صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


الجماعات الأصولية.. مصانع إنتاج المتطرّفين

أخبار الحوادث

الأربعاء، 14 ديسمبر 2022 - 07:07 م

كتب: عمرو فاروق

هل سقطت جماعة «التبليغ والدعوة» من حسابات تيارات الإسلام السياسي؟ هل حقًا لا تملك مشروعًا أصوليًا مؤطرًا بمساعي الوصول إلى السلطة؟ هل قياداتها وأتباعها يناهضون مرجعية التكفير والعنف؟ هل تتمتع منهجيتها الفكرية والدعوية بسمات الوسطية والاعتدال؟

أسئلة كثيرة تحتاج إجاباتها إلى مراجعة قوية، في ظل المتغيرات التي شهدتها دول المنطقة العربية على مدار السنوات العشر الأخيرة، وأسقطت النقاب عن تماهي الجماعات الأصولية ومكمن أهدافها الحركية، ومعاداتها لمخرجات الدولة الوطنية.

قدمت متون الدراسات البحثية، جماعة «التبليغ والدعوة»، في إطار الكيانات الدعوية البعيدة من الممارسة السياسية وتبعاتها، في خطأ فادح يتجاهل قيامها بدور شديد الخطورة، جراء تمهيدها للمشهد أمام التيارات الأصولية وجماعات السلفية الجهادية، في خلق دوائر متعاطفة ومتأثرة بالمفاهيم الفقهية لتيارات الإسلام السياسي.

الضوابط العامة لجماعة «التبليغ والدعوة» (في مصر نموذجًا)، متسقة مع التيارات السلفية وجماعات الإسلام السياسي، فضلاً عن التيار الجهادي، وفق وقائع حية، أبرزها مشاركتها في «غزوة الصناديق» في مارس 2011، و»جمعة قندهار» في يوليو 2012، فضلاً عن محاصرة المحكمة الدستورية، ودعمها غير المتناهي لجماعة «الإخوان»، وتنديدها بإطاحة الشعب لحكم المعزول من الرئاسة.

حالة التماهي والتشابك بين الجماعات الأصولية، فرضية واقعية، ولها شواهدها التاريخية والزمنية، لا سيما أن التحول من الاعتدال الفكري، إلى التشدد والتطرف، ومنه إلى التكفير والعنف المسلح، عملية خاضعة لمجموعة من الطرق المنهجية التي تحتاج في مضمونها إلى بيئة حاضنة يتم من خلالها تشكيل العقلية المعرفية والأطر المذهبية لأفراد التيارات الأصولية.

إطلاق العنان لجماعة «التبليغ والدعوة»، تحت مزاعم أنها لا تتصارع مع النظام السياسي، ولا تحمل توجهات تهدف للهيمنة على مؤسسات الدولة، وتتحرك وفق مظلة قانونية، يمثل تهديدًا للأمن القومي المصري، ويخلق بيئة مناسبة لتنامي التنظيمات المتطرفة تناميًا غير مباشر.

حصر أدبيات جماعة «التبليغ والدعوة» في نطاق «فقه العبادات والمعاملات»، من دون التطرق إلى «الفقه السياسي»، ينافي حقيقة ما تم واقعيًا، في ظل وقوفها كحائط صد أمام تفكيك مفاهيم الإسلام السياسي والحركات الأصولية، في العمق المجتمعي، وعرقلة جهود الدولة في مواجهة تبديل الهوية الفكرية والثقافية.

الجولات والقوافل التي تعتمد عليها جماعة «التبليغ والدعوة» في اجتذاب أتباعها ومريديها، من المساجد والمقاهي والشوارع والميادين العامة، تتقارب في ذاتها مع الوسائل الحركية التي تستند إليها جماعة «الإخوان الإرهابية» في تجنيد قواعدها التنظيمية، التي ركزت على الجامعات والمدارس، والأندية الرياضية والهيئات والمؤسسات الحكومية، مع اختلاف نمطيتها ما بين سرية «الاستقطاب الفكري» وعلانيته.

تمهد جماعة «التبليغ والدعوة» الطريق أمام «السلفية الجهادية» في توسيع وجودها وتمركزها، وفق قاعدة «المخزون الاستراتيجي» للقطاعات الجماهيرية التي تمت تهيئتها فكرياً ونفسياً وعاطفيًا، تمهيدًا لبناء الشبكات والخلايا المتطرفة.

تعتبر جماعة «التبليغ والدعوة» محطة رئيسية ومهمة في تاريخ غالبية القيادات التكفيرية وتحولاتها من خانة الاعتدال إلى التطرف الفكري، إذ أن دراسة الخطوط الزمنية للكثير من أبناء التنظيمات الإسلاموية، المشاركة في خضم المعارك الدائرة في سوريا والعراق وليبيا، ضمن صفوف «داعش»، و»القاعدة»، و»جبهة النصرة»، تبرز ارتباطهم ابتداءً، بمشروع جماعة «التبليغ والدعوة»، في إطار عملية البلورة الفكرية، وتبني منهجية المشروع الأصولي.

وفقًا للتحقيقات الرسمية التي أجرتها نيابة أمن الدولة في القاهرة في ثمانينات القرن الماضي، مع عدد من قادة تنظيمات «الجهاد المصري»، عقب اغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، بيّنت انتماء بعضهم في البداية إلى جماعة «التبليغ والدعوة»، كنموذج عبود الزمر.

اقرأ أيضًا

حماة الوطن: محور التعمير بالإسكندرية نقلة نوعية تفتح آفاق تنموية جديدة

كما لا يمكن تجاهل تلميحات إبراهيم عزت، مؤسس جماعة «التبليغ والدعوة» في القاهرة، إلى محمد عبد السلام فرج، مؤلف كتاب «الفريضة الغائبة»، والمتّهم الأول باغتيال الرئيس السادات، بأنه مؤمن بمنهج تنظيم «الجهاد»، ولكنه لأسباب عديدة لا يمكنه الانضمام للتنظيم، مبينًا أنه لتنظيم «الجهاد» إمكان القيام باستقطاب أتباع «التبليغ والدعوة»، للعمل في صفوف تنظيم «الجهاد»، وكان نص كلامه، بحسب هذه الرواية، «أنا أحضر لكم الناس من الشارع للمسجد، وأنتم تتولون الباقي».

تتمتع جماعة «التبليغ والدعوة»، بقاعدة عريضة تتمركز في نطاقات جغرافية متعددة، بدأتها من الهند في عشرينات القرن الماضي، على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي عام 1926، وانتقلت منها إلى دول المنطقة العربية، وإفريقيا وأوروبا، تحت مسمى «أمة التبليغ والدعوة»، وتعقد مؤتمرها السنوي في بنجلادش بمشاركة مئات الآلاف من أتباعها.

في ديسمبر 2021، أطلقت الهيئة العامة للأوقاف في المملكة العربية السعودية، تحذيرًا من جماعة «التبليغ والدعوة» (الأحباب)، واعتبرتهم يمثلون ظهيرًا للتنظيمات المتطرفة، أمثال جماعة «الإخوان الإرهابية»، والتيار السروري المعروف إعلاميًا بـ«تيار الصحوة» الذي أسسه الشيخ محمد سرور زين العابدين.

انطلقت مسيرة جماعة «التبليغ والدعوة»، في الداخل المصري، من مسجد أنس بن مالك في مدينة الحوامدية في محافظة الجيزة، على يد إبراهيم عزت، أواخر ستينات القرن الماضي، بعد انشقاقه عن جماعة «الإخوان»، ويتزعمها حاليًا الشيخ طه عبد الستار.

يزيد عدد أتباعها في مصر على 250 ألفاً، ويقع مقر مركزها العام في قرية «طموه» التي تبعد ما يقرب من 30 كم عن القاهرة، وتعتمد في تأهيل أتباعها على مجموعة من الكتيبات، أبرزها «حياة الصحابة»، و«رياض الصالحين»، و«الترغيب والترهيب»، و«الأدب المفرد».

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة