جلال عارف
جلال عارف


جلال عارف يكتب: حين فتحت مصر الطريق الصعب إلى شراكة عربية مع الصين

جلال عارف

الجمعة، 09 ديسمبر 2022 - 05:15 م

كما بدأت العلاقات العربية- الصينية فى ظروف تاريخية تغير فيها وجه العالم فى منتصف القرن الماضي.. يأتى انعقاد القمة العربية - الصينية الأولى فى مرحلة مماثلة ينتقل فيها العالم إلى نظام دولى جديد تتغير فيه موازين القوى لتكتب نهاية مرحلة هيمنة قطب واحد التى ظن البعض يوما أنها ستبقى حتى نهاية العالم!!

البداية كانت من مصر وهى تستكمل استقلالها وتتحول - بعد ثورة يوليو- إلى طليعة لحركة التحرر الوطنى التى اجتاحت الوطن العربى والقارة الافريقية. فى عام ١٩٥٦ كان اعتراف مصر بالصين الشعبية وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها ضربة للحصار الغربى الذى كان مفروضا على الصين، وكان - فى نفس الوقت- إعلانا بأن مصر قد حددت طريقها المستقل بعيدا عن التبعية، وأن تحررها من الاستعمار- لن يكتمل إلا بتحرر كل الأرض العربية، وبانتصار حركات الاستقلال والتحرر - ونهاية الاستعمار القديم التى كتبت فى نفس العام - بأيدى مصر وهى تهزم العدوان الثلاثى فى معركة بورسعيد لتفتح أبواب الأمل أمام كل الشعوب المقهورة لتنال حريتها، ولتكون بعد ذلك جزءا من حركة التاريخ فى ظل حركة عدم الانحياز التى قادتها مصر مع الهند ويوغوسلافيا ليسير العالم كله نحو نظام جديد كان لابد أن تكون الصين فيه حاضرة وأن يسقط الحصار الغربى عليها، وأن تبدأ مسيرتها الجبارة لتكون القوة الكبرى التى تنافس اليوم على قمة العالم.

٦٦ عاما مرت منذ إعلان عبدالناصر الاعتراف بالصين الشعبية الذى فتح الباب بعد ذلك لتسير فيه دول عربية شقيقة، وتنامت فيه العلاقات العربية- الصينية فى كل المجالات، واليوم تأتى القمة الصينية- العربية لتجسد أهمية هذه العلاقات وكيفية تطويرها فى فترة حاسمة أيضا من تاريخ المنطقة والعالم. تأتى الصين وهى تنافس على زعامة العالم وتدرك أهمية المنطقة العربية التى تستورد منها نصف احتياجاتها البترولية، والتى تمثل شريكا أساسيا فى تجارة متبادلة تجاوزت ٣٣٠ مليار دولار فى العام الماضي.

انعقاد القمة حدث مهم فى العلاقات بين الجانبين. وهى تأتى كما كانت البدايات فى ظل ظرف تاريخى حاسم. الصين تعلن أنها حاضرة فى المنطقة وجاهزة للتعاون، والجانب العربى يعلن أنه يمد علاقاته إلى كل العالم بحثا عن مصالحه، وتأكيدا لاستقلاله واستقراره، وسعيا إلى شراكة تدعم جهوده للتقدم، بعيدا عن الاستقطاب فى تنافس «أو صراع»، أمريكى - صينى سيتصاعد حتما حتى تترسخ قواعد النظام الدولى الجديد الذى يولد بصعوبة.. وبأثمان قد تكون فادحة!!

ما يهمنا هنا أمران أساسيان: أن تكون الشراكة طريقا لتعظيم التعاون من أجل التنمية المستدامة التى تعتمد على تعظيم الإنتاج والتقدم التكنولوجى، والاستفادة من تجربة الصين فى هذا الطريق التى أوصلت الصين إلى أن تكون هذه القوة الاقتصادية الهائلة التى ستكون الأولى فى العالم بعد سنوات قليلة.

الأمر الثانى المهم هو أن يدرك الكل فى عالمنا العربى أن السير وحيدا لن يصل إلي شيء وأن التعاون  والتنسيق بين الدول العربية هو السبيل لامتلاك قوة عربية قادرة على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل. سيكون الأمر مختلفا لو امتلكنا قرارا عربيا واحدا يفاوض مع القوى الكبري. مهم جدا دعم التعاون الثلاثى بين مصر والعراق والأردن وتجاوز العقبات لتقديم نموذج عربى قادر على مواجهة التحديات، ومهم جدا التنسيق الدائم مع دول الخليج. القمة العربية- الصينية تعنى استقلال القرار العربي، وتقول إننا لا نريد أن ندفع ثمن التنافس «أو الصراع»، بين أمريكا والصين، لكننا لن نقطع السبل للتعاون مع الجميع من أجل مصالحنا، ومن أجل بناء قوتنا الذاتية القادرة على مواجهة تحديات فترة صعبة فى تاريخ المنطقة والعالم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة