د. رضا عطية
د. رضا عطية


في وداع شيخ النقاد العرب «فضـــل».. أستــــاذي

الأخبار

الأحد، 11 ديسمبر 2022 - 06:05 م

بعد ساعات قليلة من رحيل الناقد الكبير والمجمعى القدير د.صلاح فضل، ضغط الناقد البارز د.رضا عطية على أعصابه ومشاعره الحزينة، وجلس -وفاء لذكرى الفقيد- ليكتب هذه السطور باعتباره أحد أبرز تلامذة ناقدنا الراحل وقرر أن يهدى سطوره إلى «الأخبار». 

برحيل د. صلاح فضل، رئيس مجمع اللغة العربية، والناقد الأبرز والأهم فى الثقافة المصرية والعربية آخر نصف قرن يخسر الفكر النقدى العربى الرافد الأوفر عطاء له وإمدادًا بأحدث المناهج النقدية التى عرفتها الثقافة العالمية منذ منتصف القرن العشرين حتى الآن. كرس صلاح فضل حياته للعلم والأدب بإخلاص متناهٍ وبدأب مستمر فحقق إنجازات متفرِّدة وإضافات مثرية.

منذ سبعينيات القرن العشرين يؤسس صلاح فضل بناءه النقدى، يعلو به طابقًا فوق طابق، يحدِّث منجزه النقدى ويراكمه كأنَّه فى تحدٍّ كبير مع الزمن ونفسه، يريد للفكر النقدى العربى أن يلحق بالعصر وأن يدرك حداثته، فقدَّم لنا المناهج النقدية البنيوية التى تدرس النص الأدبى كبنية تتشكل من عديد من المكونات والعناصر الفاعلة أو بالأحرى عديد من البنى المشكِّلة له.

ولقد أصبح النقد الأدبى على يدى د. فضل علمًا له منهجية لدراسة الأدب، كما تبدّى دور صلاح فضل المؤثر فى توجيه بوصلة النقد العربى آخر نصف قرن نحو قراءة جديدة تتعمق فى جسد النص الأدبى وتدرس أعضاءه، بغوص فى أغوار النصوص استخراجًا لجمالياتها.


وعلى مدى الثلاثة عقود الأخيرة من القرن قدم د. صلاح فضل عددًا من المناهج الحداثية كمنهج الواقعية فى الإبداع الأدبى فكان أول من قدَّم أصول النقد الثقافى فى هذا الكتاب وأول من عرفنا بأدب الواقعية السحرية و«بجابريل جارثيا ماركيز» فى عام 1978.

قبل حصوله على نوبل للآداب فى 1982، قبل معرفتنا القوية به وبداية ترجمتنا لأدبه. كذلك كان لصلاح فضل إسهامات عظيمة متنوعة فى مجالات أدبية متعددة كترجماته المهمة للأدب الإسبانى خصوصًا فى المسرح، وتقديمه للمسرح الإسبانى، فضلاً عن دوره العظيم ومجهوده الوافر فى تقديم بانوراما نقدية للإبداع الأدبى المصرى والعربى،.

رواية وشعرًا آخر أربعة عقود بالكتابة على ما يربو من مائتين وخمسين رواية وعشرات الشعراء والأعمال الشعرية، فضلاً عن عطائه الوفير والمهم فى مجال الأدب المقارن وتلمس الجسور الثقافية بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الغربية.


ويتجلى بوضوح انفتاح العقلية النقدية لفضل وتقدمية وعيه فى مراوحاته النقدية فى كل ما يكتبه ومن يكتب عنه فلا يقف عند جيل بعينه أو يتمسك بتعضيد اتجاه إبداعى معين، ففى الشعر مثلاً نجده يوزِّع جهوده فيه بين نقد كلاسيكياته ونقد الشعر الجديد، شعر التفعيلة.

وكذلك نقد قصيدة النثر، بل ونقد شعر العامية كما كان فى كتابه المهم الذى صدر فى مطلع العام 2020، «شعر العامية: من السوق إلى المتحف» الذى قدم فيه تأسيسًا تنظيريًّا داعمًا للعامية وآدابها ومدافعًا عنها فى وجه الأصوليين من اللغويين بحجة نظرية الصفاء اللغوى، ما يجعلهم ينظرون إلى آداب العامية بوصفها نصوصًا دنيا، فقدم قراءات بديعية وعميقة لتجارب شعرية مهمة كـ»بيرم التونسى وصلاح جاهين وعبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب».

ولا ينفصل دور صلاح فضل النقدى فى الأدب عن دوره التنويرى فى الحياة الثقافية والحياة العامة، فقد كان صاحب إسهام بارز فى الدفاع عن حريات التعبير ورفع القيود والوصايات عن الإبداع الأدبى والإبداع الجمالى عمومًا.

ولأن للأدب لغة أخرى لها شفراتها ورمزياتها التى من الخطأ أن يكون فهمها على مستواها المباشر وقشورها السطحية للتعبير. فكان صلاح فضل مساهمًا فاعلاً فى حوارات الأزهر مع المثقفين فى أعقاب يناير 2011.

كما كان مدافعًا مخلصًا عن مدنية الدولة فى مداولات صياغة الدستور المصرى ما بين 2012 و2014، تأكيدًا لمسئوليته كمثقف يحمل مشاعل التنوير الفكرى، نهوضًا بمجتمعه وارتقاءً بأمته.

اقرأ ايضا | منى نور تكتب.. صورة الطفولة فى السرد عند إدريس ومحفوظ

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة