أحمد الإمام
أحمد الإمام


أحمد الإمام يكتب: هناك من يموت مرتين

أخبار الحوادث

الأربعاء، 07 ديسمبر 2022 - 01:44 م

 

..أصعب موقف يعيشه انسان عندما يشيع أحد أحبائه إلى مثواه الأخير، يشعر حينها وكأنه يشيع ذكرياته الحلوة وأيام صباه وشبابه التي عاشها بجوار هذا الحبيب الذي يوارى الثرى.
يعتصر الحزن قلبه وتنهمر دموعه بغزارة لتروي تراب المقابر، ويغادر المكان وقلبه معلق به وهو يتمنى في أعماق نفسه ألا تقوده الظروف والأقدار لتكرار نفس المشهد مع حبيب آخر.

ولك أن تتخيل موقف بعض البشر الذين يجدون أنفسهم مضطرين لخوض هذه التجربة المريرة بشكل أكثر قسوة عندما يصدر قرار إداري جاف  بإزالة المقبرة التي تضم رفات الأهل والأحباب وتجد من يخبرك بأنك مضطر لإخراج رفات أقرب الناس إلى قلبك من مرقدهم وإعادة دفنهم في مكان آخر بعيد.
يا إلهي .. أي شعور هذا الذي تستقبل به هذا القرار .. وكيف تمتثل له وتنفذه؟!

إذا كنت قد امتلكت القوة التي جعلتك تستطيع أن تتحمل لحظة الوداع الأولى عند دفن الأحباء فمن أين تأتي بالقدرة التي تجعلك تتحمل تجربة إخراجهم من مرقدهم الأخير وإعادة دفنهم مرة أخرى في مقبرة جديدة.

بعض القرارات الإدارية تصدر من عقول جافة تحت يافطة عريضة اسمها المنفعة العامة .. يافطة تصيبك بالشلل والعجز عن التفكير والتصرف وتسلبك القدرة على الاعتراض.
هذه القرارات يجب أن تتسم بالرحمة والانسانية ومراعاة مشاعر البشر الذين تجبرهم بقرار إداري لا يعرف الرحمة على إخراج أقرب الأهل والأحباب من قبورهم وطرحهم على قارعة الطريق وإعادة دفنهم مرة أخرى في مشهد مهيب يجدد الاحزان والآلام.

شاهدت بعيني منذ سنوات تجربة إزالة مقابر باب النصر لتوسيع شارع البنهاوي .. شاهدت الجثامين والعظام البشرية ملقاة على الرصيف أمام بوابة الفتوح في انتظار نقلها لمقابر جديدة على أطراف العاصمة في مدينة 15 مايو وطريق السويس وغيرها.

شاهدت أبناء المتوفين وأقاربهم وهم يبكون بحرارة وكأن أحباءهم ماتوا الآن فقط وليس منذ سنوات.
شاهدت حالات الإغماء والنحيب والجنازات الجماعية التي امتدت على طول الطريق في مشهد يدمي القلوب.

هذه القضية بالغة الاهمية والخطورة وتتكرر مع كل قرار إزالة لبعض المقابر .. وما آثارها من جديد هذه المرة قرار نقل رفات الكاتب الراحل يحيى حقي وأسرته بالكامل من مقبرة العائلة بالسيدة نفيسة التي يعود عمرها الى مائة عام أو تزيد إلى مقابر جديدة في العاشر من رمضان.

وإذا كان الموضوع هذه المرة اتخذ طابع الاهمية والتعاطف مع أسرة يحيى حقي لأن الرفات تخص كاتبا معروفا، فمن الذي تعاطف مع مئات الأسر الذين واجهوا نفس الموقف ولم يشعر أحد بأحزانهم ومعاناتهم.

في النهاية أنا لست ضد الصالح العام ولكنني مع الرحمة والانسانية ، بمعنى أن مثل هذه الإجراءات لا يجب اتخاذها إلا اذا كانت هي الحل الوحيد الذي لابديل له ، ويجب تجنب الازالة طالما هناك حلول أخرى يمكن بها تحقيق المنفعة العامة بعيدا عن جثث الموتى .. فالرحمة فوق العدل دائما.  

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة