د. مصطفى محمود
 د. مصطفى محمود


الدكتور مصطفى محمود: لا شيء يبعث على الحيرة أكثر من الزمان

الأخبار

الأربعاء، 07 ديسمبر 2022 - 05:47 م

قال الدكتور الراحل مصطفى محمود، إن لا شيء يبعث على الحيرة أكثر من هذه الكلمة المبهمة الغامضة عن الزمان.

وتابع في  كتاب «أينشتين والنسبية»:

ما الزمان ؟

هناك زمان نتداوله فى معاملاتنا ونعبر عنه بالساعة واليوم والشهر، وهناك زمان نفسانى داخلى يشعر به كل منا فى دخيلة نفسه. 

والزمان الخارجى الذى نتداوله زمان مشترَك، نتحرك فيه كما يتحرك غيرنا، نحن فيه مجرد حادثة من ملايين الحوادث، ومرجعنا فيه تقويم خارجى، أو نتيجة حائط. 

أما الزمن الداخلى فهو زمن خاص، لا يقبل القياس، لأنه لا مرجع له سوى صاحبه. 

وصاحبه يختلف فى تقديره، فهو يشعر به شعورًا غير متجانس.. لا توجد فيه لحظة تساوى اللحظة الأخرى، فهناك اللحظة المشرقة المليئة بالنشوة التى تحتوى على أقدار العمر كله، وهناك السنوات الطويلة الفارغة التى تمر رتيبة خاوية كأنها عدم. 

وهو زمن متصل فى ديمومة شعورية وكأنه حضور أبدى، الماضى فيه يوجد كذكرى فى الحاضر، والمستقبل يولد كتطلع وتشوف فى الحاضر.

اللحظة الحاضرة هى كل شيء، ونحن ننتقل من لحظة حاضرة إلى لحظة حاضرة، ولا ننتقل من ماضٍ إلى حاضر إلى مستقبل. 

نحن نعيش فى حضور مستمر، نعيش شاخصين باستمرار إلى سيّال من الحوادث ينهال أمام حواسنا، لا نعرف فى هذا الزمن الداخلى سوى «الآن»، ننتقل من «الآن» إلى «الآن»، ولا يبدو انقطاع النوم فى هذه الآنات إلا كانقطاع وهمى ما يلبث أن تصله اليقظة. 

هذا الزمن الذاتى النفسى ليس هو الزمن الذى يقصده أينشتين فى نظريته النسبية، إنه زمن برجسون، وسارتر، وهيدجر، وكيركجراد وسائر الفلاسفة الوجوديين. 

وهم يسمونه الزمن الوجودى، ولكنه ليس زمن أينشتين. 

أما زمن أينشتين فهو الزمن الخارجى الموضوعى، الزمن الذى نشترك فيه كأحداث ضمن الأحداث اللانهائية التى تجرى فى الكون. 

الزمن الذى نتحرك بداخله، وتتحرك الشمس بداخله، وتتحرك كافة النجوم والكواكب. 

وهو زمن له معادل موضوعى فى نور النهار، وانحراف الظل، وظلمة الليل، وحركات النجوم، وهو الزمن الذى نتفاهم من خلاله ونأخذ المواعيد ونرتبط بالعقود ونتعهد بالالتزامات. 

ماذا يقول أينشتين فى هذا الزمان ؟

إنه يتناوله فى نظريته النسبية بنفس الطريقة التى يتناول بها المكان. 

المكان المطلق فى النظرية النسبية لا وجود له، إنه لا أكثر من تجريد ذهنى خادع. 

المكان الحقيقى هو مقدار متغير يدل على وضع جسم بالنسبة لآخر، ولأن الأجسام كلها متحركة فالمكان يصبح مرتبطًا بالزمان بالضرورة، وفى تحديد وضع أى جسم يلزم أن نقول إنه موجود فى المكان كذا فى الوقت كذا، لأنه فى حركة دائمة. 

وبهذا ينقلنا أينشتين فى نظريته إلى الزمان ليشرح هذه الرابطة الوثيقة بين الزمان والمكان، فيقول إنه حتى الزمان بالتعبير الدارج عبارة عن تعبير عن انتقالات رمزية فى المكان. 

الزمن المعروف باليوم والشهر والسنة ما هو إلا مصطلحات ترمز إلى دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس. 

أو بشكل آخر «مصطلحات لأوضاع مختلفة فى المكان». 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة