صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


د. نعيمة عاشور حامد تكتب: فاتحة للسندباد عندما يرتبط الحكي بالحكي

أخبار الأدب

السبت، 10 ديسمبر 2022 - 01:12 م

«فاتحة للسندباد» هو عنوان المجموعة القصصية التى صدرت مؤخرًا للكاتب محمد عبد الحافظ ناصف عن المجلس الأعلى للثقافة، وتقع فى 279 صفحة من القطع المتوسط.


تضم «فاتحة للسندباد» خمسين قصة ضمن ثلاثة أبواب، وفيها ينسج الكاتب مجموعته القصصية، ونلمح مع بداياتها ولع الكاتب بتنوع شخصياته وتعدد المستوى اللغوى بما يتلائم مع هذه الشخصيات حتى تتحول الحكاية إلى أشخاص حقيقيين؛ حيث يقدم الراوى فى سرده مجموعة أنماط لغوية تتحدد فى العلاقة بين الإشارات والعلاقات الدلالية فى الجمل، حتى تلتقى المتغيرات اللفظية، ويتحدد الفعل الخطابى القصصى فى علاقته بغيره من الأفعال، وهى أصناف يشكلها الخطاب باعتبارها جزءًا من النشاط الاجتماعي.


واستنادًا إلى العلائقيات النصية لـ«فاتحة للسندباد» بين الكلمات والإشارات اللغوية وكيفية تصنيفها لأجزاء من العالم الاجتماعى ومن علاقات الترادف والتلازم والمسلمات والسمات النحوية والتفرع الدلالى على أنواعها.

وتتميز كل قصة من قصص المجموعة بأنها طريقة مختلفة فى التمثيل الاجتماعى تملك درجة من التطور عبر أزمنة مختلفة وأمكنة متنوعة، وأن كل قصة تنبئ عن عدة ممثليات خطابية لجوانب عديدة من العالم الحكائى.

فالخطاب الحكائى القصصى أسهم فى توليد الكثير من الممثليات الخاصة فى علاقته بالشخصيات وتطور الأزمنة والأمكنة اختلف من حيث درجة التكرار والثبات الوصفى أو الزمني، حتى أسفرت القصص عن أنماط مختلفة من ضروب الخطاب، إذ تكوَّن خطاب جديد مهجن من تمفصلات خيالية قديمة.


وبين فواتح ثلاث تتصل العلائقيات وتتمفصل؛ فاتحة للروح، وفاتحة للقلب، وفاتحة للسندباد. ثلاثة فواتح تشكل مفتتحًا مهمًّا للمجموعة القصصية، يجمعها لون أحادى واحد هو الخوف، وفيها يُجثم الواقع الاجتماعى بثقله على الشخصيات ويُشكل مسرحًا للأحداث، مفتقرًا للحرية الفردية.


وتتعدد أوجه الخوف وتتعقد؛ حيث تفتتح به فاتحة للروح رائحة الموت فقد ماتت أم جار النبي، ماتت بالأمس حتى أحس باليتم بطل أحداثها، وتغير لون الماء بعينيه وانتقل من لون الصفاء والحياة للون آخر حزين، وتغيرت سحب التراب الجاثمة على صدره حتى أطلق زفرات الآه.

وتختتم به موت الأم وهى تعانى من رعب يعانى منه أحد شخوصه فما كان عليه إزاء هذا الواقع الموحش إلا أن يشرب زجاجة التيم باستمتاع غريب وهو جالس مكانه يعيد تفرس رؤية صورته مرة أخرى؛ ليربط ذلك بشكل متشابك ومعقد متعدد البنيات الخطابية.


وفى فاتحة للقلب ينفرط عقد الصبر وتتهادى الأشياء على م الأحداث على المستوى النفسي، ولا نجد إلا صدى الصوت الذى شكله الموت، وتتشكل حركة من الاكتشاف المؤلم للموت، والرضا به فى الوقت نفسه.

ومحاورة الموت: «سرت أتلمس الخشبة أربت عليها، أكرر لها ما قلت سلفًا فتجيب: نعم .. نعم». وتنشغل القصة بصراع الذات وتشتعل فى النهاية بإعلانها عن إحساسها بالخوف، ليتشكل صراع الذات ضد الذات، وينتهى بفقد الطرفين لأحدهما، يتوقف أمام «مقبرة أمل.. نعم أمل».

فلم يتفقا أن يقف أمامها، فقد توقف رغمًا عنه، آخذًا فى العتاب أنها لم تأتِ، مع محاولة للإمساك بها حتى تلاشت بعيدًا بعيدًا، وهو بلا شك نهاية طبيعية للحياة، فقد استخدم الكاتب عنصر الواقعية الذى يؤكد إيمانه بحتمية الموت والرضا به.

وم العمل على المستوى النفسي، والذى ينتقل من وحشة الموت إلى الإحساس بالأمان، كما أن لفاتحة للقلب خصائص علاماتية ودلالية متعددة يساعد فهمها فى إدراك بعد آخر مغاير، فقد لعب تداخل اللون الأخضر للصبار دورًا كبيرًا فى تحويل المشهد لترسيخ رؤية مغايرة قوية انتقلت بالحدث القصصى وامتزجت بطبيعة اللون، لينقلنا بكل رحابة فى دورة طبيعية من الموت إلى الحياة مرة أخرى.


وفى فاتحة للسندباد ينشغل الراوى بخطاب أكثر استقلالية من خلال صراع الذات مع الذات مع عدة أطراف، والذات مع المجتمع، والوعى مع اللا وعي، وصراع الحقيقة مع الخيال، وهو أشبه بالموت والعدم.

ومن العلاقة بين المشاركين الاجتماعيين فى التفاعل الخطابى يمتزج واقع بخيال، إذ إن الأسى الحقيقى يتأتى من واقع آخر خيالى منتظر، فنجد انتقالاً منتظمًا لنمط خطابى متعدد الجوانب.

ومن خلال إمكانية القيام بفعال رابطة بين أحداث اجتماعية خبراتية تنتمى إلى ممارسات اجتماعية مختلفة ونظم خطابية متشابكة ومنتظمة لغويا اشتملت على العديد من الحركات والإشارات التى جمعت أضدادًا عديدة بين الواقع واللا واقع.

ويزداد إيقاع السرعة والزمن وسط مجموع أطفال أضاف إليهم الفقر قسوة باردة، ومن سعيه إلى تحدى القهر يرحل أحد الأطفال مع رحلة للسندباد إلى بلاد العجب، فقد مل طريقه اليومى من الشعبية إلى محله أبو على وسط إهانات الأسطى وضربه على قفاه.

وللنوم هنا عنصر فجائى منه يسعى إلى تحدى القهر؛ إذ يغفو قليلاً، ويطير مع السندباد على بساطه السحرى على قصور بغداد ودجلة، وسط مجموع أطفال من كل بلاد العالم فرحين يضحك لهم السندباد وتستقبلهم ست الحسن بوردة لكل ولد.

فى رغبة صريحة منه لتحرير كل هؤلاء الأطفال من هذا الواقع الجاثم بظلاله المؤلم عليهم، وحتى فى حلمه لا تفلت أدواته الواقعية منه، فمعه عالمه كاملاً؛ معه إيمان، والعيال الذين يمسحون العربات بفوطة قماش قاتمة، ومعه الدركسيون لكنه هذه المرة دركسيون للبساط، فقد كان شيئاً عجيباً إذ يجد نفسه على طرف البساط ينادى بصوتٍ عالٍ:

الهند، السند، بلاد العجب... لعالم خيالى.
فقد كانت بديلًا.. للشعبية، أبو علي، الشعبية، أبو على... عالمه الحقيقى.
فقد رصد الكاتب العديد من عبثية حياة هؤلاء الأطفال، يحددها زمان ومكان واحد وفاعلون اجتماعيون ثابتون متعددون ومتشابهون فى البراءة وسرعة إيقاع تظهر تأثيرات تعبيرية لعنصر الزمن وسرعته صوتًا وتنغيمًا وحركة سريعة والتى تتلاقى مع سرعة فرامل السائق المفاجئة، فقد زادت سرعة الإيقاع تأثيرًا على بنية الخطاب القصصى فتشكلت مجموعة من القيم التعبيرية التى يعيشها هؤلاء الأطفال، وهو نمط خطابى متميز من الكتابة يُخرج المجتمع عن صمته بهيمنة قوة أكبر وهى قوة الخيال.


تتضمن المجموعة القصصية «فاتحة للسندباد» خمسين قصة؛ منها بالباب الأول: شعر البنت، شارع الحب، عصفور، الفاوريكة(1)، بندق، حارة الموناليزا، ابتسامة القمر، ورق أبيض، مقاعد خالية، أحلام بسيطة، ليدجيا، كلمات سبارتكوس الأخيرة، أغنية الخروج، نقط فوق حروف مائلة، إصبع وحيد فى كف الشمس، البحر بيضحك ليه، من حكايات البنت المسافرة.

وبالباب الثانى: نصف نظرة حانية، طائر الليل، حياء الإبل، من هنا تشرق الشمس، صدى، وجع المدينة، موافقة أخيرة لكائن رافض، فاتحة للعين، الفلنكات، بقاء، مطاردة، نبوت الخفير، شعر البنات، أما الباب الثالث فيضم: قاهرة، سكر نبات، رقصة، برسيم، هئت لك، رقصة الفئران، خطوط، نُباح، تفسير، حصار، مناجاة، إبيجرامات، اختيار، خوار، وجبات، قصتان من يوم العيد، وكل عام وأنت.


والكاتب محمد عبد الحافظ ناصف كاتب مسرحى وكاتب أطفال وسيناريست وقاص ومترجم، فاز بعدة جوائز منها فى المسرح: جائزة محمد تيمور للإبداع المسرحى عن مسرحية طلوع النهار أول الليل عام 1998، ومسرحية وداعًا قرطبة عام 2003.

وجائزة التأليف المسرحى من المجلس الأعلى للثقافة عن مسرحيتى أرض الله والفلنكات عام 2001، وجائزة رابطة العالم الإسلامى عن مسرحية سجين الهاء والواو، وجائزة سوزان مبارك فى مسرح الطفل. وفى القصة القصيرة جائزة محمود تيمور عن مجموعة الفاوريكة 1998.

وفى أدب الطفل جائزة قصور الثقافة فى قصة الطفل عن مجموعة «مدرستى يا مدرستى» عام 1996، ومجموعة «ابتسامة القمر» عام 2004، أما فى الدراما التليفزيونية فاز بأحسن عمل درامى للطفل عروض مسرحية منها: طلوع النهار أول الليل، مسرح الهناجر، الفلنكات، وداعًا قرطبة، طلوع النهار، رقصة الفئران الأخيرة، النهر، حضرة صاحب البطاقة، الغد، حارة الموناليزا، وحكايات رمضان أبو صيام وغيرها.
 

اقرأ أيضا | روائع «محمد فوزى» تُنير مسرح الهناجر في أمسية «ذهب الليل»

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة