صلاح طاهر خلال رسمه لأم كلثوم
صلاح طاهر خلال رسمه لأم كلثوم


من نقوش القدماء إلى إبداعات المعاصرين

النساء في فنون المصريين.. جميلات للأبد

آخر ساعة

الأحد، 11 ديسمبر 2022 - 12:52 م

رشيد غمرى

آلاف السنين تفصل بين الفن المصرى القديم، وإبداعات المعاصرين. وكلاهما تناول المرأة كموضوع أثير للفنون فى كل زمان ومكان. ورغم الاختلافات المتراكمة فى الغايات وعلى مستوى الرؤى والتقنيات، فإننا سنحاول استقصاء نظرة الإبداع المصرى للمرأة بين الماضى البعيد، والإبداعات المعاصرة، للتعرف على التغيير فى صورتها وفق المخيلة الجمعية، وانعكاسها فى الفن، وعما إذا كان هناك خيط يربط بين الصورتين، رغم مرور عشرات القرون.

يبدو أغلب ما وصلنا من فنون المصريين القدماء ذا طبيعة رسمية، ولكنه يظهر ضمن حالة من التوحد بين الروحى الديني، مع ما هو سياسي، ودنيوي. وهو يعكس الواقع فى مرايا مخيلة خصبة. وبخلاف أغلب المجتمعات القديمة، حظيت المرأة فى مصر بأهلية كاملة، وحق المشاركة فى أغلب أنشطة المجتمع، ووصلت إلى أرفع المناصب. وهو ما جعل عالمة المصريات الفرنسية «كريستيان ديروش» تصف المرأة المصرية بأنها كانت تعيش حياة سعيدة فى ظل مساواة مع رجل، رآها أمرا طبيعيا وفطريا. هذه المكانة عكسها الفن، من العمارة إلى النحت والتصوير، ويكفى أن ننظر إلى معابد حتشبسوت، ونفرتاري، بالإضافة إلى ما حظيت به بعض النساء من مقابر عظيمة يضمها وادى الملكات فى الوادى الغربي.

أناقة المصريات

تناول الأدب الدنيوى القديم المرأة كإنسان يتسم بالجمال، ضمن غزليات بديعة. كما تناولها كإنسان يمكن أن يخطئ، وأن تكون سببا فى الغواية. والأمثلة على ذلك عديدة من بردية «بتاح» التى ترجع إلى الأسرة الثالثة وحتى أدب الأسرات المتأخرة. وضمن نصوص، جمعتها الباحثة «ديروش نوبلكور»، يظهر أن اعتناء النساء بجمالهن كان طقسا يوميا. كما يظهر ذلك من ترجمة العالمة الفرنسية «كلير لالويت» لغزليات من بردية «شيستر».
وفق دراسة للباحثة ديبورا سويني، بعنوان «صغيرات إلى الأبد». قالت إنه نادرا ما جرى تصوير امرأة مسنة. فلا تجاعيد على الوجوه، ولا قامات محنية، ولا أجساد مترهلة. وهو أمر لم يفرق فيه الفن بين نساء الطبقات العليا، والعامة.

فى عيون الرواد

انبعث الفن المصرى مجددا مع مطلع القرن العشرين على يد مجموعة من الفنانين الرواد، والذين درسوا على يد فنانين غربيين، لكن سرعان ما بحث كل منهم عن طريقه فى التعبير عن الهوية الوطنية.
وتصادف ذلك مع فترة حراك سياسي، واجتماعي، تبلورت خلاله تلك الهوية، وازدهرت فى الوقت نفسه بشائر التنوير، واندمجت النساء فى قلب الحراك، وصرن أحد أهم قواه الدافعة. وفى هذا المناخ ظهرت المرأة فى الأعمال الفنية لجميع الفنانين تقريبا، فكيف رأوها؟

احتفى محمود سعيد بالجمال الشعبي، وحافظ على إظهار ملامح، وتعبيرات الوجوه بصورة أقرب للواقع، مع حالة سحرية اكتنفت مشاهده. وحرص على إبراز مكامن الجمال الأنثوى الشعبى بحساسية مفرطة، وهو ابن الوسط الأرستقراطي. كما قام أيضا برسم العديد من اللوحات لنساء طبقته، وعائلته. أما محمد ناجي، فقد اتجه إلى الريف، وظهرت المرأة فى لوحاته، تؤدى أدوارها فى العمل المنزلى والحقلي، وضمن العديد من الطقوس الاحتفالية الشعبية، وهى موضوعات عالجها الفنان القديم. وفى أعمال راغب عياد، ظهرت المرأة بملامح شديدة المصرية، وفى بيئات شعبية، بوصفها رفيقة، وشريكة للرجل فى كافة مناحى الحياة أيضا، وكانت له تجارب فى محاكاة الفن القديم. كذلك اهتم الفنان يوسف كامل أحد أبناء الدفعة الأولى بمدرسة الفنون الجميلة، برسم وجوه النساء، وإبراز قيم جمالية وتعبيرية عميقة وإنسانية، أظهرت رهافة الأنثى، وعطاءها. وليس هذا بغريب على أول عميد لكلية الفنون الجميلة، يسمح للفتيات بالالتحاق بالكلية. ومن الجيل التالي، تميز الفنان حسين بيكار بحس إنسانى صوفى، جعله ينفذ إلى جوهر الأشياء بشفافية. وقد ظهرت المرأة فى لوحاته كصانعة للحياة، فى كل مكان من النوبة إلى الريف. فهى التى تحمل الجرار، وتجلب الماء، وتقوم على شئون البيت، وتملأ الحياة بالبهجة والحيوية، وهو ما يتصل بخير رقيق مع روح الفن القديم. وعندما رسم الوجوه النسائية، فقد صورها شامخة، وقوية، وجميلة، ومميزة. كذلك حضرت المرأة فى أعمال صلاح طاهر، وظهرت كجزء من كل اجتماعى ووجودي، مع الرجل والأبناء، واهتم برسمها فى عدة «بورتريهات» جسدت شموخها، ومن أشهرها البورتريه الذى رسمه لأم كلثوم.

نساء الأساطير

فى أعمال الفنان عبد الهادى الجزار، تنوع حضور المرأة عبر مراحله المختلفة. ففى بداياته المبكرة ظهرت بوصفها أصل الحياة، وفى مرحلته الشعبية بدت كحاملة للأسطورة وتجسيد لها، كما فى لوحات «فرح زليخة» و»ذات الخلخال»، وفى أعماله الوطنية، خلال الستينيات ظهرت كتعبير عن الوطن كما فى لوحة «الميثاق». كما بدت كحائط صد إلى جوار الرجل، وجزء من بناء المجتمع فى لوحة «العائلة». أما رفيقه فى جماعة الفن معاصر سمير رافع، فبقدر ما احتفى بالمرأة فى أعماله الأولى، بصورة فطرية تنم عن الحب والتقدير، بقدر ما تحولت عنده إلى باعث على اللوعة والألم فى مراحل تالية، جعلته يعيد رسم اللوحة نفسها تقريبا مئات المرات طوال عشرات السنين لامرأة فى أحضان الذئب. وكان ذلك ترجمة مباشرة لظروف شخصية، وما تعرض له من تقلبات عنيفة، بين مصر وفرنسا والجزائر، وفرنسا مجددا، قبل أن ينهض مجددا مستعيدا نفسه عبر الفن، ليحول مصدر ألمه إلى إبداع. أما الفنان مصطفى الرزاز الذى استلهم الفن الشعبى بحس أسطورى فقد ظهرت المرأة فى أعماله، ضمن تكوينات تعبيرية، مشحونة بالعاطفة، وتصل أحيانا إلى الميلودرامية. وأغلبها حملت تعاطفا فطريا، ومحبة وتقديرا لنساء عابرات للأزمنة. وفى أعمال الفنان عادل السيوى تظهر المرأة كحقل تعبيرى احتمالي، حيث يظهر على الأغلب تعبير رئيسى عميق وخاطف، سرعان ما يتشوش قليلا، ليضعها ضمن دائرة من الاحتمالات، وعدم اليقين، الذى يثرى حالة التلقي. ويبدو الفنان فى حالة استكشاف دائم للمرأة، وكأنه أمام لغز، يحاول حله. وتظهر المرأة فى أعمال الفنان محمد عبلة ككائن واقعي، جرى تصويره بتجرد، وبأسلوب يبدو ارتجاليا أحيانا، لكن بشيء من التأمل، نكتشف أن اللقطة البسيطة قامت بالتقاط الواقع عبر مرشحات الذاكرة، والتى تمتد أحيانا إلى البعيد حيث التراث الجمعي، وأحيانا إلى سنوات قليلة مضت، حيث عالم الصور العائلية بالأبيض والأسود. وتظهر المرأة بوصفها إنساناً قبل أن تكون أنثى.

وبالطبع هناك مئات من فنانين معاصرين آخرين ظهرت المرأة فى أعمالهم، لكن بشكل عام، ورغم بعد الزمن سنجد أن شيئا عميقا يربط بين فنانى اليوم، وفنانى مصر القديمة، وهو إجلال الأنثى، والنظر لها كمصدر للحياة، وللجمال، والعواطف السامية، ما يعكس تواصل الجين الحضاري. وإذا أردنا أن نجد جسرا بين أعمال الماضى البعيد والحاضر، فليس أبلغ من أعمال النحات محمود مختار، الذى اختار استلهام الفن المصرى القديم، وقدم منحوتات خالدة لنساء مصريات، شامخات، جميلات، ومعجونات بطين الأرض، وماء العطاء اللامحدود.

أقرأ أيضأ :50 سنة زوزو l ٥٠ عاماً على «محطم الإيرادات»

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة