة وحققت نجاحات وانفرادات اشادت بها المصادر الصحفية وقيادات الجريدة، مما دعا استاذى أحمد زين ان يسند لى وزارة الكهرباء والطاقة والتى كان يرأسها المهندس أحمد سلطان نائب رئيس الوزراء ووزير الكهرباء والطاقة تشجيعا لى على نشاطى وتفوقى، الى جانب ذلك كنا أنا وزملائى نقضى معظم اليوم فى الجريدة نحضر فى الصباح ولا نغادر إلا بعد منتصف الليل.. وكثيرا ما كان يتم تكليفى بتغطية الحوادث أو الأحداث المفاجئة التى تستدعى التحرك فوراً الى موقع الحدث كانهيار منزل أو سقوط حافلة فى النيل وهى أحداث كانت كثيرا ما تتكرر خلال فترة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن الماضى حيث كنت احقق انفرادات متميزة فى تلك الأحداث.

وفى حادثة لا أنساها تلقيت اتصالا تليفونيا من أحد مصادرى بأن هناك اعتداء على الطاقم الطبى والمرضى بمستشفى الحسين الجامعى ووقعت إصابات جسيمة لاعضاء الطاقم الطبى والمرضى كما حدثت تلفيات بقسم الاستقبال فى منتصف الليل أسرعت إلى مكان الحادث الذى وضحت فيه اثار الاعتداء وحالة الرعب والهلع التى اصابت الجميع مرضى واطباء، واقسام الاستقبال كانت تشبه مسرح معركة شرسة وآثار الدماء واضحة على الارضيات والأسرة. بل وجدران الحجرات، جمعت معلومات اولية مفادها ان بعض الاشقياء وتجار المخدرات الذين يتخذون مكانا لمعيشتهم وتجارتهم فى المخدرات خلف المستشفى يسمى حى «الباطنية» هم من قاموا بهذه الاعتداءات واحدثوا الاصابات، وانهم كانوا يختفون من الشرطة داخل المستشفى بل كانوا يخبئون المخدرات التى يتاجرون فيها داخل أماكن معينة فى المستشفى وعندما حاول بعض العاملين منعهم من ممارسة تلك الأعمال. فوجئ المرضى والأطقم الطبية بهذا الهجوم على كل من فى المستشفى!

وأحدث الموضوع ضجة كبيرة مما استدعى الجهات الأمنية إلى التحرك فور صدور الجريدة وتم القبض على بعض البلطجية وتجار المخدرات بالمنطقة. كما تصدر الموضوع نشرة التاسعة فى التليفزيون المصرى.. فى اليوم الثانى استدعانى الاستاذ موسى صبرى وكتب لى بعض الملاحظات التى كان يجب أن أركز عليها فى الموضوع الذى نشر «ومازلت احتفظ بهذه الورقة حتى الآن» جاء فيها أننى لم اتحدث مع المصابين مع اننى كتبت اسماءهم مع العلم أن الصور كانت تدعم كل ما كتبته بكل دقة إلا أن الاستاذ شكرنى واشاد بي! وتم انشاء نقطة شرطة فى المستشفى منذ ذلك التاريخ الذى لا أنساه فى صيف عام 1976!

استمر عملى فى تغطية نشاط النقابات العمالية وكان يكلفنى الاستاذ موسى صبرى بعمل موضوعات عاجلة ومهمة فى اشارة مخفية منه لتشجيع الشباب فقمت بتغطية اجتماعات الجامعة العربية فى الظروف التى جرت فيها عملية السلام وحالة الرفض العربى لمبادرة السلام المصرية، كذلك الانتخابات البرلمانية فى الدوائر الساخنة فى القاهرة بل والعديد من المحافظات التى كان لها طبيعة خاصة كدائرة كفر شكر بالقليوبية ومعركة خالد محيى الدين مع منافسيه فى الدائرة وكان أبرز عناصر المعارضة المصرية، ودائرة المنيل والتى خاضها مصطفى كامل مراد والذى كان يقول لى روح قول للاستاذ موسى صبرى انا حاشكل الحكومة! ودائرة الجيزة والتى كان يتصارع فيها زكريا توفيق عبدالفتاح وزير التجارة والتموين الاسبق فى فترة السبعينيات وكانت فى انتخابات برلمان 1976 وقت أن كان ممدوح سالم رئيسا للوزراء وكانت تلك من أنزه انتخابات فى تاريخ مصر بشهادة المعارضة والمراقبين الاجانب!

انت عملت إيه؟!

وفى أحد الأيام وأنا فى السنة الرابعة قسم صحافة بكلية الاعلام جامعة القاهرة فوجئت بمن يبلغنى بأن الاستاذ موسى صبرى عايزك ضرورى وبسرعة.. هوه انت عملت حاجة؟!

فقلت: لا.. حاجة إيه.. آمال الاستاذ موسى بيقول يجى بسرعة؟! دخلت مكتب الاستاذ الذى كان واقفا خلف مكتبه بدون ابتسامته المعهودة..

وقال لي: انت خلصت؟

قلت: خلصت إيه ياريس!

قال: خلصت الدراسة ولا لسه؟

قلت: فاضل ثلاثة شهور على امتحان البكالوريوس.

فإذا به يقول لى ماشفش وشك هنا تانى إلا بعدما تنجح وتجيب الشهادة.. وماتجيش الجرنال إلا بعد ما تخلص!

وعندما شعر اننى صدمت وانا أغادر المكتب.. فإذا به يقول لى بصوت فيه أبوة خالصة وقلب كبير..ياشماع تيجى كل أول شهر تقبض المكافأة بتاعتك لغاية ما تخلص!!

ولو مخلصتش ماتجيش!

خرجت من المكتب وأنا لا أدرى كيف أحرم من دخولى الجرنال كل هذه المدة الطويلة ثلاثة أشهر، ابتعاد عن متعة تكاد تكون بالنسبة لى أدماناً.. وبالفعل أصبحت أدماناً كما هى الحال لاجيال أعطت كل شيء لهذه المهنة المقدسة.

لم استطع الابتعاد عن المكان والعمل انا اتنفس رائحة الأحبار واستمتع بهدير «صوت» ماكينة الطباعة العملاقة وهى تدفع بمئات الآلاف من النسخ من الجريدة ومتعة الامساك ببداية الأعداد وتصفحها بسعادة وفرح.. كنت أتسلل يوما أو بعض يوم لكى أرتوى من هواء الدار واشاهد اساتذتى ولايمنع ذلك من تقديم بعض الأخبار التى التقطها أو اتلقاها من مصادرى ثم اختفى قبل أن يحضر الاستاذ موسى الذى اعرف مواعيد حضوره وانصرافه كالساعة تماما!

أول سفرية مكافأة 

وفى أحد الأيام أمام مكتب الاستاذ جلال دويدار نائب رئيس التحرير الذى سألنى انت معاك جواز سفر.. قلت له لا.. فقال لى تروح دلوقتى تعمل جواز سفر وتيجى بكرة عشان الاستاذ موسى عملك مكافأة.

المفاجأة كانت فى مضمون الخطاب الموجه من الاستاذ موسى الى مدير الشركة والذى مازلت احفظ كلماته حتى اليوم هي:

عزيزى السيد المحترم مدير شركة الخطوط الجوية

تحية طيبة وبعد

يسعدنى أن أتقدم بكامل الشكر على الدعوة الكريمة التى ارسلتموها لى واقدم اعتذارى عن عدم تلبية الدعوة وأرشح بدلا منى زميلى الاستاذ محمد الشماع للقيام بهذه الدعوة.

أرجو أن تقبلوا تحياتى واحترامى    «موسى صبرى»

درس صحفى مهم

فى نهاية السبعينيات كانت الجماعات الإرهابية المتطرفة تقوم بعمليات تفجيرية اجرامية متعددة وكان من بينها جريمة قتل الشيخ الدكتور الذهبى وزير الأوقاف الأسبق من قبل جماعة التكفير والهجرة.

وكانت تسود البلاد حالة من عدم الاستقرار الأمنى، وفى أحد الايام وقبل أن ينتصف نهار اليوم تلقى استاذنا موسى صبرى رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة اتصالا.

تليفونيا من احد زملائنا الشباب فى تلك الفترة وكان محرراً ممتازا فى قسم الحوادث..

وكان ينتظره مستقبل يبشر بنجم صحفى متميز - يخبره فيها انه قد حدث انفجار ضخم فى ميدان العتبة وسط القاهرة وان الدماء تجرى انهاراً واشلاء القتلى تناثرت فى الميدان الكبير!

وضع استاذنا سماعة التليفون وانطلق خارجا من مكتبه هابطا درجات السلم مسرعا ليستقل سيارته الموجودة أمام باب المؤسسة طالبا من السائق التوجه فوراً الى ميدان العتبة. الذى وصله فى دقائق معدودة، لكنه لم ير أى حدث أو تغيير يسترعى الانتباه بالميدان. فعاد إلى المؤسسة واصدر قراراً بمنع دخول الزميل الى المؤسسة نهائيا! وقد تم ذلك بالفعل!!

لكن كيف وقع الزميل فى هذا الخطأ.. قال إن أحد مصادره دس عليه المعلومة الكاذبة ولكنه لم يتحقق من صدقها - كما تعلمنا - فكانت نهاية حياته الصحفية!!

مقهى الموظفين

فى عام 2005 قمت بحملة صحفية بالمستندات والوثائق ضد مدير عام منظمة العمل العربية وكان ليبى الجنسية، كانت المنظمة خلال رئاسته لها على مدى ثمانى سنوات فى اسوأ أحوالها حيث المخالفات المالية، لاتعد ولاتحصى، وأسلوب إدارة المنظمة التى لا يعرف ما هو عملها أو العائد من هذا العمل، وكان المدير العام يقيم بقرار منه 200 يوم فى العام فى عواصم اوروبا - علما بأن مقر المنظمة فى القاهرة - ببدل سفر كامل ومصروفات فعلية -  باختصار مخالفات صارخة، وكان يهدف ويسعى إلى تعديل ميثاق المنظمة لإعادة انتخابه مديرا عاما مدة أو مددا أخرى. كانت ردود الفعل لهذه الحملة قوية جدا، مما دفع مدير عام المنظمة الى الاستعانة ببعض الشخصيات البارزة من بلده المهمة والمسئولة لكى توقف هذه الحملة إن هدفى كان هو اصلاح أحوال المنظمة التى مازالت حتى اليوم تسير على نفس ميثاقها الذى تقادم ولم يعد يصلح لأى شىء!

ولم يكن نجاح الحملات يسعد البعض الذين حاولوا وقف هذه الحملات من بعض الزملاء الذين حاولوا نشر أخبار وموضوعات لبعض من طالتهم الحملات لكن الأستاذ جلال دويدار تصدى لتلك المحاولات الفاشلة.

حكايات ومواقف وقيم أخلاقية وانسانية وصحفية تعلمتها من استاذ الأساتذة موسى صبرى ومكالمات تليفونية قليلة جدا كانت آخرها قبل أيام من وفاته حيث تلقيت مكالمة من الاستاذ وهو على فراش المرض فى الخارج وبادرنى بصوت واهن انا موسى صبرى.. حيث قلت انا الشماع يا ريس حمدلله على السلامة.. وكانت قد سرت اشاعة بوفاته - فقال فى إيه ياشماع.. فما كان منى إلا ان قلت له الاستاذ سمير توفيق - نائب رئيس التحرير - عايز يكلمك ولم استطع اكمال المكالمة.. رحمة الله لاستاذى الغالى.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة